رصد (الحل) – نشرت صحيفة «هارتز» الإسرائيلية مقالاً تحليلياً، توضح فيه أن التصعيدات التي حصلت في دمشق يوم الأحد، بين كلٍ من إسرائيل وإيران، جاءت نتيجةً لتراخي القوى العالمية الكبرى، والذي تسبب في خلق فراغ في الشرق الأوسط.

حيث يرى المقال أن تصعيد الصراع بين كل من إسرائيل وإيران في سماء سوريا خلال الـ24 ساعة الماضية، أدى بهما إلى إخراج حربهما السرية خلال العامين الماضيين إلى العلن. فقد نفذت إسرائيل سلسلة نادرة من الغارات الجوية في منطقة دمشق تبعتها محاولة إيرانية لإطلاق صاروخ متوسط المدى نحو الشمال الإسرائيلي. ومع الساعات الأولى من صباح يوم الاثنين الماضي, لم تكتف إسرائيل بإطلاق سلسلة أخرى وأشمل من الهجمات ضد الأهداف الإيرانية في سوريا، بل أعلنت للمرة الأولى بأن الصراع الحقيقي قد وقع. فصراع إسرائيل وإيران المباشر والمفتوح في سوريا لم يعد مفاجئاً نظراً إلى الكيفية التي أدت بها الأحداث، خلال الحرب السورية في السنوات الثماني الأخيرة الماضية، إلى هذه اللحظة.

إلا أن المدهش، من وجهة نظر المقال، هو كيف للأمور أن تصل إلى هذه التطورات الأخيرة دون أدنى محاولة لأي من القوى العالمية الكبرى، وخاصة (الأمريكية، والروسية)، ممارسة أيّ تأثير هام على الأرض. ففي السنوات الأخيرة، تحدّث محللون جيوسياسيون عن العالم والتحول الشرق أوسطي من نظام دولي كانت فيه الولايات المتحدة تشكل القوة العظمى الوحيدة لتوازن «متعدد الأقطاب». إلا أن ما يحدث في سوريا اليوم هو حالة غير قطبية. فكل من إسرائيل وإيران لا ترغب في المضي نحو حرب شاملة، إلا أن ذلك قد يحدث في حال غياب تدخل القوة العظمى. فروسيا تتظاهر بسعيها لتنفيذ خطط مستقبلية من أجل سوريا، ولكن لا يبدو أنها تفعل الكثير حيال تنفيذها. وفي الوقت ذاته، فإن الولايات المتحدة لا تتظاهر بذلك حتى. فمن الواضح أنها لا تعتبر سوريا؛ أو المنطقة المحيطة بها مهمة كفاية لأيّ تدخّل أمريكي مهم. كما أعلن الرئيس دونالد ترامب في التاسع عشر من شهر كانون الأول الماضي بانسحاب كامل وشامل لقواته، البالغ عددها ألفيّ جندي، من سوريا معلناً بذلك هزيمة الدولة الإسلامية. واليوم، وبعد مرور أكثر من شهر، ما يزال من غير الواضح موعد الانسحاب وما إذا سيكون كاملاً أم لا؟
وبما أنه من غير الواضح أن تنظيم الدولة الإسلامية قد هزم بشكلٍ كامل، بالرغم من خسارته لمعظم معاقله، وتحول إلى حركة متمردة دون قواعد ثابتة، وبما أن الولايات المتحدة ما تزال تدعي أنها مقدمة الكفاح الإقليمي ضد إيران، فمن المحتمل أن تحتفظ ببعض من قواتها على الأقل في الوقت الراهن، خاصة تلك المتواجدة بالقرب من الحدود السورية العراقية. إلا أن ذلك بالكاد يمكن أن يغير موازين القوى في سوريا بالرغم من أهميته الإستراتيجية والتكتيكية.

ويشير المقال إلى علامات استفهام تجاه سياسة إدارة ترامب في سوريا، والتي خلفت هجومان نفذهما تنظيم الدولة الإسلامية مؤخراً أحدهما في منبج ضد القوات الأمريكية. كذلك فإن العلاقات غير منسجمة بين إدارة ترامب والرئيس التركي رجب طيب أردوغان. كما وعدت روسيا في العام الماضي بالحفاظ على القوات الإيرانية بعيدة عن الحدود مع إسرائيل مسافة لا تقل عن 60 كيلو متراً, وأنها سوف تدعم نظام مضادات الطائرات السوري، وحذّرت من خلال وسائل الإعلام المختلفة من كبح جماح الهجمات الإسرائيلية. ولكن على أرض الواقع، لم يحدث أي من ذلك. فكل ما قالته روسيا أو فعلته خلال الأشهر الأخيرة الماضية لم يكن له أيّ تأثير حقيقي على الأرض. فقد تم نشر قوات الشرطة العسكرية الروسية، في بعض الأحيان في نقاط تفتيش في هضبة الجولان، لكنها لم تمنع إيران من إنشاء نقاط تفتيش أيضاً مطلّة على المواقع الإسرائيلية.

كما لم تحرّك روسيا ساكناً لإزالة القاعدة العسكرية المتواجدة جنوبي دمشق، حيث يتواجد فيها الآلاف من كتائب الفاطميون التابعين لإيران، وهم مرتزقة «شيعة» من أفغانستان وباكستان والعراق. ومن الممكن أن تكون روسيا قد دعمت سوريا بنظام صواريخ أرض جو جديدة، لكنها ذلك لم يؤدي إلى نتائج ملحوظة، وبالتأكيد ليس كافياً لصد الغارات الجوية الإسرائيلية عن الأراضي السورية والتي تستمر بلا هوادة رغماً من الاستياء الروسي حيالها. ويسعى الكرملين لإعطاء انطباع بسيطرته على الأحداث في سوريا، لكن في واقع الأمر لدى روسيا هدفين فقط من وجودها على الأراضي السورية: حماية نظام الأسد، وتأسيس قاعدة جوية خاصة بها، وميناء على ساحل البحر المتوسط في سوريا. وقد حققت كلا الهدفين بتكاليف بسيطة نسبياً, بنشرها 30 طائرة وكتيبتين من قواتها البرية في سوريا.

وتختم الصحيفة مقالها بالإشارة إلى أن سوريا، ما تزال اليوم كما كانت عليه في بداية الحرب الأهلية في العام 2011. فلا نظام الأسد يمكنه السيطرة بشكل مباشر على البلاد ولا أيّ من الأطراف الخارجية يمكنهم، أو حتى لديهم الرغبة بالسيطرة. روسيا تريد إنشاء قواعد لها على الأرض، والولايات المتحدة تريد الخروج من الجحيم المتواجدة فيه. أما تركيا فتسعى للسيطرة على المناطق الشمالية المختلفة وقمع الأكراد فيها. وتهتم إيران بالهلال «الشيعي» الذي سيشكل حلقة وصل يربط العراق ولبنان من خلال سوريا. في حين تسعى إسرائيل بشتى الوسائل لإحباط أيّة خطة إيرانية في سوريا. ومع انسحاب القوى العظمى والفراغ الذي تخلّفه في سوريا، ستجد كل من إيران وإسرائيل نفسيهما في حالة صدام دون محاولة أحد من منعه أو الحد منه.

تحرير: رجا سليم

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.