وكالات (الحل) – نشرت وكالة «فرانس برس» يوم أمس تقريراً عن أطفال جهادييّ تنظيم «داعش» والذين ولدوا في دولة”الخلافة” التي لم تعد موجودة اليوم. فهؤلاء الأطفال قد فقدوا آبائهم في الغالب والبعض منهم فقد كلا الوالدين. أما أولئك الذين لم يفقدوا أمهاتهم بعد، فإن بلدان تلك الأمهات الجهاديات ترفض إعادتهنّ حتى الآن. واليوم ترى هؤلاء الأطفال يفرّون بشكلٍ مكثّف مع ما تبقى من عوائلهم من آخر معاقل تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا. وكثيراً ما تظهر وجوههم في وسط بحرٍ من النساء المنقبات وهم ملتصقون بصدور أمهاتهم القابعات في الشاحنات التي ستنقلهم من مناطق النزاع إلى أحد المخيمات في الحسكة شرق سوريا.

ويبين التقرير، أن من بين هؤلاء الأطفال هناك رضّع لا تتجاوز أعمارهم الثلاثة أشهر. فتراهم يصرخون طوال الوقت بسبب الجوع والتعب، بينما يراقب الأطفال الأكبر سناً حشود الصحفيين بصمتٍ مطبق. وعلى أكتافهم الضعيفة، تتراكم طبقات من الملابس في محاولةٍ يائسةٍ من أمهاتهم لمقاومة البرد الشتوي القارس في تلك الصحراء. فتراهم مغمورين بالكنزات الصوفية والسترات وقبعات الرأس وحتى بالبطانيات… كما أنه من الصعب معرفة مدى نحول أمهات هؤلاء الأطفال اللواتي يختبئن تحت الحجاب الكامل. لكن عيونهن تترجم بنظراتها أيام وليالٍ من التعب والإرهاق، بينما تروي أيديهن المتسخة قصة عذابٍ لم تنته بعد. فمنذ شهور، وما تبقى من مناطق تنظيم «داعش» يفتقر للغذاء نتيجة الحصار الذي فرضته قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، المدعومة من التحالف الدولي بقيادة واشنطن، على المنطقة والتي لم تتوقف عن التقدم في أراضي دولة “الخلافة” وتضيّق الخناق على من بقي فيها.

وفي الوقت الذي تلفظ فيه الخلافة أنفاسها الأخيرة تحت تأثير القصف الجوي والتقدم العسكري البري لـ«قسد»، فإن ولادة أطفال جدد لجهاديي «داعش» لم تتوقف بعد. ففي كل يوم هناك طفلٌ أو أكثر ترى عيونه النور في ظل هذه الظروف. وتلتقي «فرانس برس» بعدها بإحدى الجهاديات وهي تحتضن طفلتها خديجة البالغة من العمر سنة واحدة فقط. فخديجة ولدت على أراضي دولة “الخلافة” في ريف دير الزور بالقرب من الحدود العراقية. وهي اليوم تجوب مع أمها الشعاب بحثاً عن ملاذٍ آمن بعد سقوط دولتهم. وأم خديجة نفسها ما تزال قاصرة فهي بالكاد تبلغ السابعة عشر من عمرها, وهي من مواليد مدينة منبج في شمال سوريا.

وعند سؤال «فرانس برس» لمرح عما تأمله لابنتها التي تضمها إلى صدرها بقوة، تشيح مرح بنظرها نحو الفراغ وتلتزم الصمت. فزوجها ووالد طفلتها, الشاب أيضاً، قد تم توقيفه من عناصر «قسد», وهو يقبع في شاحنةٍ أخرى مع العشرات من الرجال الذين فروا من مناطق التنظيم. ويكشف التقرير عن وجود العديد من الجنسيات الأخرى. فمن بين تلك الأمهات الجهاديات, هناك الكثير من العراقيات، وكذلك العديد من التركيات والروسيات والأوكرانيات والفرنسيات.

ما الذي ينتظرهم؟ مصيرٌ غير واضح حتى تاريخ اليوم سوى مخيم بالقرب من الحسكة تديره «قسد». حيث تم إنشاء منطقة خاصة لاحتجاز عوائل الجهاديين المشتبه بهم وهم تحت حراسة مشددة. وللوصول إلى ذلك المخيم، كان على الأمهات الجهاديات وأطفالهن أن يجتازوا مئات الكيلومترات عبر الصحراء متكدسين كالأنعام في شاحنات تتلاطمها الرياح والأمطار. وقد مات ما لا يقل عن خمسة وثلاثين طفلاً في الطريق أو بعد وصولهم إلى المخيم مباشرة. وقد كانت معظم حالات الوفاة هذه بسبب انخفاض درجة حرارة الجسم عن 35 درجة مئوية، بحسب منظمة الأمم المتحدة.

وفي منطقة الاستقبال في مخيم الهول, تجلسنّ هذه النسوة مع أطفالهن, ومعظمهم دون سن الخامسة, على كومة من البطانيات بانتظار تخصيص خيمة لهم. وبالقرب من تلك النقطة، في عيادةٍ أقيمت لهذا الغرض, تقوم بعض النساء المحجبات بفحص أطفالهن, الذين يظهر عليهم الهزال, من طبيب قد نال منه الإرهاق. وتخرج من العيادة امرأة شابة لا تكاد تتجاوز التاسعة عشر ربيعاً، حيث تبدو كطفلةٍ بالكاد تحملها قدماها، لتقول لـ«فرانس برس»: “لقد علمت للتو أنني حامل… “.

تحرير: رجا سليم

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.