بابل- علي الكرملي

على مقربةٍ من مدينة بابل الأثرية (أولى الحضارات الإنسانية)، وفوق تلّة اصطناعية شُيّدت خصيصاً له، يقع أحد أبرز بقايا الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، قصر بابل أو قصر صدام كما يُعرف عند العامّة.

القصر الذي يطل على نهر الفرات، بناه حُسين إباّن سنوات الحصار الاقتصادي الذي فُرِض على العراق بعد حرب الخليج الثانية مع الكويت.

جزء من قصر صدام حسين- عدسة الحل العراق

لم يكن القصر الذي شيّده الرئيس الأسبق بمفرده، بل بنى على مقربةٍ منه أسفل التلّة عدة بيوت صغيرة، وحديقة شاسعة تمتد على ضفاف شط الحلّة الخاضع لنهر الفرات.

القصر الذي يتكون من طوابق أربع، اختلفت الروايات بشأن سبب اختيار صدام لتلك الرقعة الجغرافيّة بالذات، لكن الرواية الأكثر انتشاراً وفق حديث سلام كاظم (مرشد سياحي في آثار بابل) لـ «الحل العراق» تقول، إن صدام أراد أن يجعل قصره أعلى من آثار بابل، لينظر إليها من شرفاته شامخاً أكثر من شموخ حضارة تعود إلى 7000 عام قبل الميلاد.

كما أراد أن يمنح لنفسه شعوراً بالإطلالة الواضحة التي تختصر منظراً مضى عليه آلاف السنين حينما كان ينظر ملوك بابل القديمة الواحد تلوَ الآخر إلى مدينتهم من أعلى قصورهم حينذاك.

ذلك القصر الذي تزخرف سقوفه الثُريّات، وجدرانه النقوش التي تمثّل أشجار النخيل والنجوم والأشكال الهندسية، لم يكن مسموحاً لأي مواطن الاقتراب منه مطلقاً قبل 2003، حسبما يقول حيدر ناصر، أحد موظفي شؤون القصر لـ «الحل العراق».

جزء من القصر- عدسة الحل العراق

ذلك الصرح على حد تعبير ناصر، رغم السنوات الأربع تقريباً التي استغرقت لأجل بنائه، حتى أن العاملين في بناء القصر، كان يجيء بهم وهم معصوبي الأعين والغرف مظلمة ومتشابهة كي لا يعرفون مكانه بالضبط، لم يزره الرئيس السابق غير مرّةٍ واحدة فقط لم تتجاوز الساعتان ونصف، التقى وقتها بـ قيادات المحافظة ثم رجع إلى بغداد ولم يزره ثانِيةً، يقول ناصر.

”كان صدام يخطط لبناء قصرَيْن آخَرَيْن لـ نجليه «عدي وقُصي» بالقرب من قصره، لكن دخول القوات الأميركية إلى العراق وإطاحة نظامه عام 2003 قضى على كل مساعيه“، يُضيف الموظف في شؤون القصر.

بعد 2003 اتخذت القوات الأميركية من القصر مقراً لها حتى خروجها عام 2011، ليتحول هو والحديقة المحيطة به إلى منتجع سياحي بعد تزويد النهر بالقوارب التي تسمح للسواح الآتين لزيارة الآثار والمنتجع من أخذ جولة نهرية في الفرات.

بعد 2011 كانت هناك محاولات لانتشال القصر من الإهمال الذي يعمّه، فـ في 2012 رصدت الهيئة العامّة للآثار والتراث 7 مليارات دينار لتحويله إلى متحف حضاري، لكن المشروع لم ينجز لأسبابٍ مجهولة.

مشهد عام للقصر- عدسة الحل العراق

وبعد عامين وبالتحديد مطلع 2014، قرر مجلس محافظة بابل تأهيل الطابق الثالث من القصر ورصد 600 مليون دينار لإنشاء محطة فضائية تبث منه تحمل اسم المحافظة.

لكن لجنة السياحة والآثار التابعة للحكومة المحلية في بابل ووزارة الثقافة والسياحة والآثار العراقية رفضتا المشروع، معتبرين إنشاء محطة فضائية قرب آثار بابل أمر غير صائب من شأنه أن يمنع دخول الآثار في لائحة التراث العالمي، حيث تعمل الحكومة العراقية على إعادتها إلى التراث منذ سنوات بعد أن استبعدتها (اليونيسكو) من القائمة نهاية ثمانينيات القرن الفائت.

في الشهر الأخير من ذات العام، قررت وزارة السياحة والآثار تحويل القصر إلى متحف أثري يضم جميع القطع الأثرية الخاصة بحضارات بلاد ما بين النهرين، بخاصة بعد استرجاعها لنحو 4700 قطعة أثرية مسروقة من قبل عدد من الدول الأوروبية، الكثير منها تعود إلى حضارة بابل القديمة، لكن المشروع لم ينجز فعلياً على أرض الواقع.

بوابة الدخول للقصر- عدسة الحل العراق

النائب عن محافظة بابل في لجنة السياحة والآثار البرلمانية علي غاوي، يبين أسباب عدم إنجاز المشاريع السابقة الذكر لـ «الحل العراق»، نتيجة للعراك السياسي بشأن القصر، حيث أوضّح أن هناك العديد من الأحزاب السياسية التي تتصارع عليه كي يكون من حصتها وفقاً للتقسيمات التي يتقاسمها الأحزاب فيما بينهم.

لكن هذا القصر نتيجة لموقعه الهام، كان نقطة اختلاف بين تلك الأحزاب، ”كل حزب يسعى لاستثماره لصالحه الخاص“، يقول غاوي.

لافتاً أن لجنته في الدورة النيابية الحالية تجتمع اسبوعياً بوزير الثقافة والسياحة والآثار «عبد الأمير الحمداني»، حيث تم تخصيص مبلغ 59 مليار دينار في الموازنة الحالية لصالح مدينة بابل القديمة من أجل تنقيب الكثير من الآثار غير المعروفة حتى الآن، وجزء منه لأجل تنفيذ مشروع تحويل القصر إلى متحف أثري.


هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.