(تاء مربوطة) – تُركت من قبل المجتمع والزوج لتواجه «داعش» وتطرفه خلال سنوات سيطرته على المدينة. سيدة لم تشفع لها حرمة الأمومة و “الجنة التي تحت أقدامها” من ظلم رجال ما لبثوا ينظرون إلى المرأة أنها “عورة وعار وناقصة”.

«أم علي» سيدة خمسينية مندّ منبج، أمّ وجة، تتحدث عن ظروف اعتقالها من قبل عناصر الحسبة التابعة ل«داعش» ضمن السوق المسقوف بالمدينة.

 

فتبدأ الحكاية بالقول:

“قصتي بدأت مع ذهابي للسوق برفقة زوجي خلال أحد الأيام لشراء ثياب نوم لأحد أولادي، كنت أرتدي اللباس الذي فرضه «داعش» على النساء كاملاً. وقفنا أنا وزوجي أمام أحد الباعة ضمن السوق، وخلال تفحصي للثياب التي كانت لديه قمت بنزع القفازات لأتأكد من جودة القماش، كما قمت برفع غطاء الوجه كي أستطيع تمييز اللون بشكل أفضل.

ما هي إلا لحظات وثلاث ضربات جاءت على كتفي بقطعة من خشب الخيزران، وبعد أن التفت والألم يملأ جسمي كاملاً وليس الكتف فقط تفاجأت بوجود أحد عناصر الحسبة والمعروف في بين النساء باسم “أبو أمين” قد قام بضربي. لم أنطق بحرف وبدأ بسؤال زوجي عن علاقته بي، فأجابه أنني زوجته، فطلب منه أن يحضر إلى الحسبة كي يقوموا بالعقوبات المناسبة كوني قد كشفت عن وجهي لرجل أجنبي (يقصد البائع).

تم اقتيادنا إلى الحسبة التي كانت توجد ضمن السوق، وهناك قام المسؤول عن الأحكام بالسؤال عن أسباب الاعتقال، فأخبره “أبو أمين” عن كيفية قيامي بنزع النقاب كاملاً على حد قوله، اعترضت على ذلك، لكنه زجرني وقال صوت المرأة “عورة” لا يجب أن يسمع، لم أستطع التحمل فبدأت بالصياح عليهم لم أكشف عن وجهي، وهنا قام زوجي بلفظ كلمات الطلاق، فقاموا بتركه يذهب، وقال المسؤول ستحولين إلى سجن النساء للعقوبة”.

ورغم طلاقه منها، تستطيع «أم علي» أن تجد لـ “زوجها” مبررات عدة منها أن الوقوف في وجه «الدواعش» يعني الموت. تم الحكم على «أم علي» يوم كامل في سجن النساء، ونقلت بعدها إلى السجن الذي كان في حي السرب.

تقول «أم علي»، وصلت إلى السجن وقد كان اليوم قد انتصف، وخلال صلاة الظهر تم جمعنا جميعاً للصلاة، بعد الصلاة قامت إحدى نساء «الدواعش»، وهي ذات لكنة عربية ضعيفة جداً بالحديث معنا عن الصلاة والعبادات التي نقوم بها، وكيف أنهم جاؤوا في سبيل تعليمنا “الدين الحنيف”. كنت أستمع مع الكل لكن دون انتباه.

مرت الساعتان، وجاءت صلاة العصر وانتهت، وبعدها بدؤوا بفرزنا كل حسب “جرمه”، كنت في زنزانة النساء السافرات الوجه، ومعي ثلاث أخريات، وقد كان الحكم علينا سجن لمدة أربع وعشرين ساعة مع حفظ سورة الملك.

بعد أربع وعشرين ساعة قاموا باختبارنا، لأخرج من جديد وأعود للمنزل، ولكن أي منزل، منزل زوجي الذي طلقني، أم منزل أهلي؟ كنت في حيرة من أمري واتخذت القرار “سأتوجه إلى منزل أهلي”.

عن موقف أهلها تتحدث «أم علي» فتقول، عند وصولي إلى منزل أهلي استقبلتني أمي وأخي الأكبر الذي بدأ بالصراخ (تريدين فضحنا، أين كان عقلك لتسجنك «داعش»، لو أنهم أعدموكِ لارتحنا منك).

بدأت بالبكاء وقرر أخي طردي، قلت له قد طلقني زوجي بعد ثلاثين سنة زواج، فأجابني لو كنت مكانه لطلقتك أيضاً لن تبقي في هذا المنزل ولا لحظة، هنا تدخلت أمي وقالت له ما جرى لن يتغير، لندع الأمور على حالها حتى تنهي أختك “عدتها الشرعية”.

استمريت في “العدة” ضمن منزل أهلي لمدة شهر ونصف تقريباً، لأجد ابني البكر قد طلب مني القدوم لمنزله والاستمرار في المبيت عنده، فقد كان متزوجاً ولديه طفل صغير، فقمت بجمع أغراضي من منزل أهلي وغادرته على الفور.

عن نظرة المجتمع المحيط بها، وكيفية تعامله معها بعد هذه التجربة تتحدث «أم علي» فتقول: “بعد خروجي من السجن ودخولي أشهر العدة كانت الزيارات التي تأتيني إلى منزل أهلي قليلة، كانت النساء يتحدثن عني في السر، فقد قالوا، إن زوجي طلقني بعد أن تم الاعتداء علي في السجن وغيرها من القصص الملفقة.

لعبت زوجة ابني دوراً مهماً في دعمي في هذه المحنة العصيبة، فقد أتمت تعليمها العالي وتعرف الضغوط التي تتعرض لها النساء في مجتمعاتنا.

ففي أحد الأيام جاءت إلي لتخبرني أنها ستقوم بتسجيلي في مركز لمحو الأمية، كانت الفكرة رائعة، وقد لاقت استحساناً من ابني، والحمد الله أتممت هذه الدورة خلال العام الماضي، وبت قادرة على القراءة والكتابة.

تجربة سجني كانت تجربة مريرة حتى أنني أتمنى ألا أعود لأتذكرها”.

إعداد: أحمد دملخي – تحرير: لانا حاج حسن

المصدر: تاء مربوطة، وهي مؤسسة مدنية محلية ناشطة في مجال قضايا المرأة ودعمها في شمال سوريا

(الصورة تعبيرية)

 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.