نشرت صحيفة فان مينوت (عشرون دقيقة) الفرنسية يوم أمس لقاءاً أجرته مع “كاهنة بهلول”، أول امرأة من أصول جزائرية سوف تؤم بالمصلين وتخطب فيهم في فرنسا. حيث تعتزم كاهنة إقامة مسجد “ليبرالي” في باريس، لكن مشروعها هذا لا يزال يواجه الكثير من العقبات. وهذه المرأة حاصلة على دكتوراه في العلوم الإسلامية من المدرسة التطبيقية للدراسات العليا. وبالرغم من تعرضها للتهديد مرّات عدّة على شبكات التواصل الاجتماعي، فإن كاهنة لا تتمتع حتى اللحظة بأية حماية من الشرطة الفرنسية.
وتصف الصحيفة “كاهنة بهلول” بالمرأة الشجاعة والحازمة والتي تريد أن تجعل من نفسها رمزاً للتجديد الديني. فعالمة الدين الفرنسية الجزائرية هذه، والبالغة من العمر تسعة وثلاثون عاماً، قد أصبحت منذ وقتٍ قليل أول إمام امرأة في فرنسا. وهي عازمة على تأسيس مسجد فاطمة “الليبرالي” في العاصمة باريس. حيث تشرح كاهنة للصحيفة من خلال هذا اللقاء حياتها المهنية ومعتقداتها. وهي تعتبر رحلتها المهنية هذه “رمز لإحياء وتجديد الفكر الإسلامي”.

وعند سؤالها لماذا قررت أن تصبح إماماً، أجابت كاهنة بأن هذه الرغبة لم تأت دفعةً واحدة وإنما أتت بشكلٍ تدريجي. فقد بدأت بالغوص في تاريخ الفكر الإسلامي بسبب ظواهر الأصولية والإرهاب الإسلامي، خاصةً وأنها قد نشأت في الجزائر وعرفت الفكر الظلامي جيداً. بعد ذلك، قررت أن تتابع دراستها في العلوم الإسلامية. فدرست الماجستير ومن ثم الدكتوراه في المدرسة التطبيقية للدراسات العليا. وقد أدركت جيداً من هم أولئك الرجال الذين فسّروا النصوص وأملوا فكرهم على القانون الديني (الشريعة الإسلامية). ونتيجةً لذلك، كانت قراءاتهم وتفسيراتهم للنصوص شديدة الانحياز والذكورية. كما أنها درست قانون الأحوال الشخصية الجزائري والمستوحى بجزءٍ كبيرٍ منه من الشريعة الإسلامية، حيث تجد كل القواعد المتعلقة بتعدد الزوجات والميراث مُبغضة للنساء ولا تؤيد حقوق المرأة. وفي ذات الوقت، فقد قرأت كتاب الإمام الدنماركي شيرين خانكان، واستفسرت وتعلمت أشياء كثيرة عن الخدمة الدينية النسائية. وبذلك فإن وحي ما أقنعها بأن تفسيراً آخر للنصوص الدينية أكثر اعتدالاً وملائمةً للنساء لا يزال ممكناً.

ولكن كيف تمكنت كاهنة من الوصول إلى هدفها؟
تبين كاهنة بأنها أصبحت إماماً منذ شهرين تقريباً. ولكي يتم الاعتراف بها على هذا النحو، كان يتوجب عليها أن تتوجه بخطابها إلى جماعة دينية معينة كي تقبله وتلتزم به. الأمر الذي أعطاها شرعية لتولي منصب الإمام. وتضيف كاهنة بأن هناك الكثير من الناس الذين يتابعونها اليوم على شبكات التواصل الاجتماعي ويلتزمون بتفسيرها للنصوص. لكن وفي الوقت الحالي، فليس لهذه الجماعة وجود ملموس على أرض الواقع لأنهم يفتقرون لمكانٍ ثابت يجتمعون فيه. فهم يلتقون بشكلٍ غير رسمي في منازل بعضهم البعض. وتوضح كاهنة بأن أول شعيرة دينية أدتها كإمام كانت صلاة الجنازة في إحدى مقابر الأحياء الباريسية. وقد تفهّمت ردّة فعل الناس ذلك اليوم، لكن المهم أن حضورها كإمام امرأة لم يسبب أية مشكلة.
وعند سؤالها فيما إذا كانت تدرك أهمية أنها باتت رمزاً، أجابت كاهنة بالإيجاب وبأن مسيرتها المهنية هي رمز لتجديد الفكر الإسلامي. كما عبّرت عن أملها بأن تصبح مثالاً يُحتذى به من قبل نساء أخريات ويُلهم أخريات بممارسة مهن أخرى هي اليوم حكر على الرجال.
أما فيما يتعلق بالعقبات التي تواجهها في مشروعها بإقامة مسجد “ليبرالي”، فتجيب كاهنة بأن العقبة الأولى هي عقبة مالية بحتة. وقد مضى عدّة شهور وهم يبحثون عن مكان لهذا المسجد دونما جدوى. وهم يستعدون لإطلاق حملة تمويل جماعية في شهر أيلول الجاري لإنشاء مسجد فاطمة المنشود. وتؤكد كاهنة بأنه وبسبب رغبتها في خلق تيار ليبرالي يتجاوز الخطاب الإسلامي الأرثوذوكسي، فإن المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية لا يدعم مشروعها على الإطلاق. فبالنسبة للتيارات الإسلامية التقليدية، فإن كاهنة ومشروعها يشكلان تهديداً حقيقياً. لكن هذه الإمام المرأة لديها أمل كبير أن يجد مسجدها النور يوماً ما، لأن هناك حاجة حقيقية من قبل بعض المسلمين لخطاب يجيب على تساؤلاتهم الروحية.

ولكن ما هي عقيدة هذا المسجد الذي تخشاه التيارات الإسلامية التقليدية؟
تجيب كاهنة بأن مسجد فاطمة المنتظر سيكون مبنياً على تفسيرٍ جديد للنصوص في ضوء العلوم الإنسانية والاجتماعية. فهذا التيار الليبرالي سوف يخاطب الإنسان المؤمن الحر والمسؤول. وهذا النهج سيكون منسجماً مع عصرنا ومع الحداثة. فهم يعتبرون الدين الإسلامي يفسح المجال لذلك، لأنه ليس هناك سلطة دينية مركزية. فهذا الدين يشجع على الارتباط المباشر مع الإله، وبالتالي تحرير المؤمن. وفي مسجدهم المستقبلي، سيكون بإمكان النساء الصلاة إلى جانب الرجال في مكانٍ واحد. وسيتم تقديم الخدمة الدينية والإمامة من قبل المرأة ومن قبل الرجل على حدٍّ سواء.
وعن موقفها من الحجاب، تؤكد كاهنة بأنه ليس فرضاً دينياً. فهم يعيشون في دولة ديمقراطية حيث تعتبر الحريات الفردية حقاً. لذلك فهي تحترم حق كل شخص بأن يرتدي ما يريد في حدود احترام قوانين ومبادئ الجمهورية.

وعند سؤالها فيما إذا كانت محمية من الشرطة الفرنسية، أجابت كاهنة بأنها قد تلقت العديد من التهديدات على شبكات التواصل الاجتماعي، لكن في الوقت الحالي هي لا تشعر بالحاجة إلى طلب حماية الشرطة. وإذا ما تأكدت هذه التهديدات، فإنها ستكون مجبرة على طلب الحماية.
وتختم كاهنة حديثها لصحيفة فان مينوت بالإشارة إلى أنها لم تلتقي بعد بأحد من أعضاء الحكومة الفرنسية، ولا تعرف أصلا إن كانت الحكومة مهتمة بمشروعها. وتضيف بأنها تشعر بخيبة أمل لأن ليس لديها الكثير من الاتصالات مع السلطات المحلية. فعلى سبيل المثال، لقد طلبت إلى بلدية باريس تحديد مكان لإقامة مسجد فاطمة دونما رد حتى الآن. فالعديد من المراقبين يجدون تجربتها مثيرة للاهتمام، لكن هذا لا يتجاوز حد الكلام.

ترجمة موقع (الحل)

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.