ترجمة خاصة- الحل العراق

مع توالي الحروب والنزاعات منذ حوالي أربعين عاماً، يُقدّر عدد #المفقودين في #العراق اليوم بـ 1.3 مليون شخص، بحسب الإحصاءات الرسمية. وهناك عدد كبير جداً من العائلات لا تزال تنتظر أنباءً عن فردٍ فقدته قد يكون قد تم إعدامه أو مات في المعتقل أو اختفى بكل بساطة بين ليلةٍ وضحاها.

فعلى المنضدة في غرفة المعيشة، تصطف براويز قديمة بمحاذاة بعضها البعض وفي داخلها صور لـ /26/ فرداً من عائلة “خسرو” بابتسامتهم الجامدة وثيابهم القديمة مع شمعة أمام كل صورة ليُذكّروا أقارب المفقودين الذين يُمثلون مأساة كل عائلة في العراق.

حيث تؤكد “سامية خسرو”، الكردية الأصل /72/ عاماً المقيمة في بغداد بحزن: «حتى تاريخ اليوم، أقضي حياتي في الانتظار وفي اليوم الذي أرى فيه رفاتهم سأقول وقتها لنفسي بأنهم قد ماتوا» ففي عائلتها الكبيرة فقط، تُحصي السيدة “خسرو” مائة مفقود على الأقل.

تجاوز للسلطات

وبالنسبة لهذه النائبة السابقة والتي شاركت في أول برلمان عراقي مُنتخب بعد سقوط نظام #صدام_حسين إبان الدخول الأميركي للبلاد عام 2003، فإنه لم يكن للدكتاتور العراقي سوى مأخذ واحد عليهم وهو انتمائهم للأقلية الكردية الشيعية في هذا البلد.

حيث تتساءل السيدة “خسرو” بألم: «ليس أنا من طلب من الله أن يجعلني أولد كردية وشيعية في العراق. فلماذا أعاقب على شيء لم أختره؟».

فليس لدى زوجها “سعدون” أي أخبار عن شقيقه المفقود منذ أواخر الثمانينيات. ويشعر الزوجان وقد تقدما بالعمر بالقلق من توريث ذكرى المفقودين.

حيث تقول السيدة “خسرو” متسائلة: «نحن سوف نموت، ولكن هل سيشعر أحفادنا بأهمية وأولوية موضوع المفقودين؟».

إن بطئ #البيروقراطية_العراقية لا يؤدي إلا إلى تفاقم الجروح المتزايدة باستمرار. ومع عودة الهدوء النسبي إلى البلاد، فإن العوائل تأمل أن يُصبح ملف المفقودين أخيراً أولوية للسلطات العراقية.

لكن ومع الأسف، فإنه لم يتم فعل أي شيء حتى الآن، بحسب السيدة “خسرو” التي تؤكد أن الميزانية المخصصة للسلطة بشأن ملف المفقودين هي «صفر دينار».

فالمهمة كبيرة وصعبة جداً، وحتى تاريخ اليوم، يتم اكتشاف #مقابر_جماعية جديدة بانتظام. وإن كانت بعض المقابر تحوي رفات ضحايا جهاديي تنظيم #داعش الذي تم هزيمته رسمياً في أواخر عام 2017 في العراق، فإن البعض الآخر من هذه المقابر يحوي رفات الضحايا العراقيين والأجانب جرّاء حملات صدام حسين.

وحالياً، فإن #الكويت، الدولة الجارة، تعمل على تحديد هوية رفات عشرات الضحايا الذين عُثر عليهم في مقبرةٍ جنوبي العراق. ومن المحتمل أن تكون رفات نحو خمسين شخصاً من رعاياها فُقدوا بعد الغزو العراقي للكويت عام 1990.

ساعة وخاتم

أما بالنسبة للجنة الدولية للصليب الأحمر، فإن ما يميز هذه الظاهرة في العراق هو أن جميع العائلات في هذا البلد، دون استثناء، لديها على الأقل شخص واحد مفقود أو تعرف شخصاً قد فقد.

حيث تقول السيدة “سلمى عودة” المتحدثة باسم اللجنة المذكورة في #بغداد، مؤكدةً: هذه العائلات تستحق أن نبذل من أجلها جهوداً أكثر كي يتم ربما في يومٍ ما إغلاق هذا الملف. هذه هي رسالتنا التي وجهناها للسلطات العراقية».

من جهتها، فإن “روناك محمد” /63/ عاماً، قد قضت /37/ عاماً من عمرها في انتظار زوجها. ففي أحد الأيام، خرج هذا الموظف في الشركة الوطنية للبترول في #كركوك إلى عمله، ولم يعد بعدها أبداً.

حيث تقول هذه السيدة العراقية بحزن وهي تُظهر طوعياً صور بالأبيض والأسود لزواجها: «كل ما تبقى منه هو ساعته وخاتمه». ومنذ اختفاءه، كان على هذه السيدة أن تربي وحدها أطفالهما الثلاثة وتقضي بقية عمرها مع الغياب وحيرة الأسئلة. وحتى تاريخ اليوم، لم تتمكن “روناك” من الحصول على تأكيدٍ لوفاة زوجها.

صور وأحلام

ولا يزال لدى “روناك” أملٌ ضعيف بأن ترى ثانيةً زوجها حياً. أما بنتها الصغرى، فهي تحتفظ بذكرى هشة لأبيها، وقد بدأت تتلاشى شيئاً فشيئاً. فقد كان عمرها ثلاثة أسابيع في ذلك اليوم المشئوم من عام 1982 عندما اختفى والدها.

حيث تقول أمها والدموع تملئ عينيها: «إنها لا تعرف والدها إلا من خلال بعض الصور وفي بعض الأحيان تراه في الحلم».

وعلى بُعد عدّة منازل من هناك وفي حي أسرى الحرب السابقين وعائلات المفقودين، حيث أسكنت #السلطات_العراقية أقاربهم بعد سقوط نظام صدام حسين، تجتر “زينب جاسم” الذكريات والأسئلة.

ففي عام 2014، تم اختطاف والدتها من قبل جهاديي تنظيم داعش. حيث كانت قد ذهبت لبيع الألبسة في إحدى المناطق الريفية، وكان من المفترض أن تعود محمّلةً بالخضار والفواكه. لكن تم توقيف الباص الذي كانت قد استقلته من قبل الجهاديين.

حيث تقول هذه السيدة العراقية ذات الأربعين عاماً مستذكرةً ذلك اليوم: «إن الجهاديين اتصلوا بنا في ذلك اليوم ليسألونا فيما إذا كانت أمنا تقوم بنقل المعلومات عن تنظيم داعش للقوات العراقية، وهكذا فقط عرفنا بأنه قد تم اختطافها».

وتضيف: «في البداية، كنا نقول لأنفسنا ربما ستعود غداً». لكن ها قد مضى خمس سنوات دون أن تعود هذه الأم المسنة، وقد فقدت ابنتها طعم الحياة من بعدها.

وفي تلك الورشة الصغيرة التي كانتا قد انشأتاها معاً، بدا كل شيءٍ صامتاً. فزينب لم تعد تلمس قط ماكينة الخياطة التي كانت تُخيط فيها مع أمها أجمل الثياب الملونة.

عن موقع (La Croix) الفرنسي- ترجمة الحل العراق

تحرير- فريد إدوار


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.