علي الكرملي

بكى وبَكى وتنَهّد، ما أَن تذَكّرَ حياته إبّان (داعش)، دموعه سالت على وجنتَيه وهو يقول: «كُنتُ مُتعَباً جداً، لم أطُق حياتي وقتذاك، أرتجف رجفاً دون إرادتي عندما أُشاهد حالات الذبح والقتل لأبناء جلدتي بأُمّ عَيني في الشوارع».

«عشتُ الكوابيس في كل ليلة، لا أستطيع النوم كلّما أردته، تزاحمني صور الرعب والبشاعة التي يرتكبها (داعش) كل نهار، فيبتعد عني النوم بعيداً، يتركُني بحالة من الهيستيريا والحَسَرات والآهات، وأنا الذي أحتاج له كي أنسى تلك المشاهد».

بتلك العبارات وأكثر منها يتفوّه ”آزاد مزوري“ لـ ”الحل العراق“، ويُكمِل، «ذُقنا المُر ألف مرّةٍ ومرَّة، لم أعد أخرجُ من غُرفَتي لا من منزِلي، حتى الطعام أتناوله فيها، بقيتُ هكذا، مع فسحة صغيرة واحدة، وهي الرسم بين جُدران غرفتي الأربعة، تلكَ مُتَنفّسي لا أكثر».

آزاد مزوري مؤسّس (الكوميكس) في الموصل

بقِيَ على ذاك المنوال عامانِ ونَيّفٍ، إلى حين خروجه وعائلته من منزله في #حَيّ_الخضراء بالجانب الأيسر من #الحدباء إلى #دهوك، عبر مخرج لهروب العوائل نحو #إقليم_كُردستان، فمكث فيها عند عائلة تقربهم لحين عودته بعد التحرير.

هُناكَ في دهوك، بدأَ يستعيد حياته السابقة شيئاً فشيئاً، عن طريق عودته لدراسة #الفن_التشكيلي في كلية فنون #جامعة_دهوك، وهي الموقع البديل لـ #جامعة_الموصل، وهذه الأخيرة (الدراسة)، كانَت سبب اختياره لها دون #أربيل أو #السليمانية.

آزاد مزوري، الكُردي، الموصِلي، العشريني، انطلقَ مشواره مع ريشتهِ النعامة في الثاني المتوسط، واحترفَ الرسم، عبر دراسته له في معهد #الفنون_الجميلة ثم كلية الفنون، فصارَ من أمهر رَسّامي #أُم_الربيعَين، وهو لم يدخل عقده الثالث بَعد.

تخرّجَ من الجامعة، وتحرّرَت المدينة، الفَرحَةُ فَرحَتان. عادَ مع عائلته إلى بيتهم، والبسمات تفترشُ وجهَهُ طوال طريق العَودَة، راجياً من السيارة التي تقلّهم أن تصل المنزل على أحرّ منَ الجَمر، توقّفت السيارة، نَزلَ منها، أطَلّ بِناظِرَيه، البيتُ ما عاد هُوَ ذاتُ البَيت.

البيتُ خَرِباً، الضرَرُ كَثير، نزَلَت دَمعَتان بعُجالَة، دمعَةُ فَرَحٍ، ودمعَةُ حُزن، الثانية على وضع البيت، والأولى لعودته إلى الحُضن، «لكن لم نَيأَس، بدَأنا بترميمه منذ أول يوم من عودتنا، أصلحنا كل ضرر فيه خلال مُدّةٍ وجيزَة جداً»، يقول آزاد.

مع عودة الحياة إلى المدينة، أزهرَ ربيعُ عُمرِه من جديد، قرّر أن يُزَيّن مَحبوبَته (الحدباء) لِتَطُلّ بِأبهى حُلّتها، رسمَ على جُدرانها الصُوَر التي تشعّ السرور، وأسّسَ فن #الكوميكس في #نينوى، ليُكتَبَ لهُ أنه أوّل من أدخل هذا الفن إليها، مع مجموعة من الفتية.

الكوميكس، هو القصّة المصوّرة، ويعرف بـ ”الفن التاسع“ أيضاً، هو وسيلة للتعبير عن الأفكار باستخدام الصور والأحداث المتتالية، باختصار هو سيناريو وحوار وتأليف وإخراج، لم تكن تعرفه الحدباء قبل أن يجيء به إليها.

آزاد، يُؤمن بالعمل المُشترَك، الذي يثمرُ بحَلاوَةٍ أكثر من المُفرَد، اشتركَ في عدّة معارض تشكيلية مع مجموعة من الفتية والفتيات، يرسمون عن الموصل، وتتم المعارض في أماكن غير محدّدة، تارة في المجموعة الثقافية في الحدباء، وتارة في ساحات الجانب الأيمن.

إيمانه بالعمل المشترك، سُرعان ما جاء حصاده، تكوّنت له علاقات مع عدة مُنظّمات محلية ودولية، أمسى عُضواً فيها، شارك مع منظمة (undp) في رسم جداريات مدارس الموصل، ومع (usaid) في رسم جدرانات مدينة الموصل القديمَة.

إلى جانب الجداريات، آزاد يرسم بكل الأنواع، بالرصاص والفحم، بالألوان المائية والزيتية، رسَماته تمتاز بأسلوب متفرّد من نوعه، أكثر رسوماته تكون عن أشخاص ومناظر وما يُشابهُها، والأهم رسمه لمعالم الموصل.

حصاده لم يتوقف، الحصاد مُستَمر، نتيجة نجاحاته، أمسَت تصله العديد من الدعوات الدولية، منها المشاركة في مهرجان ”الوجه الآخر لفوضى مُنتظمة“ بمَرسين في #تركيا، ومعرض #فنون_بابل في #مصر، ومهرجان #عشتار_الدولي“ في #بيروت بـ لُبنان.

آزاد رغم نجاحه، يطمح لأكثر من ذلك، يَحلمُ أن يكون رساماً عالَمياً كما #دافنشي و #بيكاسو“، ورسالته إلى الناس: «ثابروا لأجل أحلامكُم، تغلّبوا على كل الظروف والصعاب، ولا تسمَحوا لليأس أن ينالَ منكُم، فَالمُستَحيل ليسَ عِراقي».


هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.