في السادس من كانون الثاني/ يناير 2012 هزَّ انفجار حي “الميدان” بدمشق، استهدف حافلة لقوات “حفظ النظام”، ما أدّى لمقتل ستة وعشرين عنصراً، وإصابة ستين آخرين، وبعد أيام أعلنت مؤسسة “المنارة البيضاء للإنتاج الإعلامي” مسؤولية “جبهة النصرة لأهل الشام” عن التفجير، ومنذ ذلك الوقت، تحوّلت الأنظار إلى هذا الفصيل.

لم يكن هذا الفصيل إلّا صنيعة قاعدية بحتة، وعلى علاقة سابقة بتنظيم “الدولة الإسلامية في العراق”، ولكن زعيمي كلا التنظيمين اختلفا على النفوذ، وأدّى ذلك لحرب جهادية -جهادية بين الطرفين.

 

تسلسل الأحداث

 

منذ مقتل “أسامة بن لادن”، في أيار/ مايو 2011، ظهر نفوذ تنظيم #داعش، وشنَّ مئات الهجمات في العراق. ومع اندلاع الاحتجاجات في سوريا، أرسل “أبو بكر البغدادي” جماعة #جبهة_النصرة إلى سوريا، ومنحتها دعماً وتسليحاً كبيراً، على أن تكون فرعاً للقاعدة في سوريا.

في التاسع من نيسان/ أبريل 2013، عندما كان نفوذ “جبهة النصرة” يتصاعد في سوريا، ظهر تسجيل صوتي لـ”البغدادي”، أعلن فيه اتحاد “دولة العراق الإسلامية” و”جبهة النصرة” تحت مسمى “الدولة الإسلامية العراق والشام”.

وقال “البغدادي” في كلمته: «ا”لجولاني” أحد جنودنا، ومرسل من قبلنا مع عدد من المهاجرين (غير سوريين) والأنصار (سوريين)».

وأضاف: «لم نعلن عن الدولة حتى يعرف الناس حقيقتها بعيدًا عن تشويه الإعلام، وقد آن الأوان لنعلن أن “جبهة النصرة” ما هي إلا امتداد لـ”دولة العراق”».

لم تمضِ ساعاتٍ على هذا التسجيل، حتّى ردَّ “الجولاني” بعنف، فأعلن، عبر مؤسسة “المنارة البيضاء”، عدم علمه بإعلان الوحدة مع “دولة العراق الإسلامية”، موضحًا ان خطاب البغدادي، إذا كان حقيقياً، تمّ دون استشارته.

خلال ذات التسجيل اعترف “الجولاني” بفضل “البغدادي” و”دولة العراق”، ولم ينكر أن قيام مشروع “النصرة” كان بموافقة “البغدادي” ودعمه.

 

ظهور “الدولة” في الشام

 

يبدو أن رد “الجولاني” لم يعجب “البغدادي”، الذي بدأ يتمدّد منفرداً في شمال سوريا  تحت اسم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش)، التي بدأ ظهورها في مدينة “الدانا”، ثم انتقل إلى أرياف حلب ومدينة #الرقة، التي أعلنها عاصمةً له فيما بعد.

وفقًا لمواقع جهادية حينها فإن “الجولاني” لم يرغب في إتباع نفسه لـ”البغدادي”، بسبب رغبته في “الزعامة المطلقة”، وعدم رضاه عن سياسة “البغدادي” في العراق.

“حسن أبو هنية”، الخبير في شؤون الجماعات الجهادية، أكّد أن الأمر يعود إلى “خلاف أيديولوجي”.

وقال “أبو هنية” لموقع «الحل نت»: «”جبهة النصرة”، منذ تأسيسها عام 2012، كانت مرسلة من “داعش”، وقوامها مقاتلون سوريون وأجانب، وهو ما سبّب “عدم تجانس أيديولوجي”، فهذه التنظيمات تتوحّد على عناوين عريضة، مثل عداء أميركا وإقامة “الشريعة”، ولكنّها غير متجانسة أيديولوجيًا من الداخل، أي أن مرجعيتها الجهادية تختلف بتسلسل درجات التشدّد».

ويضيف “أبو هنيّة”: «التيارات الجهادية العالمية  ثلاث، لذلك لا تتمتع الجماعات الجهادية بالتجانس، رغم اتفاقها على نقاط كثيرة. على سبيل المثال فإن “النصرة”  تعود مرجعيتها لتيار في تنظيم “القاعدة”، يمثّله “أبو يحيى الليبي” و”جمال المصراتي”.

وبالمقابل فإن “داعش” تعود مرجعيته إلى تيار قاعدي يجسّده “أبو مصعب الزرقاوي”، وهو يتبنّى المرجعية الوهابية».

 

صراع النفوذ

 

وإلى جانب الخلاف الأيديولوجي بين “داعش” و”النصرة”، لا ينكر الباحث “أبو هنية” وجود صراع على النفوذ، يتمثّل في “البراغماتية المطلقة” لـ”أبي محمد الجولاني”.

وفي هذا السياق يقول “هنية”: «”الجولاني” عمل كثيرًا على تلميع نفسه، فهو يعتمد على أجنحة مختلفة للتخلّص من أي مخاطر تحيط به، حتّى أنّه لم يُدرج لفترة طويلة على اللائحة السوداء للولايات المتحدة، لذلك كان يقدّم خطابات متناقضة».

ويستند “أبو هنية” لخطاب “الجولاني” الأخير، الذي أكّد فيه التزامه بالشأن المحلّي السوري، وعدم تنفيذه أية هجمات خارجية، في محاولة لتخفيف العداء الدولي ضدّه، ولكنّه في ذات الوقت يتجنّب الصدام مع شرعيي التيار المتشدّد في “تحرير الشام”، مثل “أبو همام” و”أبو مالك التلي” وغيرهم.

كما أوضح “أبو هنية” أن «”الجولاني” اعتبر ارتباطه مع “داعش” مضراً بمصالحه، لذلك قرّر فضّ هذه الشراكة، وكان دائمًا يحاول تجنّب الصدام، عبر حماية نفسه بمجموعة من الأصدقاء والمعارف، فضلًا عن وضع كل الموارد المالية بيده». لافتًا إلى أن «الجولاني يلعب على التناقضات، ولا يقدم على أية خطوة دون أن يحسب منافعها وكلفتها بشكل معمّق».

وفي عام 2017، تم الإعلان عن تأسيس  #هيئة_تحرير_الشام، وفض الشراكة نهائيًا مع تنظيم “القاعدة”، فلم تُرضِ تلك الخطوة التيار المتشدّد في “النصرة”، ما دفع قادته لتأسيس تنظيم #حراس_الدين، ولكن ذلك لم يؤثّر على زعامة “الجولاني” للهيئة.

ويوضّح “أبو هنية” في هذا السياق أن النصرة تحاول التخلّص من وصمة الإرهاب، والدخول في المجتمع الدولي، عبر تأسيس حكومة محلّية، ولكن تأهيلها كفصيل وطني محلّي فشل مع كل الأطراف، لأن مستويات التكيّف التي يقدّمها التنظيم ما زالت محدودة ودون المطالب الدولية».

وختم “أبو هنية” بالقول: «الآن “تحرير الشام” مكوّن صلب يقوده “الجولاني” و”عبد الرحيم عطون”، وهما ممسكان بكل مفاصل التنظيم، ولكن رغم ذلك لم تعد “تحرير الشام” كما كانت، بل هي الآن قابلة للتفكيك، رغم أنّها الفصيل الأقوى والأبرز في سوريا».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.