في الأزمات، عادة ما تؤثر الشخصيات المعروفة في مجتمعات البلدان على تصرّفات الفئات التي تنتمي للمجتمع ذاته، فتراها؛ لتأثرها بشخصية ما تصحّح تصرفاتها لا إرادياً.

عند الأزمات أيضاً، ينطبق قول الشاعر #أحمد_شوقي: «تغطي الشهرة على العيوب، كالشمس غَطّى نورها على نارها»، فتجد تلك العيوب المجتمعية تضمحّل وتقل لتأثرها بشخصية ما.

في أربعينيات القرن المنصرم، عندما أُسّس لتهجير #يهود_العراق رافق ذلك موجة من الكراهية والعنف، ومنها “الفرهود” من قبل فئات مجتمعية تجاه اليهود.

تجد المطربة العراقية “الأولى” وقتها، اليهودية #سليمة_مراد قد غطّت على تلك الأحداث، شخصيّتها مؤثرة في أعماق الناس التي تحبها إلى اللا حدود، وزاد ذلك بقائها في #العراق.

عندما لم ترض ترك العراق الذي تنتمي له والهجرة منه، قلّ الغل تجاه اليهود، وخفّ الفرهود، ميّز الناس بين اليهود من جلدتهم وبين متاهات #القضية_الفلسطينية و #إسرائيل.

حتى تجد، أن الناس صارت تحرس بيت “سليمة” ليلَ، نَهار، خوفاً من أن يلحقها الضرر؛ لأن عاطفة “القضية الفلسطينية” كانت في أوجها حينها، وهكذا تحوّل الناس من عدائيين إلى حامين.

مثل ذلك فعله #أحمد_راضي عند وفاته بالفيروس، فمنذ اجتياح #كورونا للبلاد أواخر شباط الماضي، هناك الكثير ممّن ينفي قصّة الفيروس، ولا يصدّقها من الأصل، وهذا ما عيب عليهم كثيرا.

وفاة “النورس الساحر” كما يلقّب في العراق بالوباء، أثّر بهذه الفئة التي لم تقتنع بالفيروس، صارت تقتنع بوجوده، وتعمل على وقاية نفسها، رحيل “راضي” كان بمثابة الدرس البليغ.

وكالة شفق نيوز تؤكد، أن رحيل “لاعب القرن” «دفع بالكثير إلى تعزيز إجراءات الوقاية خوفاً من “كورونا”، التي طالما اشتكت المؤسسات الصحيّة من إهمال الأهالي للوباء».

«مثل ما كان تأثيره واضحاً على العراقيين في المستطيل الأخضر، هكذا كان وقع رحيل “أحمد راضي” في نفوس أبناء بلده بعد أن خطفه الفيروس القاتل»، هكذا جاءت المقدّمة.

على صلة:

نَعاه الرؤساء والسُفَراء والأُمَراء.. رحيل “أحمد راضي” يُبكي العراقيين

المادّة المقتضبة التي أعدّتها الوكالة، أكّدت ذلك، بأخذها لعينات عشوائية في شوارع #بغداد، إذ شهدت «احتكام الأهالي أكثر إلى ارتداء الكمامات الطبية»، عند تجولها طيلة النهار.

بغداديون قالوا للوكالة، إن «رحيل “أحمد راضي” دفع بالكثير إلى ملازمة الحرص والوقاية، (…) كأنها الصفعة التي احتجناها للالتزام بالتدابير الصحية خوفاً على حياتنا».

الصحفي العراقي “نهاد قيس” نقل التقرير عبر مساحته في #فيسبوك وهو يبتهج لهذا التصحيح في مسار الناس التي كانت تشك بالفيروس التاجي.

“لؤي الصفار” تفاعل مع الموضوع في “فيسبوك”، وقال: «حقيقيٌ هذا الكلام. اليوم كنت قد خرجت من البيت في مشوار، ولاحظت التزاماً نوعاً ما من الناس».

شخص آخر يدعى “يحيى محمّد” تفاعل بدوره عبر “فيسبوك” وقال: «شخص محبوب وله حضور جماهيري كبير مثل “أحمد راضي” بالتأكيد يشكّل فقدانه صدمة للراي العام».

«وهذا بحد ذاته محفّزاً للآخرين ليكونوا  أكثر حذراً والتزاماً بالتعليمات الصحية، وإدراك ان فيروس “كورونا” حقيقة، لا كذبة كما يروج له البعض»، حسب “محمّد”.

زاوية أخرى يمكن النظر إليها بعد رحيل “راضي”، إذ حاولت شخصيات إثارة النعرة الطائفية لأمر يخص “راضي” كإنسان بدل نعيه، إحدى الشخصيات، أكاديمي، والآخر شاعر.

عند محاولتهما إثارة الكراهية، ضجت منصات #التواصل_الاجتماعي بالضد من تصرفاتهما، وطالب المدونون بمحاسبتهما، وهو ما صير فعلاً، إذ أعفي الشاعر من منصبه.

الشاعر يدعى “حسين القاصد”، وبعد المطالبات بالمحاسبة لمنشوره، قرّرت #وزارة_الثقافة العراقية تنحيته من المنصب الذي كان يشغله “مدير عام الوزارة”، وفق بيان رسمي لها.

على صلة:

بعد رحيل “راضي” و “هادي”.. الحكومة العراقية توعز بتشييد تمثالَين لهما

هُنا كتب الأكاديمي والخبير في شؤون “التنوع الديني” في العراقسعد سلوم مقالة حلّل بها ما وصفه بـ «الفوز الذي حقّقه الراحل “أحمد راضي” بهدفه الأخير، الهدف الذهبي».

“سلّوم” وهو مستشار #الأمم_المتحدة لشؤون الأقليات في العراق، قال، «إنها لحظة وعي جماعي أخرى بالهوية العراقية وما تمثله من أرضية ثبات في وسط متخلخل وزمن قلق».

فـ «التأبين الجماعي الأكبر منذ “الغزو الأميركي” يكشف عن احتفاء بالرجل وما يمثله “هوية عابرة بين المذاهب، وبين المدن، وبين الرياضة والسياسة، وبين القلوب”»، يقول.

«الرقابة التي فرضها الرأي العام، أضحت قوة رادعة في حال خطابات الكراهية المقترنة برحيل المرحوم “أحمد راضي”. قوة تتحول إلى سلطة جديدة«، وفق ما جاء في مقالته.

«تعد الأخيرة مؤشراً جديداً على سلطة الضبط الاجتماعي في وسائط التواصل، تُعرّي كل من تسول له نفسه الرقص على جراح العراقيين، إنها جهاز مناعي جديد كان بحاجة لفيتامين منشّط مثل هذا».

«بدأت دينامية السلطة الاجتماعية الجديدة بتكوين لوائح سوداء لم تعد تقتصر على نخب السياسة الإثنو طائفية، بل شملت النخب الثقافية والإعلامية من تجار الكراهية مهما تكن شعبيتهم أو عمقهم الاجتماعي».

«في أوقات الأزمات الاجتماعية والشدائد التي تمر بها الشعوب تنقلب بعض الأزمات إلى فرص، لنتذكر فوز المنتخب بكأس آسيا وما تبعه من انحسار  في مؤشر العنف الطائفي 2007 – 2008».

«بالمثل فإن رحيل “أحمد راضي” كان كاشفاً عن لحظة انحسار عظيمة للبزنس الطائفي. هكذا أرى الرحيل، والفوز  الذي حققه الراحل بهدفه الأخير، الهدف الذهبي»، يقول “مؤسس المجلس العراقي لحوار الأديان”.

وُلد “راضي” في نفس يوم وفاته (21 نيسان/ أبريل 1964) ورحل يوم (21 يونيو/ حزيران 2020) عن عمر ناهز الـ /56/، وما بينهما حصد الكثير والكثير من الإنجازات الرياضية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.