بعد احتلال بلدتها “تل معروف” في محافظة #الحسكة من قبل #داعش في الـ 2014 وتحريرها بأيام، انتقلت الشابة “وداد العلي”(33عاماً) للعيش مع عائلتها في مدينة #القامشلي، لتدفعها أسواق المدينة المزدحمة بمحلات تجارية تديرها العديد من النساء، إلى التفكير في دخول ميدان العمل، فخطرت في بالها فكرة فتح محل للألبسة الأوروبية المستعملة، إلا أن بداية التحديات كانت في إقناع عائلتها المنحدرة من بيئة محافظة جداً، بحسب ما قالته “وداد” لـ(الحل نت) وأضافت: «سبب عدم قبول عائلتي بالفكرة بدايةً، كوني ترعرعت في مجتمع يرفض وقوف النساء في الأسواق كبائعات وصاحبات محلات، لكن شقيقي الأصغر دعمني ووقف إلى جانبي، ففتحت متجري وتعرفت على تفاصيل المهنة، إضافةً لاكتساب خبرة جيدة في عملية البيع والشراء وتوصية البضاعة».

وتتابع: «النساء طبعاً كن أول الزبائن وشجعنني على توسيع مشروعي لأكون موزعة (باليه) على محلات السوق، فيما خصصت مستودعاً استأجرته بالقرب من متجري لأخزن فيه بضاعتي، ورغم التعب والجهد الذي ينهك طاقتي طوال اليوم، إلا أنني سعيدة بما أنجزه خاصةً حين يأتيني زبائن رجال يطلبون بضاعة لمحلاتهم».

المرأة نصف المجتمع

شعار “المرأة نصف المجتمع”، لم يكن قولاً مأثوراً يتردد بدافع المجاملة في المناسبات الخاصة بالنساء كعيدي المرأة والأم، بل أنه واقع يترسخ يوماً تلو الآخر، بالعديد من النماذج النسائية العاملة التي شكلت الشقيقتان “نوهات” و”ميديا” وجهاً براقاً من وجوهه .

فبحماس وشغف كبيرين تعكف “نوهات الحسن” إلى جانب شقيقتها “ميديا” في ترتيب ملابس (الباليه) وتنظيمها وبيعها في محل والدهم القديم في مدينة الحسكة، وذلك بعد وفاة الأب الذي كان يعمل في بيع الخضرة قبل وفاته، فاضطرت الشقيقتان إلى تغيير المهنة والتفكير في إيجاد مصدر رزق لعائلتهم المؤلفة من 6 فتيات وأم بعد فقدان المعيل الوحيد للعائلة، ويتحدثن لـ(الحل نت) بكل فخر عن مهنة بيع الألبسة الأوروبية المستعملة، والتي أصبحت وسيلتهن لتحدي الظروف الاقتصادية الصعبة، وهو الأمر الذي أجبر المجتمع من حولهن على احترام خيارهن، بل وشجّع غيرهن من النساء على مزاولة العديد من المهن الجديدة، من أجل إعالة أسرهن وتجاوز ظروف الحياة القاسية.

صعوبات المهنة

تقول “نوهات”(27 عاماً)، خريجة كلية الهندسة، إنها كانت تعاني في بداية عملها من نظرة الاستغراب في عيون القاصدين إليها، خاصةً من زبائن والدها الذين كانوا يدخلون المحل الذي تحول من محل لبيع الخضار لمحل بيع (الباليه)، ليفاجئوا بوجودها وشقيقتها وهن منهمكات في فتح أكياس البضاعة الكبيرة وتنظيمها، وأكملت أنه ذات يوم قال لها صديق والدها، أن الأجدر بها أن تعمل بشهادتها أفضل من عملها الذي يمتهنه الرجال، وتضيف: «الرواتب في المؤسسات الحكومية ومؤسسات #الإدارة_الذاتية لن تلبي احتياجات عائلتي، لكن عملي في بيع الملابس المستعملة توفر كل احتياجاتنا وتدر علينا خيراتها الوفيرة».

ومن جانبها، تحدثت “ميديا”(24 عاماً) لـ(الحل نت)، عن نساء من مختلف مدن شمال شرقي سوريا، وجدن أنفسهن  يعملن في محلات تجارية عامة وأعمال شاقة، وقد اكتسبن مهارات البيع والشراء، حيث أنهن وجدن صعوبات في تقبل المجتمع لهن بدايةً كما حصل معها وشقيقتها، الأمر الذي أيدته “وداد” وأضافت: «في بداية كل عمل تمارسه المرأة ستواجه صعوبات كثيرة من المجتمع المقيد بالعادات والتقاليد والنظرة الدونية لعمل النساء، لكن مع الوقت يتقبل الناس مشاهدة النساء والفتيات في كل مكان يقف فيه الرجل».

وتابعت: «أعرف العديد من النساء اللواتي ابتكرن لأنفسهن مهناً في المنازل وأغلبهن متعلمات، حتى مثل إنشاء مشاريع كالمخابز الخاصة بصناعة المعجنات والخبز والحلويات، وبيعها للمحال التجارية أو بيعها حتى للمواطنين في الأحياء ذاتها».

تجاوزن ثقافة العيب

وحول عمل النساء بمهن ذكورية، تقول “نالين حسو”(24 عاماً)، مدرّسة مادة الرسم  بأحدي مدارس القامشلي، لـ(الحل نت): «غالبية النساء اللواتي انخرطن في مهن خاصة بالرجال، والتي كانت سببها الحرب الدائرة في البلاد منذ قرابة الـ10 سنوات، حيث تجاوزن ثقافة العيب، فيما سيواصلن ويطورن عملهن إذا ما توقفت الحرب، خصوصاً بعد ما أظهر المجتمع انفتاحاً وتقبلاً لذلك».

وترى “حسو” أن عمل النساء في أي مهنة هو ضروري بدلاً من بقائهن عاطلات عن العمل، مضيفةً أن «عمل المرأة أياً كان لا ينقص من أنوثتها وواجباتها كأم وزوجة على الإطلاق».

وفي السياق ذاته،  قال “رشيد سمير” وهو من المواطنين الذين رحبوا بممارسة النساء مهناً منهكة كانت محصورة بالرجال، وأكد لـ(الحل نت) أن: «الأمر لا يتجاوز المألوف من وجهة نظري، كون أن الأوضاع المعيشية دفعت شرائح واسعة من النساء اليوم على ممارسة مهن كانت محصورة بالرجال، خصوصاً اللواتي فقدنَ أزواجهنّ بسبب الحرب أو التهجير ولا معيل لهن».

فيما أكدت “حسو” هاتي النسوة بحاجة للدعم والتشجيع للاستمرار في أعمالهن ومشاريعهن الصغيرة وتطويرها، فضلاً عن تعزيز الانفتاح الاجتماعي لكسر عقدة حظر العمل عليهن أو للحيلولة دون تعرضهن للمضايقات.

وساهمت الحرب في سوريا وكذلك التغيّر الاجتماعي الذي سُجّل بعد ثورات الربيع العربي، في انخراط السوريّات في مهن كانت حكراً على الرجال.

فيما لا تتوفر إحصاءات رسميّة أو لمنظمات عن عدد النساء اللاتي يعملن بمهن اعتادت أن تكون خاصة بالرجال، لكن التقديرات تشير إلى أن نسبة النساء اللواتي تحملن عبء إعالة أسرهن بسبب الحرب في سوريا، تجاوزت 50% من نساء البلاد.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.