لكل شخص هويته الجندرية والتي قد تختلف أو تتطابق مع جنسه عند الولادة، إذا ما ولد شخص بجسد “ذكر”، ثم عرّف نفسه على أنه امرأة فهو “امرأة عابرة جندرياً”، سواءً اتخذت هذه المرأة خطوات لتغيير جسدها مثل استخدام الهرمونات البديلة أو جراحة تغيير الجنس أم لم تتخذ.

تستخدم أطراف النزاع السوري العنف الجنسي كطريقة لمعاقبة الخارجين عنها، فتتعرض النساء وكذلك الرجال وحتى الأطفال لمختلف أشكال العنف الجنسي في أماكن مختلفة كمراكز الاحتجاز والحواجز التفتيشية وغيرها، حيث تنال العابرات جندرياً نصيباً كبيراً من جرائم العنف الجنسي والتي تشمل الاغتصاب أو التهديد به، وإلحاق الضرر بالأعضاء الجنسية، والتعري القسري.

التمييز ضد العابرات جندرياً في السلم والحرب

تتعرض النساء العابرات جندرياً للعنف الجنسي بسبب المشاعر والمواقف المعادية تجاههن “رهاب العبور جندرياً”، وبسبب الكراهية تجاه التوجه الجنسي غير المطابق للصورة النمطية أو “ما يجب أن يكون”، حيث يتم استهداف هؤلاء النساء بشكل خاص بسبب “الانحراف عن التوقعات الاجتماعية للذكورة”.

يتفاقم العنف الجنسي المرتكب بحق العابرات جندرياً في حالات النزاع، كما جاء في تقرير للأمين العام لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الصادر في 23 آذار/ مارس 2015، الذي يشير إلى أن تعذيب الأشخاص وإساءة معاملتهم على أساس الميول الجنسية أو الهوية الجندرية أمر منتشر في النزاعات المسلحة وترتكبه جهات فاعلة تابعة للدولة وغير تابعة لها على حد سواء، مع استخدام الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي كشكل من أشكال “التطهير الأخلاقي”.

يزداد في “سوريا” استهداف العابرات جندرياً في حالات النزاع، بسبب عدم قبول النظر إليهن إلا كرجال يظهرون سمات أو سلوكيات أنثوية، فيتم وصمهن، وتُعتبرن ضعيفات ومن المقبول الإساءة إليهن.

تظهر الحالات التي وثقتها منظمة “هيومن رايتس ووتش”، أنه على الرغم من توقيف الرجال والنساء عند نقاط التفتيش على حد سواء، إلا أن العابرات جندرياً غالباً ما تتعرضن للتحرش اللفظي والاعتداء الجنسي على أساس أنهن “رجال ذوو مظهر ناعم رقيق”.

العابرات جندرياً في السجون التابعة لـ”الحكومة السوريّة”

تم استخدام العنف الجنسي بشكل ممنهج ضد المعارضين لـ”الحكومة السوريّة” على اختلاف نوعهم الجنسي وهوياتهم الجندرية، وذلك خلال مداهمات المنازل وعلى نقاط التفتيش وفي مراكز الاحتجاز وغيرها.

توصلت لجنة تقصي الحقائق التابعة لمنظمة “الأمم المتحدة”، إلى أن الاغتصاب والعنف الجنسي الذي يحدث في سوريا يرقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، حيث يُستخدم العنف الجنسي في مراكز الاحتجاز السوريّة كشكل من أشكال التعذيب من قبل السلطات الحكوميّة أثناء الاستجواب لإذلال وإرضاخ المعتقلين والمعتقلات.

تقول إحدى العابرات جندرياً والمعتقلة منذ عام 2007 في سجن “صيدنايا” العسكري: «ضربت قوات الأمن أي شخص ينتمي لمجتمع “الميم”، ربطونا إلى السقف وأجبرونا على التعري أمام أربعة جنود آخرين وجعلوهم يبصقون علينا».

تم نقل المعتقلة عام 2011 لسجن “حماة” المركزي، وتقول عن ذلك «إنه الروتين ذاته المطبق على الجميع لمجرد كونهم مثليين أو عابرين جندرياً، نتعرض للضرب والعنف والإهانة، ليس من قبل شخص واحد بل من قبل الكثيرين، يمكنهم تمييزنا من مظهرنا، كنا نتعرض للاغتصاب من الحراس والسجناء على حد سواء، لا يمكننا أن نرفض لأنهم حينها سيرموننا من المباني العالية أو يذبحوننا أو سنُضرب بأدوات حادة».

لا يقتصر الأمر على المعتقلات، بل يحدث أيضاً على الحواجز، حيث يتم إيقاف الأشخاص الذين يرتدون ملابس مختلفة أو الأشخاص الذين يعتنون بمظهرهم بطريقة مميزة، لذا فإن ارتداء السراويل الضيقة أو وضع الكثير من العطور أو تصفيف الشعر بشكل معين هو دليل للجنود الواقفين على الحاجز أنهم أمام عابرة جندرياً لتبدأ سلسلة من التحرش اللفظي أو الجسدي بها.

العابرات جندرياً خلال الخدمة العسكرية

تضطر العابرة جندرياً في أغلب الحالات أن تؤدي الخدمة العسكرية المفروضة عليها بناءً على جنسها عند الولادة والمسجل في الدولة، فتكون هذه المرأة هي الأكثر عرضة للتحرش الجنسي أو الاغتصاب أثناء أداء الخدمة، حتى إن عملت على إخفاء هويتها الجندرية، فغالباً ما تتم ملاحظتها بسبب شكلها أو طريقة كلامها أو حركاتها، وقد اضطرت الكثير من العابرات للسفر خارج سوريا لتجنب التجنيد الإجباري المفروض بشكل أوسع بسبب النزاع، عن هذا قالت إحدى العابرات: «هربت من سوريا لأنني لم أرغب في الانضمام للجيش»، وأضافت أن الناس في مجتمعها أخبروها أن الجيش سيجعلها رجلاً «سيتم تقويمك عندما تنضم إلى الجيش، إذا لم يكن الأمر كذلك فسيمارس الجنود الجنس معك».

وفي شهادة لعابرة أخرى تقول أنها نجحت في إخفاء حقيقتها و”التصرف كرجل” من أجل الحفاظ على سلامتها أثناء خدمتها في الجيش السوري لأنها خشيت التعرض للاعتداء الجنسي «كان علي أن أحلق رأسي وأن أتظاهر بأنني رجل، لكن في أعماقي كنتُ أنثى، لم أكن أبدو امرأة بأي شكل من الأشكال، كنت أتصرف كرجل، خاصة في الحمام الجماعي».

معاقبة العبور الجندري خلال فنرة حكم “داعش”

بالإضافة إلى استهداف العابرات من قبل الحكومة السورية، فقد تم استهدافهن أيضاً من قبل أعضاء تنظيم داعش في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، حيث أعدموا العابرات (وأي شخص من مجتمع الميم) برميهن من المباني الشاهقة، وفي حال لم تفقد الضحية حياتها، قاموا برجمها حتى الموت.

أخيراً.. لا ينتهي عذاب العنف الجنسي بانتهائه، بل تستمر المعاناة من الصدمة أو الاكتئاب لوقت طويل، فتعاني ضحايا هذا العنف من عدم القدرة على النوم وفقدان الذاكرة وفقدان الاهتمام بالجنس والشعور بالذنب وفقدان الأمان وقد يصل الأمر ببعضهم حد الانتحار، لا يجب أن يتعرض أي إنسان لمثل هذه التجربة غير الإنسانية، خاصةً إن كان الأساس لاختيار ضحايا هذه الجرائم قائم على هوية الإنسان الجندرية الخاصة به، وتعريفه لذاته ورؤيته لها وشعوره الداخلي تجاه نفسه.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.