في ظل انتشار جائحة “كورونا”.. التأثيرات الأسوأ كانت أكثر عمقاً على حقوق النساء السوريّات

في ظل انتشار جائحة “كورونا”.. التأثيرات الأسوأ كانت أكثر عمقاً على حقوق النساء السوريّات

يؤثر انتشار جائحة كورونا في سوريا على طيف واسع من حقوق الإنسان، ويأتي ذلك على أكثر من وجه، أحياناً يتم انتهاك هذه الحقوق بسبب إقدام الحكومة والجهات المسؤولة على القيام بممارسات ينبغي عليها عدم القيام بها أو التوقف عنها زمن انتشار الجائحة.

لكن في كثير من الأحيان أيضاً، يتم انتهاك هذه الحقوق بسبب عدم قيام هذه الجهات بما ينبغي عليها لتفادي الأضرار الأعمق على الفئات الأكثر عرضة للخطر، والتي تكون بصورةٍ أساسيّة الأكثر تضرراً في هذه الأثناء.

في ظل تضافر الجائحة والقيود الإضافية التي تُفرض بغرض مكافحة انتشارها، مع ضعف وصول هذه الفئات للخدمات الأساسيّة أصلاً وحرمانها من جملة من حقوقها المدنية والاقتصادية والاجتماعية، وفي حين يبدو الجميع متضررين، إلا أن التأثيرات الأسوأ تبدو أكثر عمقاً على حقوق النساء السوريّات.

العنف الأسري في زمن الجائحة

غالباً ما يتم ربط ارتفاع معدلات العنف الأسري بفرض تدابير حظر التجول والعزل المنزلي من قبل الحكومات، خاصةً في ظل غياب الأطر القانونية التي تعاقب مرتكبي العنف الأسري.

ورغم أن هذه التدابير لم يتم فرضها إلا بصورة محدودة في مختلف المناطق السوريّة، وفي الواقع لم يكن ممكناً الالتزام بها على نطاق واسع، إلا أن عوامل أخرى عديدة استجدت بعد انتشار الجائحة، أدت ولا تزال تؤدي إلى تعرض النساء في سوريا للمزيد من العنف والانتهاكات.

أُلقيت الأعباء الأثقل على كاهل المرأة في ظل انتشار البطالة الناتجة عن التسريح من العمل في القطاع الخاص وخسارة مصادر الدخل في قطاعات العمل غير المنظمة.

فسواء كانت المرأة أو الرجل من تعرض لخسارة العمل ومصدر الدخل في الأسرة، تنعكس التأثيرات السلبية على المرأة بصورةٍ مضاعفة، فالبقاء في المنزل مدةً أطول بالنسبة للنساء اللواتي تتعرضن للعنف الأسري، تعني المزيد من التعرض للجاني، وحين يأتي هذا الوضع في سياق “البطالة” والضغوط المعيشية الأخرى التي تؤدي إلى حالة ذهنية ونفسية أكثر سوءاً، يصبح أكثر قابلية لتبدّي مظاهر العنف فيه، وبطبيعة الحال، يوجه هذا العنف غالباً نحو الحلقات الأضعف في هذه المعادلة “النساء والأطفال”.

وفي حادثةٍ ذات دلالة وقعت خلال شهر كانون الأول/ ديسمبر 2020، أقدم رجل من المهجرين في الشمال السوري على قتل امرأته حرقاً بعد أن قام بتقييدها، وهي أم لثلاثة أطفال وحامل في شهرها الثامن، وقد تبيّن لاحقاً أن الرجل كان مدمناً على مواد مخدرة.

الأمر الجدير بالملاحظة هنا، أنه ورغم استحالة معرفة النسبة الحقيقية لمتعاطي أنواع معينة من الحبوب المخدرة بين الذكور، وخصوصاً تلك التي تجعلهم أكثر قابلية لارتكاب العنف (اشتهر عقار “الكبتاغون” خلال سنوات النزاع بأنه عقار “المقاتل السوري”، وانتشر بصورة كبيرة، بين مقاتلي الحكومة السوريّة وميليشياتها ومقاتلي المعارضة على السواء)، لكن لنا أن نتخيل كيف لأنواع المخدرات التي تساعد المقاتلين على احتمال كل العنف اللازم لخوض معركة، أن تسهم بصورة خاصة في بلوغ العنف بكل صوره مستوياتٍ غير مسبوقة داخل الأسر.

ازدياد دور التنميط الجندري في انتهاك حقوق النساء

من ناحية أخرى، على المرأة أن تتحمل الجزء الأكبر من الأعباء المترتبة على الأوضاع المستجدة، فنظراً لتأثير القوالب الاجتماعية للأدوار المتعلقة بالنوع الاجتماعي، غالباً ما يتعين على المرأة وحدها النهوض بمسؤوليات العناية بالأطفال وتعليمهم خلال فترات مكوثهم في المنزل.

سواء كان ذلك حين يتم فرض تدابير الحظر، أو نتيجة توقف خدمات الحضانة والتعليم وإغلاق المدارس لمواجهة انتشار الجائحة، علماً بأن هذه الأعباء لا تقتصر على الأطفال، فالعناية برب الأسرة هي أيضاً مسؤولية ملقاة على عاتق الزوجة أو الابنة وحدها، لأن هذا هو “الدور الطبيعي والبديهي” للمرأة في الأسرة.

ينطبق هذا حتى على النساء العاملات، فالمسألة هنا أكثر تجذراً في الوعي الجمعي للمجتمعات الذكوريّة خاصةً مع الغياب التام لأية إجراءات تهدف للحد من تأثير القوالب الاجتماعية على مفاهيم أدوار النساء والرجال، سواءٌ في ميادين العمل أو داخل الأسر.

النساء في الخطوط الأماميّة

نظراً لعدد القتلى والمعتقلين والمفقودين الكبير بين الذكور في سوريا، ونظراً لدخول المرأة سوق العمل خلال سنوات النزاع بشكل متزايد (نتيجة الحاجة وليس نتيجةً لأية محاولات مجتمعية لتمكين المرأة في سوق العمل)، باتت نسبة النساء عالية بين العاملين في عدد من القطاعات الحيوية، كالقطاع الصحي وقطاع التعليم وقطاعات السياحة والمطاعم وغيرها، ومن البديهي بطبيعة الحال أن هذه القطاعات كانت الأكثر تأثراً وبصورة مباشرة أثناء انتشار جائحة كورونا في سوريا.

وفي حين تعتبر حماية “السلامة الشخصية” حقاً أساسياً للنساء العاملات في القطاعات الحيوية، إلا أن ما يحصل في سوريا هو أن النساء العاملات في القطاعات الحيوية أصبحن الحلقة الأضعف في مواجهة انتشار الجائحة، دون أن تقوم الحكومة بأية جهود تذكر لتوفير وسائل الحماية لهن من الإصابة بالعدوى أثناء العمل في ظل معاناة المرأة السوريّة من التمييز القائم على النوع الاجتماعي في سوق العمل أساساً.

الصحة النسائيّة والإنجابيّة

بات حال المراكز الصحية متدهوراً جداً بعد عشرة أعوام من النزاع واستهداف المراكز الطبية من قبل القوات المتحاربة، وكانت خدمات الصحة النسائيّة والإنجابيّة الخاسر الأكبر بعد تراجع إمكانية الوصول لهذه الخدمات، ومع انتشار الجائحة تدهور حال ما تبقى منها، بل وبات النقاش حول تمكين النساء والفتيات من الوصول لها ضرباً من “الترف” الذي لا داعي لطرحه أو للتفكير به أساساً أثناء إقرار التدابير الحكوميّة لمواجهة انتشار الفيروس.

تحييد النساء عن المشاركة في صنع القرار

يبدو في الواقع أن العامل الأساسي والحاسم الذي يُسهم بمفاقمة الأضرار الواقعة على حقوق النساء السوريّات، هو في أن الحكومة السوريّة لم تعمل أساساً على إشراك المرأة بصورة فاعلة في التخطيط والتنفيذ للاستجابة لمواجهة انتشار الجائحة، وهذا ما يُفسر طبيعة معظم هذه القرارات والإجراءات التي اُتخذت حتى الآن، والتي تبدو مُهمِلة بصورة شديدة الوضوح لمسألة ضرورة مراعاة حقوق النساء أثناء إقرار خطط الاستجابة الوطنية.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.