“فقهاء الشريعة” في المحكمة الاتحادية العليا: مزيدٌ من أسلمة النظام العراقي أم محاولة لعرقلة الانتخابات المبكرة؟

“فقهاء الشريعة” في المحكمة الاتحادية العليا: مزيدٌ من أسلمة النظام العراقي أم محاولة لعرقلة الانتخابات المبكرة؟

يحول خلاف سياسي جديد دون تمكّن القوى السياسية العراقية من إقرار جميع بنود قانون المحكمة الاتحادية العليا، التي من مهامها الفصل في شكاوى الانتخابات، والنزاعات بين الحكومات الاتحادية والمحلية، والبتّ بدستورية التشريعات والقوانين.

وتحاول بعض الجهات، ذات التوجه الإسلامي، إضفاء صبغتها السياسية على عمل المحكمة، من خلال إصرارها على إشراك “فقهاء شريعة” في هيئة قضاتها، بشكل يسمح لهم بالتصويت على مشاريع القوانين، وهو الأمر الذي وصفته الأوساط القانونية العراقية بـ«السابقة الخطيرة، التي تهدد استقلالية القضاء».

 

أصل الخلاف

الخلاف السياسي، حول وجود فقهاء للشريعة داخل المحكمة الاتحادية، انبثق أساساً مما تضمنته المادة  /92-ثانياً/ من #الدستور_العراقي، التي نصّت على أن «تتكوَّن المحكمة من عدد من القضاة، وخبراءٍ في الفقه الإسلامي، وفقهاءٍ بالقانون، يُحدد عددهم، وتنظّم طريقة اختيارهم، بقانونٍ، يُسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب». لكنّ هذه المادة الدستورية تتعارض، برأي كثير من فقهاء القانون، مع ما تشير إليه المادة /92-أولاً/، التي وصفت المحكمة بـ«الهيئة القضائية المستقلة مالياً وإدارياً».

ويتساءل القاضي والوزير الأسبق “وائل عبد اللطيف” عن الصفة القانونية، التي ستُعطى لـ”فقهاء الشريعة” داخل المحكمة، موضحاً، في حديثه لموقع «الحل نت»، أنه «لا يمكن وسمهم بالقضاة، وعليه فكيف سيتسنى لهم التدخّل بقرارات المحكمة؟»

الخلاف حول “فقهاء الشريعة” يراه “عبد اللطيف” «محاولةً لإفشال الاستحقاق الانتخابي المقبل، عبر طرح رأي سياسي ديني، لا يمكن الاتفاق بشأنه بين القوى السياسية المتعددة»، متسائلاً عن «المرجعية الدينية التي سترشح الفقهاء، في ظل تعدد المرجعيات في العراق».

وحول قيمة وجود رجال دين، في محكمة مختصّة بقضايا النزاعات الدستورية، يجيب القاضي العراقي: «لا قيمة تُذكر لوجودهم، طالما كانوا غير مختصين في النظر بالقضايا القانونية والدستورية»، مبدياً مخاوفه من إمكانية أن «يُسهم الخلاف بفتح الباب واسعاً، أمام مختلف المكوّنات الدينية، للمطالبة بإرسال رجال دينها إلى المحكمة، وبالتالي إفشال عمل القضاء».

وصوّت #البرلمان_العراقي على ثماني عشرة مادة من قانون المحكمة الاتحادية، وأجَّل حسم ست مواد أخرى، لحين التوصّل لتوافق سياسي بشأنها، ومن أهم هذه المواد المادة المتعلّقة بوجود فقهاء شريعة في الهيئة القضائية للمحكمة.

 

محاولات لتعطيل القضاء

محاولة القوى السياسية إقحام رجال الدين في القرار القضائي يراها الخبير القانوني “أحمد العبادي” «سعياً سياسياً للسيطرة على قرار المحكمة الاتحادية، وتعطيلاً غير مبرر لقوانينها الباتة».

الخبير القانوني العراقي قال لموقع «الحل نت» إن «وجود رجال دين في الهيئة القضائية للمحكمة سيجعل من قرار القاضي رهيناً بموافقة رجل الدين، الذي لا يعرف شيئاً عن القانون، ولا يمتلك خبرة كافية»، واصفاً ما يجري بأنه «كارثة كبيرة، ترتكبها الأحزاب الحاكمة».

وأضاف: «لا يوجد معيار ثابت، يمكن من خلاله معرفة ما إذا كان النص القانوني له علاقة بالشريعة، أم متعلقاً بالحقوق العامة، وبالتالي فوجود فقهاء الدين، بوصفهم قضاةً غير مؤهلين، لممارسة دور رقابي على “شرعية” عمل المحكمة، سيلحق ضرراً كبيراً بها، وسيزيد من التخندق الطائفي في القضاء العراقي».

 

أسلمة نظام الحكم

“مسعود حيدر”، النائب عن “كتلة التغيير الكردستاني”، عبّر لموقع «الحل نت» عن مخاوفه مما يسميها «محاولات أسلمة نظام الحكم في العراق»، داعياً إلى ضرورة «نأي القوى السياسية عن الاستقواء على الشركاء، والتزامها بالاحتكام لمبدأ التوافق المكوناتي».

وأضاف: «نعتقد أن لدينا في العراق قضاة يُعتدّ برأيهم على مستوى العالم العربي، لكنهم يواجهون استهدافاً ممنهجاً من القوى السياسية الإسلامية»، مشدداً على ضرورة أن «ينحصر دور فقهاء الشريعة في النظر في دستورية القوانين، التي قد تتعارض مع ثوابت الشريعة الإسلامية، دون غيرها»، إلا أن النائب الكُردي لم يوضح ما يعنيه بـ«ثوابت الشريعة».

ومن المنتظر أن تنطلق في الأيام المقبلة تظاهرات شعبية، في بعض المحافظات العراقية، للتنديد بالقانون المقترح، الذي اعتبره بعض الناشطين «سابقةً قانونية لا طائل من ورائها، وتكريساً لمبدأ مصادرة القرار القضائي، بما يتماشى مع تطلعات القوى السياسية الحاكمة».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.