مع تراجع المعونات الإنسانية: كيف أصبحت النساء المعيل الأساسي في مخيمات النازحين بالحسكة

مع تراجع المعونات الإنسانية: كيف أصبحت النساء المعيل الأساسي في مخيمات النازحين بالحسكة

من داخل مأواها المؤقت، في مخيم “العريشة” بريف مدينة #الحسكة الجنوبي، تتحدث “منى”، البالغة من العمر خمسين عاماً، لموقع «الحل نت» عن الصعوبات التي تواجهها في  إعالة عائلتها: «أنا أم لثمانية أطفال، أعاني من داء السكري وفرط نشاط الغدة الدرقية، وأحتاج لعملية جراحية في القلب، لكنني أتظاهر أن صحتي على ما يرام أمام أبنائي، بعد اختفاء زوجي في مدينة #منبج، أثناء المعارك الدائرة فيها منتصف عام 2016، والتي أودت أيضاً بحياة أربعة من أولادي».

“منى”، التي عملت لفترة قصيرة في مهنة التمريض بالمخيم، اضطرت لترك عملها بسبب قسوة ظروفه، «كنت أقضي معظم يومي في المشفى، وأطفالي كانوا بحاجة لرعاية»، تقول السيدة الخمسينية، وتتابع: «تنقّلت بعدها بين أعمال ومهن عدة، كان آخرها  العمل في مجال الخياطة، لكنني من جديد اضطررت لترك العمل، بسبب ساعات العمل الطويلة».

وتختتم حديثها بالقول: «ضغط العمل، ورحلة النزوح الطويلة، وفقدان فلذات كبدي، زاد من أوجاعي، وسبب لي أمراضاً مرهقة ومتعبة. أخشى أن يستيقظ أبنائي يوماً، ولا يجدون من يرعاهم».

أما “صفية الصالح”، وهي سيدة في عقدها الثالث، تعيش في مخيم “العريشة”، فلا تستلم، هي وعائلتها، سوى سلة غذائية واحدة من المنظمات الإغاثية، ما دفعها للسعي لزيادة دخلها، فقامت بتحويل خيمتها إلى متجر صغير، تبيع فيه العطورات والسكاكر وألعاب الأطفال.

تقول “صفية” لموقع «الحل نت»: «حالتي النفسية تغيّرت، بعد تحسّن وضعنا المعيشي، وبالتالي شخصيتي صارت أقوى. وقد صرت قادرة على شراء أنواع أكثر من الخضار، مثل البطاطا والبندورة، وكذلك شراء اللحم والفاكهة بشكل متكرر، ولم يعد غذاؤنا يقتصر على ما يوجد في سلة الإعانة».

 

ازدياد نسبة النساء المعيلات

تعدّ “منى” و”صفية” من بين آلاف النساء السوريات النازحات، اللواتي يكافحن وحيدات لتوفير رزق أسرهن، فبحسب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، التابعة للأمم المتحدة، فإن «امرأة من بين كل أربع نساء من سوريا، تقوم بمهام إعالة الأسرة، بعد موت زوجها أو اختفائه».

وذكرت المفوضية، في تقريرها السنوي، الصادر بداية العام الجاري، أن «النساء والفتيات يشكلنّ حوالي 50% من أية فئات لاجئة أو نازحة داخلياً، ويكون كثير منهن من الفتيات غير المصحوبات، أو الحوامل، أو معيلات الأسر، أو من ذوات الإعاقة، أو الكبيرات في السن، وغيرها من الفئات الأشد ضعفاً».

ويصيب انعدام الأمن الغذائي نحو 79% الى 85% من إجمالي اللاجئين والنازحين، وفقاً لمفوضية شؤون اللاجئين، مما يبرز مدى ارتفاع تعرّض الأسر، التي تعيلها النساء، لخطر الجوع.

 

مهارات النساء في التأقلم

«تأسس مخيم “العريشة” في ربيع عام 2016، ويقطنه نازحون من ريف #دير_الزور، يتحدّر غالبيتهم من بلدتي #الميادين والبوكمال، ويعيش فيه حالياً قرابة أربعة عشر ألف نازح، يقيمون في  ثلاثة آلاف ومئتي خيمة»، بحسب “زاهر غربي”، مدير المخيم، الذي أكد، في حديثه لموقع «الحل نت»، أن «النساء يعلن معظم العائلات بالمخيم، بعد غياب الزوج أو المعيل».

ويتابع بالقول: «تعمل النساء إما في مكاتب المنظمات ومراكز الجمعيات، أو يفتتحن مشاريع صغيرة، مثل المحلات التجارية أو ورشات الخياطة، إلا أنه لا تتوفر لدينا أرقام دقيقة عن عمالة النساء في المخيم».

“خولة دنيا”، الاستشارية الجندرية، العاملة مع “المبادرة النسوية الأورومتوسطية”، ترى أن «النزوح، والعيش وسط خيام مكتظّة، خلق وضعاَ غير معتاد للنساء، لكن قدرتهن على التأقلم، أدت لخلق ظروف استقرار مؤقتة للعوائل والمجتمع المحلي، وهذا دور لا يمكن سوى للنساء القيام به على أكمل وجه»، حسب تعبيرها.

وتضيف في حديثها لـ«الحل نت»: «ظروف الحرب الدائرة في سوريا دفعت كثيراً من النساء للتكيّف مع حياة لم تكن مألوفة أو مقبولة في بيئاتهن المحافظة، وحتى اللواتي لم يكن مسموحاً لهنّ بالخروج من المنزل أصبحن اليوم معيلات وعاملات. كل هذه أعباء مضاعفة، تُحمّل السيدة النازحة فوق طاقتها، لكنها قادرة ولا شك على النهوض بها، لصالح تماسك عائلتها، والنجاة بها من ظروف النزوح القسري».

وانتقدت “دنيا” منظمات المجتمع المدني والمنظمات الإغاثية، لأنها «تصوّر النساء بوصفهن ضحايا، بهدف تلقي الإعانة والمساعدة. إلا أن السوريات، رغم ظروفهن الصعبة، لم يتحولن إلى ضحايا سلبيات، بل بتن أقوى، وأكثر معرفةً ونضجاً، وقدرةَ على تحمّل المسؤولية».

 

هل يتم دعم النساء المعيلات؟

ولكن ماذا عن الجهود لدعم النساء المعيلات؟ وهل توجد مشاريع كافية لمساعدتهن وتطوير كفاءاتهن المهنية؟

“نورا خليل”، المديرة التنفيذية لـ”منظمة شمس للتدريب والتثقيف”، تؤكد لـ«الحل نت» أن «النساء النازجات يعشن ظروفاً صعبة، ويفتقرن إلى أبسط الخدمات، الأمر الذي ينعكس على قدرتهن على الاهتمام بأنفسهن وأطفالهن، لكنّ من خلال ورشات التدريب المهني، التي تجريها بعض المنظمات المدنية، تعلّمت كثير النساء عدداً من المهن، للاعتماد على أنفسهن، وتحمّل المسؤولية المادية لعائلاتهن».

أما “زاهر غربي” فيقول إن «إدارة مخيم “العريشة” لا تستطيع تنفيذ مشاريع لدعم النساء النازحات. ويجب على الجهات المانحة منح قروض ومساعدات مالية لهاته النساء، لافتتاح مشاريع صغيرة، تساعدهن على تحمل الصعوبات الحياتية والمعيشية».

فيما شددت “خولة دنيا” على أن «المساندة والتماسك الاجتماعي مهمان للغاية، لأن النجاة ليست فردية، بقدر ماهي ممكنة مع التعاضد الاجتماعي. تحتاج النساء للتمكين، عبر خلق فرص جديدة لهن، مثل تعلّم مهن يدوية، وأعمال تمكنهن من الاستقلال الاقتصادي، كما تعطيهن الأدوات المعرفية الضرورية، لمنع استغلالهن، سواء مادياً أو جنسياً».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.