106 أعوام على المذابح الأرمنيّة: القصّة الكاملة في حوارٍٍ لـ (الحل نت) مع سفير أرمينيا بالعراق

 106 أعوام على المذابح الأرمنيّة: القصّة الكاملة في حوارٍٍ لـ (الحل نت) مع سفير أرمينيا بالعراق

يصادف اليوم 24 أبريل نيسان، الذكرى السنوية السادسة بعد المئة للمذابح التي ارتُكِبت بحق الأرمن وأقلّياتٍ أخرى في عهد السلطنة العثمانية بين عامي 1915 و1917 وراح ضحيتها أكثر من مليون ونص مليون شخص، في أحداثٍ يعتبرها الأرمن «إبادة جماعية» ويحمّلون تركيا المسؤولية عنها.

(الحل نت) عاد بالأحداث من بدايتها، عبر حوارٍ مُطوّل أجراه الصحفي “سامان داود” مع سفير جمهورية أرمينيا في العراق “هراتشيا بولاديان”.

الحل نت: سعادة السفير لو تفضلت بتقديم خلفية عن أسباب قيام الدولة التركية بإبادة الأرمن قبل أكثر من مائة عام؟

السفير “هراتشيا بولاديان”: دخلت الإمبراطورية العثمانية في 31 تشرين الأول عام 1914 الحرب العالمية الأولى إلى جانب قوات المحور (ألمانيا، النمسا والمجر)، وكانت تأمل بطرد روسيا من القوقاز، لتوحيد الشعوب التركية في الشرق الأوسط والقوقاز وروسيا وآسيا الوسطى في إطار دولة طورانية.

لم تكن روسيا العقبة الوحيدة في تحقيق هذا المشروع؛ بل أيضاً أرمينيا التي كانت مقسمة بين دولتين: روسية القيصرية والإمبراطورية العثمانية، فكانت السياسة الداخلية والخارجية لكل منهما تختلف عن الأخرى جذرياً، وهذا الاختلاف كان ينعكس على تصرفات هاتين الدولتين تجاه الشعب الأرمني.

استغلت الحكومة العثمانية هذا الوضع لتنفيذ مشاريعها المعدة مسبقاً لتنفيذ عمليات الإبادة، عن طريق إيجاد المبررات الكافية لمواقفها المتطرفة القادمة.

أحداث الحرب كانت فرصة ذهبية فسحت المجال أمام حزب (الاتحاد والترقي) الحاكم لتنفيذ مشروع حل القضية الأرمنية وإجهاض تطبيق الإصلاحات في الولايات الأرمنية نهائياً.

مواقف الأتراك الشباب أيضاً كانت ثابتة بشأن الإصلاحات، وكانوا يحاولون بكل السبل عدم تنفيذها، فكانوا يعتبرون الولايات الشرقية قلب الإمبراطورية ويدركون أن خطر الإصلاحات يهدد أمن واستقرار الدولة العثمانية. لذلك كان التدخل الأوروبي في الشأن الأرمني يثير الغضب في أوساط الأتراك الشباب أيضاً.

ويشهد على ذلك، الحديث الودي الذي دار بين “جمال باشا” وصديقه “فاردكيس” عضو المجلس التركي من #حزب_الطاشناق حيث قال جمال:  «انتبهوا، تخلوا عن الأوروبيين وتعالوا لنقوم نحن بالإصلاحات،  لن نسمح أبداً بتدخل الدول الأوروبية، وإذا فُرض علينا الإصلاحات في الولايات الأرمنية مرة أخرى وإذا قبلتم من دون الأخذ بعين الاعتبار الخطر الكبير، فأنا أؤكّد لك أنه سيُقتل في الولايات الشرقية الست عدداً لا يقل عن 300 ألف أرمني».

حسب المعطيات المتوافرة، خاصة محاضر اجتماعات الاتحاديين ومذكرات رجال الدولة وكبار الموظفين،  فالتحضيرات عملياً بدأت في 2 آب عام 1914 بعد قرار الإدارة العثمانية بشأن تجنيد الذكور الأرمن من الفئات العمرية 20 إلى 45 سنة إجبارياً.

وبهذه المناسبة، صُدِر في شباط عام 1915 قرار “أنور باشا” بشأن القضاء على الجنود الأرمن ومصادرة أسلحتهم وتشغيلهم أعمالاً شاقة وقتلهم بدم بارد، فكانت هذه الخطة، حسب تقييم الخبراء، بداية عمليات السلطات العثمانية الهادفة إلى تشتيت الأرمن والتي سهّلت تنفيذ الإبادة فيما بعد. بعد ذلك زُجَّ بالنساء والأطفال والعجزة في فخ الموت من دون حماية واستعداد للمقاومة، وقُتِل معظمهم بطريقة بشعة أثناء التهجير والمشي لأسابيع.

وانطلاقاً من حرص الإدارة العثمانية على سلامة الدولة والدين، حسب الرواية التركية، قرر المسؤولون الأتراك تهجير الأرمن من الرجال والنساء والأطفال من دون استثناء سواء من الشيوخ أو المرضى قسراً من جميع مقاطعاتهم إلى خارج المناطق الساخنة حتى انتهاء الحرب،  وأن تحدد كل ولاية من ولاية حلب ولواء دير الزور مراكز مؤقتة يجرى حشدهم فيها.

وفي الوقت ذاته، أُعطيت تعليمات سرية إلى الجهات المعنية بشأن تشتيت الأرمن، وصدر أمر “طلعت باشا” في 14 أيار عام 1915 الذي ينص على ما يلي:

المادة الأولى: أثناء التعبئة العامة يخول ويلزم قادة فرق الجيش ووكلاؤهم وقادة المواقع المستقلة، بمقاومة وقمع كل حركة تخل بالأمن يقوم بها الأهالي وكل مخالفة لأوامر الحكومة وللإجراءات المتعلقة بالحفاظ على الأمن وعلى سلامة المملكة والدفاع عنها. كما أنهم ملزمون بأن يقمعوا بشدة وبقوة السلاح وحتى بالقتل ومحو كل من يقدم على مقاومتهم بقوة السلاح.

المادة الثانية: يكون على قادة فرق الجيش وقادة الوحدات الخاصة المستقلة، أن يُهجِّروا أهالي المدن والقصبات بصورة منفردة أو على شكل جماعات، من أماكن إقامتهم إلى مناطق أخرى إذا قضت الضرورات العسكرية أو مقتضيات قمع التجسس والخيانة  أو إذا شعروا بالإقدام على ارتكاب تلك الأعمال.

وفي الثامن من نيسان 1915 صدر مرسوم حكومي يتضمّن خطة الإبادة وترتيباتها الزمنية، وحدد كيفية تنفيذ هذا المرسوم على الشكل التالي:

1- لغرض قطع رأس الجسد الأرمني، قرر القبض على قادة الأرمن من سياسيين ومفكرين وأساتذة وأدباء وغيرهم في الأستانة.

2- نزع السلاح من جميع فئات الشعب الأرمني.

3- بدء عمليات القتل والنفي والترحيل قسرياً.

الحل: متى بدأت الإبادة فعلياً؟

“بولاديان”: تنفيذاً للقرار المذكور في 24 نيسان عام 1915 والأيام القليلة التي تلتها اعتُقِل نحو 800 شخص في الأستانة من النخبة المثقفة للأرمن، بعد الاعتقالات جرى نفي المفكرين الأرمن إلى أعماق الأناضول، حيث قُتِلوا بأقصى درجات الوحشية. كما عمدت السلطات الاتحادية إلى قتل ضباط وجنود أرمن كانوا قد أدُّوا واجبهم بإخلاص على جبهات القوقاز.

خلال شهري أيار وحزيران عام 1915 استمرت عمليات الترحيل القسري والنفي والقتل وإحراق الأملاك والنهب والسلب والاغتصاب والتذليل في جميع الولايات الأرمنية، بدءاً من (مرعش، وان، موش، صاصون، أرضروم، خربوط، طرابزون، سيواس، ديار بكر، أنقرة، الاستانة وكيليكيا وغرب الأناضول) وغيرها من سائر المدن والقرى.

الحل: هل اقتصرت الإبادة على الأرمن فقط؟

“بولاديان”: منذ بداية القرن العشرين، تعرضت شعوب أخرى أيضاً كانت تعيش ضمن  الإمبراطورية العثمانية لإبادات جماعية، حيث قُتِل أو رُحِّل مئات الآلاف من  اليونانيين والآشوريين والإيزيديين والروس المالوكان.

الحل: لماذا تنكر تركيا حالياً ما حدث للأرمن، وما وجهة نظركم بدلالات هذا الإنكار؟

“بولاديان”: إن جريمة الإبادة الأرمنية الوحشية في الإمبراطورية العثمانية التي تمتد جذورها إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر، مازالت مستمرة حتى يومنا هذا، فحكومة تركيا الحديثة بوصفها الوريث الشرعي للإمبراطورية العثمانية، تتبنى سياسة إنكار الإبادة وتحاول بكل الوسائل المتاحة عدم تداولها وتسعى إلى تزوير و تشويه الحقائق التاريخية وتقديمها للمجتمع الدولي بمرآة ملتوية ووصف الأحداث التي وقعت  كأنها حرب أهلية دارت في الإمبراطورية بين الأتراك والأرمن إبّان الحرب العالمية الأولى ووقع نفس العدد من الضحايا من الجانبين.

إن ترويج السلطات التركية مثل هذه النظريات الخطيرة، تعد تكراراً للجريمة التي ارتكبتها قيادات حزب الاتحاد والترقي الحاكم آنذاك في الإمبراطورية العثمانية بحق الشعب الأرمني.

الحل: بوصفكم سفير أرمينيا لدى العراق، ما  طموحكم لاعتراف العراق بالإبادة الجماعية الأرمنية؟

“بولاديان”: أثناء بناء العلاقات مع دولة العراق الصديق وتطوّرها، لم يتم التطرق أو طلب الاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن، لكن المجتمع العراقي يقبل الإبادة الجماعية للأرمن منذ زمن بعيد، ومن الصعب وجود شخص في العراق ينكر هذه الحقيقة.

وأؤكّد بأن الشعب العراقي أنقذ الأرمن الفارين من الإبادة الجماعية، بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية، كما سمعت المئات من القصص عن إنقاذ إخواننا الأرمن من قبل شعوب  الدول العربية، منها العراق وسوريا ولبنان ومصر وغيرها من الدول.

الحل: ما استعداداتكم هذا العام لإحياء الذكرى ١٠٦ للإبادة الأرمنية؟

“بولاديان”: في كل عام، تحيي أرمينيا وآرتساخ وجميع المجتمعات الأرمنية في العالم، ذكرى 1.5 مليون من ضحايا الأبرياء القديسين الذين قتلوا في الإمبراطورية العثمانية.

يوجد نصب تذكاري على قمة “تسيتسرناكابيرد” في ييريفان، حيث يزوره مئات الآلاف من الأرمن في 24 نيسان من كل عام، سيكون هناك حفل موسيقي حصري بمشاركة  106 من عازفي البيانو المشهورين.

الحل: هل يمكن أن يؤثّر اعتراف العراق بالإبادة الأرمنية على علاقاته مع تركيا؟

“بولاديان”: أعتقد أن هذا السؤال يجب توجيهه للسلطات العراقية وأعضاء مجلس النواب العراقي، لكن لبنان وسوريا هما من ضمن قائمة الدول التي اعترفت بالإبادة الجماعية بحق الأرمن.

تأكدتُ من خلال محادثات خاصة بأن المسؤولين العراقيين على معرفة  جيدة بالقصة الحقيقية، وأن العراقيين يعرفون الأرمن وأرمينيا منذ العصر البابلي.

اليوم هناك أكثر من 10 كنائس أرمنية في هذا البلد والعراقيون يفخرون  دائماً بوجود  آلاف المواطنين الأرمن الذين تميزوا بمشاعر الامتنان والمهنية والتفاني تجاه العراق والشعب العراقي.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.