رفع أسعار المحروقات في مناطق الإدارة الذاتية: ضرورة مالية أم فشل وتخبّط في إدارة الملف الاقتصادي؟

رفع أسعار المحروقات في مناطق الإدارة الذاتية: ضرورة مالية أم فشل وتخبّط في إدارة الملف الاقتصادي؟

ألغت #الإدارة_الذاتية قراراً يقضي برفع أسعار المحروقات، بعد مظاهرات، استُخدم فيها السلاح، شهدتها مناطق شمال وشرق سوريا قبل أيام، إلا أن مسؤولي الإدارة أكدوا لموقع «الحل نت» أن «القرار لم يُلغ بشكل نهائي، ولكن تم تأجيله لحين تحسّن الأوضاع نوعاً ما»، فماذا قد تكون عواقب إعادة رفع الأسعار؟ وهل ستستطيع الإدارة تلافي حدوث مظاهرات أخرى؟

وكانت الإدارة الذاتية قد أصدرت قرارها في الثامن عشر من ِشهر أيار/مايو الجاري، وبعد المظاهرات الشعبية تراجعت عنه في العشرين من الشهر نفسه، إلا أن هذا لم يمنع كثيرين من الاستمرار بانتقاد الإدارة الذاتية، بسبب «قلّة كفاءة مسؤوليها، وتخبّطها في إدارة المنطقة اقتصادياً»، حسب تعبير المنتقدين.

 

«نحن مضطرون لرفع الأسعار»

“صادق أمين خلف”، الرئيس المشترك لإدارة المحروقات العامة في شمال وشرق سوريا، أكد لـ«الحل نت» أن «القرار تأجّل في الوقت الحالي، إلى أن تتحسن ظروف المعابر، والظروف الاقتصادية بشكل عام»، ليترك المسؤول المحلي المجال مفتوحاً أمام قرارات أخرى بخصوص أسعار المحروقات، قد تصدرها الإدارة في الأيام المقبلة.

ويفسّر “خلف”  أسباب إصدار القرار 119، القاضي برفع أسعار المحروقات، بالقول: «ارتفاع تكاليف استخراج النفط، وتكاليف الحرّاقات، والنقل، وأجور العمال، أجبرنا على رفع الأسعار، فسعر بيع المحروقات الحالي لا يغطي تكاليف استخراجها وتكريرها، وكما تعلمون، فسعر الدولار أيضاً ارتفع. سابقاً كنّا نصدّر النفط، والآن توقف التصدير، والإدارة تستورد الغاز من الخارج، كما أن أسطوانة الغاز تكلّفنا ثمانية عشر ألف ليرة، ولذلك قررنا رفع سعر الأسطوانة إلى ثمانية آلاف، وهو مبلغ لا يغطي حتى نصف التكاليف».

 

«من الجيد أن الإدارة تراجعت عن القرار»

“رامي عبد الرحمن”،  مدير “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، يقول لـ«الحل نت»: «الجيد في الأمر أن الإدارة الذاتية استجابت لمطالب المتظاهرين، وألغت القرار، الذي أثّر على عامة الشعب، والمزارعين خصوصاً، وخاصة أن #تركيا قد قطعت مياه #الفرات منذ فترة أيضاً، وبالنهاية صوت المواطن هو الذي سُمع في شمال وشرق سوريا، ونتمنى لو أن كان صوته مسموعاً أيضاً في مناطق سيطرة #الحكومة_السورية أو تركيا».

إلا أن “عبد الكريم محمد”، عضو المكتب السياسي لـ”الحزب الديمقراطي الكردستاني – سوريا”، لديه رأي أكثر سلبية، فقد أكد لموقع «الحل نت» أن «القرار جاء للتغطية على الفساد المستشري في الإدارة الذاتية، وتحكّمها مستفردةً بمصير الشعب»، متبنّياً بهذا ما جاء في بيان #المجلس_الوطني_الكردي، الذي ندّد بالقرار.

 

«السبب غياب السياسات المالية والاقتصادية المتوازنة»

الخبير الاقتصادي “د.شوقي محمد” أشار إلى أن «معظم دول العالم تعاني من أزمات مختلفة، لكن الحالة في مناطق الإدارة الذاتية تتلخص بغياب الاستقرار الاقتصادي، واختلالات بنيوية في توازنات الاقتصاد الكلي، والسبب غياب السياسات المالية والاقتصادية المتوازنة، إضافةً إلى عدم وجود أية خطط أو استراتيجيات تنموية على الصعيد الاقتصادي. فاقتصاد شمال وشرق سوريا يعتمد في تأمين موارده على مبيعات النفط فقط، وهذا يعرّضه دائماً للأزمات، في ظل عدم تنويع مصادر الدخل، وعدم التفكير في إقامة بنى اقتصادية، وقاعدة إنتاجية، تكون منطلقاً للنمو، ولعملية التنمية الاقتصادية».

ويضيف في حديثه لـ«الحل نت»: «أعتقد أنه يتوجب على الإدارة الذاتية تهيئة البيئة الاستثمارية، لإقامة المشاريع الصغيرة والمتوسطة، بوصفها مرحلة أولى لبناء قاعدة إنتاجية، وفتح فرص العمل وتوظيف الأموال، وتنويع مصادر الدخل، وتنشيط الأسواق، وتحقيق القيم المضافة، للابتعاد عن حالة الاقتصاد الريعي،. كما أن الهدر والفساد، وغياب التنمية والتطوير الإداري، والخطط الاستراتيجية التنموية، هي الأسباب الأساسية للضائقة المالية في شمال وشرق سوريا، إضافةً إلى عدم الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة، بسبب ضعف الأجهزة التخطيطية والإدارية، وغياب الكفاءات عن مراكز القرار الاقتصادي».

ويختتم الخبير الاقتصادي حديثه بالقول: «القرار الأخير برفع أسعار المحروقات كان قراراً غير مدروس بالتأكيد، وكاد يؤدي لمشاكل اجتماعية واقتصادية كبيرة. لا بد من فتح المجال أمام القطاع الخاص للعمل، وإقامة المشاريع، بعيداً عن الروتين الإداري، أو أية عراقيل ومعوقات أخرى، إدارية وغير إدارية، وذلك بهدف تكامل الجهود بين الإدارة الذاتية والفعاليات الاقتصادية والمجتمعية، لتحسين الواقع الإنتاجي والتنموي في المنطقة، بدلاً من القرارات الارتجالية».

 

«جهات داخلية وخارجية حاولت الركوب على مطالب المتظاهرين»

وحول التظاهرات، التي لم تخل من العنف، التي شهدتها مناطق الإدارة الذاتية للاحتجاج على القرار، يؤكد الصحفي “مصطفى عبدي”، الإداري في “مركز توثيق الانتهاكات في شمال وشرق سوريا”، أن «الحراك الشعبي يلعب دوراً إيجابياً ورقابياً على أي حكومة أو مؤسسة، إذا كان منظماً بشكل يضمن تحديد الهدف منه، وهذه مهمة النقابات والجمعيات وأحزاب المعارضة».

ويستدرك بالقول في حديثه لـ«الحل نت»: «كانت التظاهرات، التي نُظمت ضد قرار رفع أسعار المشتقات البترولية، ذات طابع حضاري، وأدت وظيفتها، بتشكيل قوة ضغط، دفعت الإدارة الذاتية للتراجع عن القرار. لكن ظهرت جهات داخلية وخارجية، حاولت الركوب على مطالب المتظاهرين تارةً، أو تحريفها تارة أخرى، وبدأ كلٌ من النظامين التركي والسوري يحرّك أدواته، لضرب المنطقة واستقرارها، عبر التحريض وإثارة الفتنة، وترويج الشائعات والأكاذيب، لتضخيم الأمور، وإخراج الاحتجاجات عن السيطرة، ما أدى لأحداث مؤسفة، مثل الهجوم على مقرات أمنية وعسكرية تابعة للإدارة، ورفع بعض الشعارات، التي تثير الحساسيات القومية والطائفية».

“عبدي” يبدي ارتياحه مما سمّاه «التصرف الواعي، وضبط النفس، من قبل الجهات الأمنية، وسرعة استجابة الإدارة الذاتية لمطالب المتظاهرين، ما أدى لحل المشكلة بأقل الخسائر، وعلى المسؤولين دراسة رد فعل الشارع، وفهم احتياجاته، قبل اتخاذ أي قرار في المستقبل».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.