«تتكرر المأساة كل عام منذ نحو 6 سنوات، بذات السيناريو: انقطاع #أدوية هامة من #الأسواق وتوفرها بسعر مرتفع بالسوق السوداء، بعدها ترفع #الحكومة الأسعار وترضخ للمطالب، كحال أي سلعة في السوق وبذات الآلية»، هكذا وصف الصيدلي “محمد . ر” بدمشق ما يحصل حالياً.

وتابع «دخلنا في أزمة #دواء بشكل مخيف هذه المرة، فقد امتنعت #المعامل عن بيع الكثير من الأصناف الهامة والضرورية، والمستودعات التي تملك الأصناف المطلوبة رفعت سعرها الضعف بشكل مخالف، مع تحميلنا أدوية غير مهمة وغير مطلوبة أو بصلاحيات قريبة من الانتهاء».

“سهام . ع” صيدلانية في #جرمانا بريف دمشق، أكدت لموقع (الحل نت)، أنها لم تعد قادرة على شراء الأدوية بسبب تراكم الخسارات وقلّة البيع، لأن الأنواع المطلوبة مقطوعة، وغير المطلوبة متوفرة.

وأضافت «لم أعد أملك رأسمال لتدويره، وبخاصة بعد رفع أسعار الأدوية المطلوبة عبر بعض المستودعات المحتكرة، والتي تعطينا عدد محدود من الأدوية المطلوبة وتقوم بتحميلنا أدوية غير مطلوبة أو قريبة انتهاء الصلاحية رغماً عنا، ما يزيد من خسارتنا أكثر».

تخزين وتوجه للأعشاب

وأكدت أن «المرضى أهملوا الدواء الفترة الماضية، واتجهوا إلى الأعشاب التي تباع عند البزوريات، وذلك نتيجة الوضع الاقتصادي المتردي وارتفاع أسعار الأدوية، حيث بات تأمين #الطعام والشراب أهم من الأدوية، واليوم نحن أمام ارتفاع جديد قد يصل إلى 100% ما يعني انخفاض عدد الزبائن من جديد».

“أبو عمر” في الستين من عمره، بحاجة أدوية تسرع القلب وضغط وسكري، قال لموقع (الحل نت)، إنه طلب من ابنه في #ألمانيا إرسال 100 يورو، ليقوم بشراء عدد من علب الأدوية تكفيه مدة 3 أشهر، خوفاً من انقطاعها، مشيراً إلى أنه اشترى أغلبها من السوق السوداء وبسعر مرتفع عبر موزعين وليس صيادلة.

وفي جولة على بعض الصيدليات في دمشق وريف دمشق، تبن انقطاع أدوية الإلتهاب بكل أشكالها وأصنافها، وأدوية الأعصاب، والمتممات الغذائية والفيتامينات، وأدوية الصرع، وبعض أدوية الضغط والسكري، وبعض أدوية القلب ومنها دواء كوردان لتسرع القلب، وبحسب بعض الصيادلة، فإن عدة وفيات حدثت مؤخراً نتيجة انقطاع هذا الصنف (وفقاً لحديث اثنين من الصيادلة)، مؤكدين انقطاع مسكنات الترامادول الخاصة بمرضى السرطان، من الصيدليات والمشافي على حد سواء.

حجج قديمة الهدف منها رفع الأسعار

القصة باختصار وفقاً لمدير أحد المعامل الذي فضل عدم كشف اسمه، أن «سبب انقطاع أصناف الأدوية الهامة هو توقف الانتاج من قبل المعامل منذ اتخاذ قرار بتاريخ 18 آذار الماضي بتطبيق سعر الصرف التفضيلي حينها والذي حدد بـ 2500 ليرة مرتفعاً من نحو 1250 ليرة، على تمويل استيراد الأدوية التي كانت مدعومة».

حجج المعامل اختلفت بالتفاصيل على مدار الأعوام السبعة الماضية التي مارست بها الضغط على الحكومة والمواطنين على حد سواء، لكن الحجج كانت تتقاطع في النهاية بمشكلة ارتفاع سعر الصرف في السوق السوداء وعدم حصولهم على التمويل من المركزي، ما يرتب عليهم تكاليفاً إضافية عند الاستيراد مقابل البيع بسعر حكومي محدد وفقاً لأسعار صرف قديمة ما بين 450 ليرة و1250 ليرة للدولار.

وأضاف المدير أن «إحدى الحجج السابقة التي ساقتها المعامل السنوات الماضية، بحسب موظف بأحد مستودعات الأدوية بدمشق، أن المصرف المركزي في الأساس لا يمولهم، وهم مضطرون للتموّل من السوق السوداء بالسعر المرتفع أضعافاً عن السعر الرسمي»، مضيفاً أنه «بالتالي قطعهم للأدوية مؤخراً غير مبرر وغير مفهوم كونهم استمروا بالبيع بذات السعر القديم عندما وصل الدولار في السوق السوداء إلى 4000 ليرة، أي أنهم حصلوا على السعر المناسب سابقاً».

وتابع «أصحاب شركات الأدوية ومدراء المعامل يملكون الفلل والقصور، ويعيشون بترف فاحش، وأنا أعرف الكثير منهم، ورغم ذلك يتحدثون عن خسائر، ومن المعروف أنهم يشترون المواد الفعالة الرخيصة جداً من الصين ذات الجودة المتدنية، وهذا انعكس على فعالية الدواء السوري وسمعته مؤخراً، وهذا ما يبرر سعي المرضى المضطرين لأدوية هامة لشراء الأنواع الأجنبية المهربة، وحتى الأطباء باتوا ينصحون بالأدوية الأجنبية، ولا ينصحون بالدواء الوطني نتيجة تلاعب المعامل بالمواصفات مقابل زيادة الربح».

وأشار مدير معمل الأدوية إلى أن «الحديث عن الأزمة الأخيرة بين وزارة الصحة وضغط أصحاب المعامل، دفع الصيادلة أصحاب رأس المال الضخم والمقتدرين مالياً إلى سحب كميات كبيرة من الأدوية لتخزينها، وبدورها المستودعات رفعت الأسعار عليهم الضعف أو قامت بتحميلهم أصنافاً قريبة انتهاء الصلاحية بالإكراه، وحالياً انخفض الطلب 80% بعد الاحتكار الذي حدث من قبل الصيادلة الكبار والمستودعات على حد سواء، واشتعلت السوق السوداء».

كما كشف عن اجتماع عقد مؤخراً بين مدراء أكبر معامل الأدوية في سوريا، خلص للمطالبة برفع أسعار الأدوية 100% عما هي عليه الآن ولكل الأصناف، وليس بنظام الشرائح الذي كانت وزارة الصحة تعمل به مؤخراً، حيث ترفع أسعار الأدوية بنسب متفاوتة تبعاً للزمر.

انسحاب المعامل يفتح الباب أمام السوق السوداء

وتابع «كل صناعة الدواء تعتمد على الاستيراد، وهذا ما يشكل ضغط نفقات علينا كأصحاب معامل، فعلبة الكرتون وورقة النشرة وحبر الطباعة والتغليف كلها مواد مستوردة، بالإضافة إلى المواد الداخلة بالتركيب، لذلك استمرار الوضع عما هو عليه يعني الخسارة والتوقف عن الإنتاج».

وأضاف «توقفنا حالياً عن إنتاج الكثير من الأصناف مرغمين لانتهاء المواد الأولية لدينا والمستوردة على السعر القديم، وحالياً نحن بانتظار تعديل السعر الذي لم يتم حتى الآن، وما سيزيد الأزمة تفاقماً هو تأخر الحكومة بالرد على مطالبنا، وانقطاع الأدوية من السوق، فنحن نحتاج لفترة استيراد وتصنيع جديدة، ما يعني حوالي 3 أشهر دون أدوية في الأسواق».

«نتحمل الكثير من التكاليف غير ارتفاع سعر الصرف، منها عمولة شركات الحوالات المرتفعة، إضافة إلى ارتفاع أسعار المواد الأولية عالمياً، وهذا ما يستدعي تعديل أسعار الأدوية حتى ولو لم يتم رفع سعر الصرف»، أضاف المدير.

وأشار إلى أنه في حال لم تقبل الحكومة مطلب المعامل، فإنهم لن يقبلوا بالخسارة التي ستؤدي للإفلاس ثم الإغلاق، ما قد يدفعها للانسحاب من السوق، وهذا سيفتح الباب أمام السوق السوداء وتهريب الأدوية غير الموثوقة.

الغذاء قبل الدواء

وأظهرت نتائج حصيلة مسح الأمن الغذائي، الذي نفّذته هيئة تخطيط الدولة والمكتب المركزي للإحصاء، بالتعاون مع برنامج الغذاء العالمي نهاية 2020، والذي نشرت جزءاً منه جريدة (الأخبار) اللبنانية مؤخراً، أن 8.3% من الأسر التي شملها المسح تعاني من انعدام شديد في أمنها الغذائي، و47.2 % منها صنف أمنها الغذائي في خانة الانعدام المتوسط، في حين أن 39.4% فقط تتمتّع بأمن غذائي مقبول، إلا أنها تبقى معرّضة لانعدام أمنها الغذائي نتيجة أيّ صدمة.

أما الأسر الآمنة غذائياً فنسبتها لم تتعد 5.1%. ومن المتوقّع أن تكون هذه النسب قد شهدت خلال الأشهر الأولى من العام الحالي تغيرات متباينة في ظل استمرار موجة الغلاء.

وبحسب موقع (المشهد) الذي نشر مقالاً عن قضية الأدوية، مطّلعاً على نتائج المسح ذاته، والتي لم تنشر على وسائل الإعلام رسمياً، فإن 48.3% من الأسر يعاني أحد أفرادها من مرض مزمن أو أكثر، وبالتالي ووفقاً لمراقبين، فإن جزء كبير من السوريين سيقومون بتفضيل أمنهم وأمن أسرهم الغذائي على الدوائي، ما قد يزيد من انتشار الأمراض والأوبئة والوفيات.

ويوجد في سوريا 90 معمل مُرخّص خاص، ينتج منها نحو 70 معمل تقريباً، وبحسب التقارير الرسمية، تغطي بحسب التصريحات الرسمية، نسبة 93% من حاجة السوق.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.