ضغط المجتمع الذكوري.. الرأسمالية.. السوشيال ميديا.. الرضا المجتمعي والفرص

عينان مشرقتان، أثداء مكورة، خصر نحيل، وأرداف مستديرة ممشوقة، هكذا حدد أجدادنا السورييّون مقاييس الجمال المجسدة بآلهة الحب والجمال “عشتار”.

الوصول إلى جمال “عشتار” لم يعد اليوم مستحيلاً بوجود عمليات وتقنيات التجميل الحديثة (البوتوكس والفيلر..) التي صارت تطبق في مراكز الحلاقة والتجميل وبأسعار تنافسية، فإكسير الشباب والجمال صار متوفراً للجميع، والإدمان عليه أحد أمراض العصر، ولكن بينما يرى البعض أن لجوء النساء إلى التجميل الاصطناعي ناتج عن ضغط المجتمع الرأسمالي الذكوري الذي يحدد مقاييس جمال النساء وفقاً لمصالحه الاقتصادية وشهواته الذكورية، يربط آخرون بين هذا الإدمان وعصر الصورة و”الفلاتر” والكاميرا التي صارت متوفرة بيد الجميع، خاصةً أن اللجوء إلى التجميل لم يعد محصوراً بالنساء فقط، فعدد كبير من الرجال وخاصةً نجوم الفن والسياسة يحرصون على إخفاء تجاعيدهم أيضاً! وفي الجهة الأخرى هناك من يرى الجمال أمرٌ ضروري وهام وأن الحياة تمنح الجميلين والجميلات فرصاً ذهبية.

تقول الصحفية “ولاء عواد” لـ(الحل نت)، إن الجمال مرغوب عند الجنسين، وأنه مع وجود “الفلاتر” المعتمدة في وسائل التواصل الاجتماعي صار بإمكان الجميع تجميل صورهم.

وتتابع: «لاشك أن تقنيات التجميل الحديثة مغرية، فالجميع يريد أن يكون أجمل، شخصياً لولا الخوف لأجريت العديد منها».

وتنوه “عواد” إلى سلبية الإعلانات والصور التي تسبب إدمان على الجمال والتجميل، مُشيرةً إلى أن ذلك يُشكل ضغطاً كبيراً على الأطفال والمراهقين، كما أن اللحاق بصيحات الجمال -وفق عواد-  بات مرهقاً خاصةً أن أغلب النساء يفعلن ذلك بسبب ضغط شركائهن، موضحةً أنه في السنوات الأخيرة صار الرجال يلجأون أيضاً لإجراء عمليات وتقنيات التجميل لكن بنسبة أقل من النساء.

وتوافق على ذلك السيدة “حنان أحمد” التي ترى أن التجمل صار ساحة للمنافسة والتسابق، وأن التقيد بمقاييس محددة للجمال يقمع الشخصيات ويوحد الملامح، وتتساءل “أحمد”: «أين المشكلة إذا كانت صورنا شاحبة أو إذا كانت علامات التعب أو الإرهاق ظاهرة على وجوهنا؟ لماذا علينا استخدام البوتوكس أو الفلاتر لإخفاء ملامحنا وتعابيرنا؟».

وتنوه السيدة “حنان” إلى الأثر الذي تركه التغيير السريع لمعايير الجمال على شخصيتها، موضحةً أن لديها شفتين ممتلئتين وأنه عندما كانت صغيرة كانت “موضة الشفاه” الرقيقة، ولذلك كانت تتعرض للتنمر بسبب شفتيها، إلا أنها عندما كبرت تغيرت “الموضة” وصارت الشفاه الممتلئة مؤشر على الجمال! وتقول أحمد: «طالما عانيت من الارتباك وعدم الثقة بسبب شفاهي».

وتدلّل المهندسة المعمارية “نجلاء حريري” إلى دور الضغط المجتمعي الذكوري على المرأة، لافتةً إلى أن النساء في الشرق يتسابقن على صالونات ومراكز التجميل لأنهن يشعرن بأن مهمتهن لفت الرجل وإرضاء أهواءه.

وتربط “حريري” بين ثقافة المرأة واعتمادها على التجميل الطبيعي، لأن الثقافة برأيها تزيد من ثقة المرأة بنفسها، ما يدفعها إلى إظهار جمالها الخاص والطبيعي لتكون متفردة بشكلها.

الجمال جواز سفر اجتماعي

ترى السيدة “بيسان شويكر”، أن الجمال يساعدنا اجتماعياً، وأن الجميع يسعى لأن يكون أجمل، لكن بنسب متفاوتة، فهناك من يجري عملية تجميل وهناك من يكوي ملابسه ومن يمشط شعره! وتتابع “بيسان”: «جميعنا نسعى وراء القبول الاجتماعي والجمال “جواز سفر اجتماعي” سواء في الحب أو العمل أو العلاقات»، وتختم بقولها: «في ذات الوقت، يجب الانتباه من المبالغة في إجراء عمليات التجميل ومن الإدمان عليها، لأن ذلك سببه مشاكل نفسية».

استقبالات سيدات السوشيال ميديا “أيام زمان”

سيدة الأعمال والشيف “زينة العبود” ترى أنه قبل ظهور السوشيال ميديا كانت السيدات تحصرن خلال اجتماعتهن التي تُسمى “استقبالات” على التزين والتجمل، وتتابع “زينة”: «جدتي كانت لآخر يوم في حياتها أنيقة بفساتينها وأحذيتها، الجمال القديم كان أكثر أناقة لأنه بعيد عن تصنع البوتوكس»، وتضيف صاحبة مطعم مطبخ “زينة” في هولندا: «عندما أتجمل وأهتم بشكلي وأظهر أنوثتي يكون لنفسي لا للمجتمع ولا للزوج أو من أجل الكاميرا بدليل أنني غالباً لا أضع مساحيق التجميل حتى عندما تطلب مني وسائل الإعلام الهولندية صوراً».

معاييّر الجمال هوليوديّة و مستوردة

تجد الفنانة والناشطة النسوية “مي سعيفان” أن مقاييس الجمال مستوردة من هوليوود وأن الكثير من مفاهيم الجمال في العالم هي “بوست كولونيالية” (ما بعد استعمارية)، وتدلّل على ذلك بأن معايير الجمال الأنثوي  في الشرق مطابقةً لمقاييس الجمال الأوروبي من حيث الطول والنحف وتفاصيل الوجه! في حين تصدّر هوليود -برأي مي- أنماط مختلفة وأكثر تنوعاً للجمال الذكوري.

من ناحيةٍ أخرى، تُشير راقصة الباليه المحترفة “سعيفان” كيف تغيرت معايير الجمال عندما صار عمل المرأة هام وضروري لإعادة بناء المجتمع، بحيث صارت العضلات المشدودة دليل على رشاقة وجمال جسد المرأة في حين كانت المرأة الممتلئة هي الجميلة لأن بروز العضلات كان دلالة على تدني الطبقة الاجتماعية للمرأة!.

وتقول “سعيفان” إنها تفضل لو يبقى الناس على طبيعتهم بدون تجميل أو مكياج أو مبالغة في الاصطناع والاستعراض، فالشكل الطبيعي للإنسان هو الجمال لأن ذلك- حسب رأيها- يترك مساحة للاختلاف والتنوع.

وتتابع: «أحب المعالم الواضحة والمختلفة، متل الأنف الكبير أو الأسنان غير المنتظمة، أما اهتمام النساء بأدق التفاصيل كالمكياج وحذاء الكعب العالي ولون الحقيبة يحولهن إلى لعبة “باربي” مصطنعة ويقتل الفردانية والفروق الشخصية بين النساء»، وتُرجّع الفنانة “سعيفان” تقييد النساء بهذه التفاصيل إلى ضغط المجتمع الذكوري والمجتمع الاستهلاكي.

وتشير أول راقصة باليه في سوريا إلى أن أغلب النساء المثليات أو “non binary” (النظام الجندري غير الثنائي)، يكن أكثر تسامحاً مع أجسادهن وأكثر حرية في ملابسهن، لأنهن غير مهتمات بلفت أنظار الرجل ولديهن غالباً موقف من المجتمع الذكوري، وتختم “سعيفان” بقولها «مجتمعنا غارق بذكوريته و بآثار ما بعد الاستعمارية».


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.