مرّ النظام الضريبي في سوريا بمحطات متنوعة، وتعرّض للكثير من التعديلات والاجتهادات منذ فترة الاستقلال، التي توجت بصدور المرسوم التشريعي رقم 85 في عام 1949 في فترة حكم الرئيس السوري الأسبق “حسني الزعيم“.

وحدد المرسوم مصادر الدخل والضرائب والرسوم المفروضة، بعدها أجرت الحكومات السورية المتلاحقة محاولات عديدة لتطوير النظام الضريبي وتحديثه، وكان أبرزها محاولة الإعلان عن قانون ضريبة الدخل رقم 24 لعام 2003، أيام حكومة “مصطفى ميرو“.

ولكن بعد عرضه على مجلس الشعب، أفاد خبراء قانونيون حينها أن القانون عبارة عن إعادة لإنتاج للمرسوم رقم 85، وأنه لا يحقق الطموحات ولا يتفق مع المعطيات المعاصرة، لذا لم یتم اعتماده.

إلى أن جاءت حكومة “ناجي عطري” وأصدرت القانون 24 من دون إجراء أي تعديل علیه أو إعادة دراسته، في حین تم إلغاء ضرائب ورسوم قديمة لم تعد ذات جدوى (مثل رسم المواشي والاغتراب وضريبة الآلات وغيرها)، وبقت طريقة تقدیر قیمة المطرح الضريبي خاضعة لنظام “الضرائب النوعية” ومنذ ذلك الوقت والحكومة السورية تعكف على صياغة مشروع جديد للنظام الضريبي لمراعاة متطلبات الحالة السورية.

نسبة الضرائب  35% من حجم الإيرادات العامة

وانطلاقاً من ذلك اتصف النظام الضريبي السوري، بترهله واعتماده على القوانين والتشريعات الضريبية التي وضعت خلال العقود الأولى من القرن الماضي، رغم أن السياسة الضريبية تشكل أحد أهم مقومات السياسات المالية داخل الاقتصاد السوري.

وبخاصة في مثل هذه الظروف التي تعاني فيها سوريا من تراجع كبير في مواردها المالية، نتيجة توقف عجلة الإنتاج وحرمانها من الموارد النفطية وموارد التجارة الخارجية والسياحة وغيرها من الموارد الخدمية والريعية، لذلك اتسمت الموازنات العامة المتعاقبة في الدولة، بتواضع حصيلة الإيرادات الضريبية فيها ولم تبلغ في أحسن أحوالها نسبة 35% من حجم الإيرادات العامة.

وتأتي معظم الضرائب من ضرائب الدخل المقطوع، وضريبة الرواتب والأجور، والضرائب التي تفرض على شركات ومؤسسات القطاع العام وتتميز بحصيلة قليلة وتكاليف عالية، لذلك في العامين الماضيين، وبعد انخفاض موارد الخزينة، يحاول القائمون على القطاع المالي إيجاد منافذ ضريبية جديدة لرفد خزينة الدولة.

نظام الضرائب في سوريا يسمح بالفساد والتهرب!

وفي حال المقارنة، لأهداف النظم الضريبية الحقيقية، والتي من المفروض أن تسير ضمن أسس سليمة، وتمتلك فيها مكاشفة حقيقية، للمطارح التي يجب أن تصب بها الضريبية، نستنتج أن الوضع الضريبي في سوريا، قد كسر قاعدة تلك النظم الضريبية، ولم يحقق أهدافها في توفير المتطلبات اللازمة لتطوير القطاعات #الاقتصادية المختلفة وتحقيق التنمية المطلوبة، ولم يساهم في تحقيق العدالة الضريبية بين الغني والفقير.

‏وقال “مناف قومان” الباحث الاقتصادي في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية لموقع (الحل نت) إن «أبرز نقاط الضعف يتمحور في شكل النظام الضريبي السوري، من خلال اعتماده على أنظمة الضرائب النوعية المباشرة وغير المباشرة، ويتسم بالتعقيد والفوضى وكثرة الإجراءات، فضلاً أنه لا يحقق المساواة والعدالة الضريبية بين المواطنين».

كما أن النظام الضريبي لم يعد مطبقاً سوى في دول قليلة، ويتصف بزيادة التهرب الضريبي والفساد الإداري وغياب الشفافية ومن كثرة التعديلات التشريعية والقوانين، وإرباك المكلفين وفقدان الخزانة من موارد مالية هامة، كل ذلك ساهم ولا يزال في جعل بيئة العمل والاستثمار في سوريا غير محبذة للعمل فيها، على عكس نظام الضريبة الموحد الذي يحظى بسهولة التطبيق وعدم التعقيد وتقليل التهرب الضريبي، بحسب قومان.

ومن أبرز القوانين الضريبية التي صدرت والمتعلقة بمعدلات الدخول والحد الأدنى للأجور، رفع الحد الأدنى المعفى من الضريبة على دخل الرواتب من 15 إلى 50 ألف ليرة سورية، فضلاً عن تعديل الشرائح الضريبية التصاعدية لتصبح 30 ألف لكل شريحة وتبدأ من 4% وصولاً إلى 18%.

وبحسب قومان، إن أحد القوانين الضريبية الملفتة كان في آذار 2021 عندما أصدر الرئيس السوري “بشار الأسد” قانون يتعلق بالبيوع العقارية الذي يحدد الضريبة استناداً إلى القيمة الرائجة للعقار.

‏ قوانين ضريبية خلال الـ 10 سنوات الأخيرة

صدرت قوانين ومراسيم ضريبية عديدة في سوريا خلال السنوات العشر الماضية والتي كان أبرزها:

القانون رقم 15 للعام 2021 الخاص بالبيوع العقارية، ويحدد هذا القانون الضريبة على البيوع العقارية استناداً لقيمتها الفعلية الرائجة كما صدر المرسوم التشريعي رقم 24 للعام 2020 القاضي بتعديل المادتين 68 و69 من قانون ضريبة الدخل (القانون رقم 24 لعام 2003).

وصدر المرسوم التشريعي رقم /3/ لعام 2016 يقضي بتمديد العمل بأحكام القانون رقم /13/ تاريخ 2/7/2013 لغاية تكاليف عام /2018/ بالنسبة لجميع مكلفي زمرة الأرباح الحقيقية ومكلفي باقي الضرائب والرسوم المباشرة الأخرى والضرائب والرسوم غير المباشرة.

وصدر المرسوم التشريعي رقم /46/ لعام 2015 المتضمن رفع الحد الأدنى المعفى من الضريبة إضافة إلى المرسومين التشريعيين /16/ و/17/ الذين يقضيان بإعفاء المكلفين بضريبة دخل الأرباح الحقيقية من الفوائد لأعوام 2011 وما قبلها وتمديد فترة التصنيف العام لمكلفي ضريبة الدخل المقطوع سنة واحدة‏.

لجنة متخصصة لدراسة النظام الضريبي

وبما أن النظام الضريبي في سوريا يستند إلى نظام قديم يعود إلى العام 1949 ما ساهم في استمرار التشريعات الضريبية التي لم تكن تجاري التطورات المتسارعة في النظم الاقتصادية داخل المجتمع السوري.

وهذا أدى بدوره إلى #الفساد والتهرب الضريبي على مدار عقود من الزمن وكان مناسبا للكثير من كبار #التجار والصناعيين الذين لا يرغبون في إصلاح النظام الضريبي الحالي، رغم تأكيد وزارة المالية في الحكومة السورية في أكثر من مناسبة خلال العام الحالي 2021 أن الوزارة من خلال لجنة متخصصة شكلتها تدرس النظام الضريبي لمراجعة التشريعات الضريبية، والعمل على تحقيق العدالة الضريبية، ومكافحة التهرب وتحقيق الإيراد المناسب لعمليات الإنفاق.

من جانبه، قلل المستشار القانوني المحامي “هشام المسالمة” من أهمية هذه اللجان وقال لموقع (الحل نت) إن «النظام الضريبي الحالي في سوريا يغفل وبشكل جلي مبدأ العدالة الضريبية، الذي يفترض أن يكون سمةً واضحةً في نظام الضرائب بالمقارنة مع تجارب الدول العربية ودول الجوار».

حيث يساهم دافعي الضرائب بنصيب عادل في تمويل النفقات العامة ورفد خزينة الدولة بمقابل الحصول على الخدمات العامة من جهة و من حيث قدرتهم على دفع الضريبة، ولكن في الحالة السورية تم فرض معدلات ضريبية مرتفعة على رواتب #العمل وذوي الدخل المحدود بالمقارنة مع المعدلات المفروضة على التجار و المؤسسات و الشركات الربحية و الريعية، بحسب المسالمة.

وأضاف «يعيب النظام الضريبي الحالي من الناحية القانونية أنه نظام معقد يشوبه الغموض والفوضى حيث تغيب عنه العدالة الضريبية بسبب الفساد المالي والإداري في الدوائر الضريبية، وجميع مفاصل الجهات الحكومية صاحبة القرار، كما أن عدم إصدار قانون حازم في ملاحقة جرائم التهرب الضريبي وعدم وجود محاكم مالية مختصة مقارنة بالدول العربية والغربية، أسهم في غياب العدالة الضريبية في سوريا».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.