عام 1793 اقتحمت “روز لاكومب” رئيسة جمعية النساء الجمهوريّات، باب المجلس النيابي الفرنسي، فدّوى في المجلس صوت النائب “شوميت” بكلمات مستوحاة من القديس “بولس” والقديس “توما”، قائلاً: «منذ متى يسمح للنساء بالتخلي عن جنسهن ليصبحن رجالاً؟.. الطبيعة قالت للمرأة كوني امرأة، عملك هو العناية بالأطفال وتفاصيل البيت وهموم الأمومة المختلفة».

منعت “روز” وغيرها من النساء من دخول المجلس، وبعدها من دخول المنتديات التي كن يتعلمن فيها السياسة.

صدر كتاب “الجنس الآخر” للفيلسوفة الوجودية الفرنسيّة “سيمون دي بوفوار” عام 1949، وهو يعتبر مرجع الحركة النسوية العالمية، كونه يقدم تحليلاً دقيقاً لتاريخ اضطهاد المرأة، ويقدم إجابة عن سؤالين مركزييّن، كيف وصلت المرأة إلى هذه المرحلة من الاضطهاد؟  ولماذا قبلت النساء بالقيود المفروضة عليهن؟

نظراً لضخامة المعلومات الواردة في الكتاب، سنحاول من خلال مادتين منفصلتين التطرق لمسألتين تاريخيتين كانا نقطتا تحوّل في التاريخ العالمي عامة وتاريخ المرأة بصورة خاصة؛ فأما في هذه المادة، سيكون هناك إيجاز لأهم ما ورد في الكتاب عن أثر الثورة الفرنسية على المرأة، وأما المادة القادمة، فستكون تلخيصاً لدور الثورة الصناعية في تحرر المرأة.

أول المطالب النسوية من الثورة الفرنسيّة

وفقاً للفيلسوفة الفرنسية “دي بوفوار”، فإن الثورة الفرنسية 1789، لم تغير مصير المرأة الفرنسية بشكلٍ مباشر، «احترمت هذه الثورة البرجوازية المؤسسات والقيم البرجوازية، لكنها كانت مصنوعة تقريباً حصرياً للرجل، ومنعت النساء الثائرات من المطالبة بحقوقهن النسوية بشكل مستقل في فرنسا».

وتشير “دي بوفوار” إلى أن تقاليد المجتمع جعلت النساء يطالبن بحقوق جنسهن بخجل، فعلى الرغم من أن النساء شاركن في المظاهرات إلى جانب الرجال، وذهبن معهم إلى قصر “فرساي”، إلا أنه لم تظهر في المجالس النيابية سوى عدد ضئيل من المطالب النسائية، تنحصر في «ألا يستطيع الرجال ممارسة المهن التي هي من حصة النساء».

كما تتطرق الفيلسوفة إلى بعض الحركات النسوية التي تواجدت حينها على استحياء، ففي عام انطلاق الثورة طالبت الثائرة “أوليمب دوغوج”، إعلاناً لـ حقوق المرأة في فرنسا، أرادت من خلاله إزالة كل الامتيازات الذكورية، لكن تلك الجهود اجهضت، وماتت “دوغوج” بعد عدة سنوات على المشنقة!، وعام 1790 حققت النساء بعض الانتصارات، حيث أصبحت تركة البنات والصبيان متساوية، وعام 1792 أُقر قانون الطلاق.

نابليون العسكري الذكوري

كباقي العسكرييّن لم يرد “نابليون”- أول إمبراطور لفرنسا بعد الثورة- أن يرى المرأة سوى بهيئة الأم، فأعاد السلطات إلى يد الرجل الذي صار بإمكانه حبس زوجته وتطليقها في حال اتهمها بالخيانة، وقتلها في حال وجدها متلبسة بفعل الخيانة، في حين يعاقب القانون الرجل فقط بدفع غرامة مالية إذا جلب عشيقته إلى منزل الزوجية!.
وكانت سلطات الزوج تمتد لتحديد مكان إقامة الزوجة والسيطرة على أموالها،  وتبيّن الفيلسوفة، أنه خلال القرن التاسع عشر، ازداد القانون صرامةً وظلماً، حارماً المرأة من حرية التصرف بأملاكها، وفي عام 1826 ألغيَّ الطلاق ولم يشرع ثانية  إلا عام 1884 وكان الحصول عليه أمر في غاية الصعوبة.

عام 1884، أسست النساء أندية وصحف، وذهب وفد نسائي إلى البلدية للمطالبة بحقوق المرأة، لكنه لم يحصل على شيء، وعام 1849 رشحت “جان دوكوان” نفسها للنيابة لكنها لم تفز، و بشكل عام ساعدت الحركة الإصلاحية التي ظهرت في القرن التاسع عشر، الحركة النسوية، بما أنها كانت تبحث عن العدالة والمساواة، كما ظهرت في هذه المرحلة العديد من المجلات التي صارت تطالب بتعليم النساء، ومن المفيد التنويه إلى التحليل الذي أوردته “دي بوفوار” عن سبب عدم تعاضض النساء البرجوازيات مع النساء العاملات مستعينة بقول لـ “برناد شو” : «تكبيل الناس بالسلاسل أسهل من نزعها عنهم إذا كانت السلاسل تضفي اعتباراً»، وتوضح الفيلسوفة أن المرأة البرجوازية تمسكت بسلاسلها لأنها تتمسك بامتيازاتها الطبقية، وتضيف: «يشرحون لها وهي تعرف أن تحرر النساء سيضعف المجتمع البرجوازي، فعندما تتحرر من الذكر سيحكم عليها بالعمل، وقد تندم لأنه ليس لها في الملكية الفردية حقوق سوى تلك الملحقة بزوجها، لذلك لن تتضامن المرأة البرجوازية مع المرأة العاملة، فهي أقرب بكثير إلى زوجها منها إلى عاملات النسيج!.

ولكن مجيء الآلة قوض الملكية العقارية التي كان يتحكم بها الرجل فحرض المرأة على التحرر الذي تحقق عبر مراحل بطيئة ومكلفة، فالثورة الفرنسية منحت المرأة حقوقاً وسلبتها، وتأرجح حال النساء في تلك الفترة وفقاً للمزاج العام، إلا أن الثورة الصناعية وضعت المرأة على طريق التحرر الوعر.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.