لم يكن يتوقع مهندس الكهرباء “عمرو . ح” الذي يضطر يومياً للذهاب إلى مناطق بعيدة عن دمشق (مكان سكنه) لمتابعة أعماله، أن شراءه للسيارة هرباً من أزمة المواصلات سيكون حلاً جيداً ويوفر المال والوقت، لكنه حتى اليوم يندب حظه لما يعانيه من كثرة الصيانة وارتفاع أسعار القطع وصعوبة بيع السيارة نتيجة الركود في الأسواق.

عندما قرر عمرو (45 عاماً) شراء سيارة، كان لا يملك سوى 15 مليون ليرة سورية (نحو 4500 دولار) وهي “تحويشة العمر”، لكن هذا المبلغ لم يتح له سوى شراء سيارة فوكس فاكن غولف 1976، بعد أن أكد له التاجر أنها “منفوضة على البرغي” ولا تحتاج لـ “ليرة صيانة بس شغّل وامشي” على حد تعبيره، لكن النتيجة كانت مختلفة وظهرت بعد يوم واحد من الفراغ.

منذ شرائه السيارة وهو يسكن عند الميكانيكي!

وقال عمرو «منذ 6 أشهر إلى اليوم وأنا بزيارة شبه دورية للميكانيكي والكهربجي والدوزنجي، ومنذ شهرين دفعت نحو 1.5 مليون ليرة سورية لصيانة الكولاس مع دورة المياه بعد ارتفاع درجة حرارة السيارة بشكل مفاجئ وتوقفها عن العمل».

وأضاف «كل شيء بالسيارة كان بحاجة صيانة وتبديل، وكل قطعة أقوم بصيانتها قد أحتاج لتبديلها لاحقاً، وبعد كل صيانة يظهر عطل جديد، والقضية باتت مؤرقة وكأنني اشتريت خردة».

وتابع «الحالة باتت صعبة، وتتطلب مني أن أترك عملي وأقف على يد الكهربجي والميكانيكي، لهذا عرضت السيارة للبيع، لكن السوق يعاني من ركود حالياً وبالكاد هناك من يتصل ليستفسر عن وضع السيارة».

حصل “رائد . ع” على حصته من تركة أبيه الذي توفى بعد إصابته بفيروس كورونا العام الماضي.

والده كان يملك منزلاً في مساكن برزة، وحصة رائد وصلت إلى 25 مليون ليرة سورية فقط، وقرر أن يشتري بها سيارة كورية بعد النصائح التي قدمها له أهل الاختصاص: «لا تشتري إلا كوري قطعها متوفرة وما بتصلح»، وهذا فعلاً ما توجه إليه.

نسبة 80% من السيارات في السوق معابة

وقال رائد «بدأت البحث عن سيارة كورية جيدة ضمن المبلغ الذي حصلت عليه من التركة، وبدأت البحث عن سيارة دايو سيلو موديل التسعينات 1995 – 1996، وكان سعرها عندما نويت الشراء بين 17 – 18 مليون، وكل السيارات التي شاهدتها لا ترقى لأن تسمى سيارة، رغم أن أصحابها يعرضونها عبر الإنترنت على أنها خالية ونظيفة، لكنها في الواقع خايضة الحرب العالمية وبدها قد حقها شغل».

وتابع «اشتريت في النهاية واحدة شكلها جيد وغرفتها جميلة، وقمت بتجربتها وكان رائعة، لكن سعرها 22 مليون ليرة، وقلت في نفسي إن القطعة الجميلة تستحق الدفع وهذا أفضل من أن أقوم أنا بالصيانة، لكن في الواقع كانت السيارة (معكزة عكازة)، وأنفقت على صيانتها في الأسبوع الأول أكثر من مليون ونصف المليون ليرة بين كهرباء وصيانة ناقل الحركة (بواط) وبعض الإجراءات الميكانيكية».

أحد باعة السيارات بمنطقة المزرعة بدمشق أكد لموقع (الحل نت) أن نسبة 80% من السيارات في السوق معابة، ويتم بيعها بسبب هذه الإعاقة الدائمة التي أصابتها نتيجة انتهاء العمر الافتراضي لها.

بينما قلة قليلة من السيارات المستعملة تباع على وضع جيد، وخلاف ذلك إما يقوم التاجر بشراء السيارة وصيانتها بشكل سطحي (من قريبه) مع طلائها من الخارج وتنظيف الفرش لإغراء الزبون، ثم يبتلي بها الزبون ليقوم لاحقاً بتحميلها لزبون آخر وهكذا، بحسب تاجر السيارات.

وأضاف «الصيانة اليوم مكلفة ولا أحد يستطيع تحملها، ولو كانت السيارة صينية وسعر قطعها رخيص، لكنها يومياً بعطل، وتتعرض للاهتراء بسرعة كبيرة، وباقي السيارات ذات المواليد القديمة انتهى عمرها الافتراضي، فلايمكن أن يعاد مسن إلى عمر الشباب وبكامل طاقته! هذا مستحيل، ولو تمت صيانة كل أجزاء السيارة، يكون هيكلها غير متين ومهترئ وخطير».

وبالاطلاع على بعض أجر الصيانات في دمشق دون أسعار القطع، فقد وصلت أجرة صيانة سرسيون (خط كهرباء) كامل السيارة إلى 150 ألف ليرة، وأجرة تنزيل المحرك مع صيانته في المخرطة ثم إعادة تركيبه نحو مليون ونصف ليرة، والدوزان الكامل كأجرة يد تتراوح بين 250 – 400 ألف ليرة سورية، ولا توجد أجرة ثابتة بل تختلف حسب مكان الصيانة وسمعة الفني ونوع السيارة ومحركها وقد تكون الأجرة أعلى مما ذكر بكثير، وقد ترتفع عشرات الآلاف وتنخفض عشرات الآلاف بين مكان وآخر.

أسعار القطع متقلبة

وبالاطلاع على أسعار بعض القطع المهمة دورية الصيانة، فقد وصل سعر زوج الإطارات أرخص نوع  إلى 150 ألف ليرة، وقد يصل سعر الزوج إلى 100 دولار (320 ألف ليرة سورية)، وسعر الأتماصور الصيني (ماص الصدمات) 75 ألف ليرة، وسعر قشاط الصدر أو قشاط المروحة بين 20 – 30 ألف ليرة، وسعر الريدتير نحو 100 ألف ليرة، والمرش بين 60 – 80 ألف وأكثر، واللمبة العادية مع تركيبها بين 5 – 7 آلاف ليرة سورية، وسعر الزمور الصيني العادي بين 20 – 30 ألف ليرة، وسعر المراية الواحدة قد يصل لأكثر من 200 ألف ليرة لبعض السيارات.

وتصل كلفة غيار الزيت إلى نحو 50 ألف ليرة سورية من النوع المحلي الرخيص، بينما يرتفع السعر إلى 80 – 90 ألف ليرة سورية للأنواع الجيدة المستوردة، وتعتبر السيارات كثيرة الحركة بحاجة دورية لتبديل الزيت بفترات متقاربة، ما يجده أصحاب السيارات وخاصة العمومية منها، مبلغاً فوق المستطاع.

وتعتبر القطع الصينية الصغيرة غير الميكانيكية من أرخص القطع لكنها مرتفعة الثمن قياساً بقدرة السوريين المادية، حيث وصل سعر مسكة الباب الداخلية إلى 8 آلاف ليرة، وغال الباب إلى 25 ألف ليرة، وهي أكثر القطع طلباً بحسب الباعة نتيجة سرعة اهترائها في السيارات الصينية، إضافة إلى مضخة البنزين “الطرمبة” كثيرة الأعطال نتيجة سوء جودة البنزين ويصل سعرها إلى 150 ألف ليرة سورية.

وأقل تكلفة صيانة كأجرة يد للفنيين تتراوح بين 10 – 25 ألف ليرة سورية، وكل الأسعار والأرقام المذكورة تختلف بحسب جودة القطعة ونوعيتها ومكان ورشة الصيانة وخبرة الفني.

مصروف السيارة 250 ألف ليرة سورية شهرياً

وأكد أصحاب سيارات خاصة، أنهم بحاجة 75 ألف ليرة سورية شهرياً ثمن البنزين المدعوم المحدد بـ25 لتر كل سبعة أيام، بينما يضطرون لشراء البنزين الحر بمعدل 40 ليتر على الأقل شهرياً وبسعر يصل إلى 120 ألف ليرة، وهذا يعني أن كلفة البنزين فقط قد تصل إلى نحو 200 ألف ليرة سورية، يضاف إليها نحو 50 ألف ليرة سورية كمبلغ لأي صيانة طارئة شهرية، ما يرفع المبلغ إلى 250 ألف ليرة سورية على الأقل.

وأدت أزمة البنزين وارتفاع أسعار قطع السيارات واهتلاك السيارات المتواجدة في سوريا وارتفاع ثمنها وقرار تحويل 5 ملايين ليرة عبر البنك عند الشراء، إلى ركود الأسواق، ما جعل تدوير السيارات في الغالب يتم بين التجار أنفسهم فقط وبموجب وكالات، وفقاً لخبراء في السوق.

ورغم منع استيراد السيارات، إلا أن بعض شركات التجميع المحلية استطاعت صناعة سيارات حديثة بموجب رخصة من الشركات الكورية الأم وأهمها “كيا”، ما دفع الشريحة المقتدرة مادياً إلى شراء تلك السيارات هرباً من انتهاء العمر الافتراضي للسيارات المستعملة في الأسواق، بينما تدخل إلى سوريا بين الحين والآخر سيارات فارهة وحديثة بشكل فردي من قبل بعض المسؤولين ليتم وضع نمرة أمنية عليها أو نمرة مدنية مستأجرة من أفرع الأمن دون جمركة.

أسعار السوق

ويصل سعر سيارة شيري كيوكيو 2009 المستعملة إلى 20 مليون ليرة بينما كان سعرها جديدة لا يتجاوز الـ200 ألف ليرة قبل 11 عاماً، ويصل اليوم سعر سيارة الكيا ريو المستعملة موديل 2009 وهي أكثر السيارات طلباً ورغبة بين السوريين إلى 40-45 مليون ليرة بما يساوي نحو (12500 دولار) بينما كان سعرها جديدة من الوكالة عام 2010 لا يتعدى الـ600 ألف ليرة (12000 دولار) أي أنها تباع اليوم بعد استعمالها أكثر من 10 سنوات بأغلى من سعرها عندما بيعت جديدة.

وأقر مجلس الوزراء منذ العام 2011، تعليق استيراد بعض المواد التي يزيد رسمها الجمركي على خمسة بالمئة، وشمل القرار حينها السيارات السياحية والأجهزة الكهربائية وأجهزة التكنولوجيا وغيرها كثير من المواد والسلع.

ويوجد 7 شركات تجميع السيارات في سوريا حالياً، وجميعها كانت تعمل بصالة واحدة وهي التجميع لكن تم توقيفها عن العمل عام 2019 للحفاظ على القطع الأجنبي، باستثناء الشركة السورية الإيرانية لتصنيع وتجميع السيارات السياحية “سيامكو” التي تمتلك 3 صالات إنتاج (لحام الهيكل – دهان – تجميع).

وجرى تجميع وتركيب 8,040 سيارة في سوريا خلال 2019 من قبل جميع شركات التجميع العاملة، مقابل طاقة إنتاجية تصل إلى 651 ألف سيارة سنوياً، بحسب كلام مدير التكاليف والتحليل المالي في وزارة الصناعة محمد الخليفة العام الماضي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.