استمرار أزمة مياه الحسكة: ضغط تركي وعدم جديّة روسية أم فشل وتخبّط من الإدارة الذاتية؟

استمرار أزمة مياه الحسكة: ضغط تركي وعدم جديّة روسية أم فشل وتخبّط من الإدارة الذاتية؟

شارفت أزمة مياه الشرب في مدينة الحسكة وريفها على إكمال عامها الثاني، دون وجود بوارد لحلول جذرية، تجنّب المدنيين خطر العطش وانتشار الأمراض.

وبدأت أزمة المياه تلوح في الأفق، بالمنطقة الشمالية والشرقية من سوريا، بعد سيطرة الجيش التركي والفصائل الموالية له على مدينتي رأس العين وتل أبيض، في تشرين الأول/أكتوبر 2019، وبهذا بدأ مسلسل قطع مياه محطة علوك عن مدينة الحسكة، التي يقطنها أكثر من مليون نسمة.

وتعتبر آبار علوك، التي تغذّي محطة الضخ، المصدر المائي الوحيد الصالح للشرب في مدينة الحسكة، وبعضٍ بلداتها وقراها، وحاولت الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، خلال العام المنصرم، البحث عن مصادر بديلة لتأمين المياه، إلا أنها لم تنجح بذلك بالشكل المطلوب.

وفي الوقت الذي يعيش فيه الأهالي حالة يأس من إيجاد حلول للمشكلة، تتراشق الإدارة الذاتية والمعارضة السورية المدعومة من تركيا الاتهامات، حول المتسبب الحقيقي في تعطيل محطة علوك، وقطع المياه عن سكان مدينة الحسكة.

 

«الوساطة الروسية غير جادة»

“محمد رشو”، عضو مجلس مقاطعة الحسكة في الإدارة الذاتية، وأحد أعضاء خلية الأزمة لحل مشكلة المياه، قال إن مشكلة المياه بدأت مع ما سماه «احتلال تركيا لمدينتي رأس العين وتل أبيض»، مضيفاً، في حديثه لـ«الحل نت»، أن «التدخل التركي المباشر جاء بموافقة روسيا والحكومة السورية، من أجل الضغط على الإدارة الذاتية».

ثمة توافق دولي، بحسب “رشو”، على «حرمان المدنيين من المياه، واستخدمها سلاحاً في الصراع بين تركيا والإدارة الذاتية، فصمت المجتمع الدولي عن الأزمة واضح، والجانب الروسي ينسّق بشكل مباشر مع حكومة دمشق، وكلاهما غير جادين في حل المشكلة».

وكانت روسيا قد عرضت وساطتها أكثر من مرة بين الإدارة الذاتية والجانب التركي، بهدف تشغيل محطة علوك، وبالفعل تم تشغيل المحطة ثلاث مرات، آخرها كان نهاية شهر تموز/يوليو المنصرم، إلا أن المياه سرعان ما عادت للانقطاع لأسباب غير واضحة، هنا يؤكد “رشو” أن «روسيا غير جادة في وساطتها، ولا تضغط على الجانب التركي بما يكفي، لوقف حرب المياه ضد المدنيين، بهدف إجبار الإدارة الذاتية على تقديم تنازلات»، دون أن يوضح نوعية هذه التنازلات وطبيعتها.

وكانت الحكومة السورية قد أطلقت عام 2011 مشروعاً استراتيجياً لجر مياه نهر دجلة، المار من الحدود السورية العراقية، إلى محافظة الحسكة، إلا أن المشروع، الذي تبنّته شركة روسية، توقف نتيجة الأزمة السورية.

واستعاضت الإدارة الذاتية، التي تدير المنطقة منذ عام 2014، عن ذاك المشروع بمشاريع مؤقتة، من خلال حفر عشرات الآبار في منطقة “الحمة” بالمحافظة، إلا أن تلك الآبار جفّت، وتعمل الإدارة اليوم على استدراج مياه نهر الفرات، عبر أقنية مغطاه، إلى مدينة “العريشة”، ومنها لتغذية أجزاء من مدينة الحسكة وريفها الجنوبي، وواجه هذا المشروع مشاكل فنية، وأخرى وصفها مسؤولو الإدارة بـ«التخريبية».

 

المياه مقابل الكهرباء

وكانت الإدارة الذاتية قد وجّهت دعوات عدة للأمم المتحدة ومجلس الأمن لبحث ملف المياه في سوريا.

“رشو” أكد أنه «تم إرسال رسائل عدة للجانب الأميركي والروسي، شرحت فيها أسباب المشكلة، وتمت مطالبة الطرفين من خلالها بالتدخّل لإيجاد حلول».

إلا أن “مضر حماد الأسعد”، رئيس “الرابطة السورية لحقوق اللاجئين في العالم”، المتواجد حالياً في مدينة تل أبيض، يدافع عن تركيا بالقول: «منْ يقطع الكهرباء عن محطة علوك هو المتسبب بقطع المياه عن الحسكة»، في إشارة للإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد).

ويتهم “الأسعد”، في حديثه لـ«الحل نت»، الإدارة الذاتية بـ«منع وصول الكهرباء لمحطة علوك، التي لا تحتاج إلى أكثر من خمسة ميغا واط في الساعة لتشغيل كافة المضخات والآبار فيها، ولذلك فالإدارة هي المسؤول الأول عن مشكلة المياه في الحسكة».

متابعاً: «الجانب التركي لا يمارس أي نوع من الضغط على الجيش الوطني السوري المعارض، والمجالس المحلية في رأس العين وتل أبيض، لقطع المياه عن الحسكة، بل على العكس ترغب تركيا في التواصل مع الإدارة الذاتية، عبر الطرف الروسي، لتشغيل المحطة، إلا أن قطع الإدارة للكهرباء عنها هو المشكلة».

“محمد رشو” يردّ على هذا الاتهام بالقول: «الجانب التركي اشترط على الإدارة الذاتية تزويد المناطق، التي يسيطر عليها، بخمسين ميغا واط في الساعة من الكهرباء، مقابل تشغيل المحطة، وهذا مطلب تعجيزي»، موضحاً أن «وارد التيار الكهربائي للحسكة، ومناطق الجزيرة كاملةً، لا يتعدى عشرين ميغا واط في الساعة، والأتراك يعلمون هذا جيداً، ويتذرّعون بالكهرباء من أجل عدم التوصّل إلى اتفاق بخصوص المياه، والجانب الروسي يعرف حق المعرفة أن الشرط التركي حول الكهرباء تعجيزي».

ويتساءل “رشو”: «هل تركيا عاجزة فعلاً عن تزويد مناطق صغيرة، مثل مدينتي رأس العين وتل ابيض، بالكهرباء، كما فعلت في عفرين وإعزاز مثلاً؟ أم أن مسألة الكهرباء كلها مجرد ذريعة لمواصلة الضغط على الإدارة الذاتية».

 

رهانات الإدارة الذاتية الخاسرة

الأكاديمي الكردي “فريد سعدون” يعلّق على هذه الاتهامات المتبادلة بالقول: «الجميع كان يعلم أن تركيا ستستخدم محطة علوك ورقة ضغط لتحقيق مآرب سياسية، من هذا المنطلق كان يفترض بالإدارة الذاتية أن تجد بديلاً عن هذه المحطة، ولكن الإدارة للأسف ما زالت تراهن على الجانب الروسي في التوصّل إلى تفاهم، يفضي إلى تدفق مياه آبار علوك إلى الحسكة، وهو رهان أثبت فشله».

وبناء على ما سبق يرى “سعدون”، في حديثه لـ«الحل نت»، أن «البحث عن مصادر جديدة لتوفير مياه الشرب يجب أن يكون أولوية الإدارة الذاتية»، متابعاً: «أعتقد أن المشكلة ستستغرق مدة زمنية طويلة لمعالجتها».

وعلى خلاف “رشو” يعتقد “سعدون” أن «الروس لا يملكون أوراق ضغط على الجانب التركي، بل على العكس، هم بحاجة للأتراك في ملفات وقضايا سياسية مهمة، وخاصة المتعلّقة بمناطق “خفض التصعيد”، وهذا يستدعي أن تمارس روسيا سياسة مرنة تجاه تركيا، وبالتالي لن تعمل محطة علوك إذا لم تنفذ المطالب التركية».

 

ما موقف الحكومة السورية؟

الطرف الآخر، المعني بأزمة المياه في الحسكة، هو الحكومة السورية، التي نددت أكثر من مرة بقطع تركيا لمياه محطة علوك، ووصفتها بـ«جريمة حرب، وجريمة ضد الإنسانية»، إلا أن “سعدون” يرى أن «الحكومة السورية تطلق التصريحات دون أن تقوم بأي تحرّك فعلي»، ويتابع: «السيطرة على الأرض في المنطقة للإدارة الذاتية، لذلك ترى الحكومة السورية أن المعني بحل هذه المشكلة هو الإدارة نفسها».

وكان”نجوان خوري”، مدير الإنتاج في “المؤسسة العامة لتوليد الكهرباء” التابعة للحكومة السورية، قد أكد أن «كمية الطاقة الكهربائية المُنتجة حاليًا تصل إلى ألفي ميغا واط في الساعة، في جميع المحطات الواقعة ضمن مناطق سيطرة حكومة دمشق، وهو ما يعادل 25% من الحاجة الكلية للكهرباء، وبهذا تعاني سوريا عامةً من أزمة كهرباء، إلى جانب أزمة المياه».

 

مشكلة الفرات ودجلة

ووسط حروب السياسة والمياه يبقى أهالي الحسكة معتمدين على مياه توزعها مجاناً بعض المنظمات الإنسانية والمدنيّة، والصهاريج التابعة للإدارة الذاتية، وبعضهم يشترون المياه مضطرين من الصهاريج الخاصة. ويبدو أن المسألة باتت أكبر من محطة علوك، إذ تمسّ مياه النهرين، الذين يعدّان شريان الحياة في أغلب مناطق سوريا والعراق، أي الفرات ودجلة.

فقد انخفض منسوب مياه نهر الفرات لدرجة كبيرة، نتيجة حبس تركيا لمياهه الواردة من أراضيها بداية العام الحالي، الأمر الذي يشكّل خطراً على جسم السدود المقامة عليه، وأدى لتوقف عديد من عنفات توليد الكهرباء في سدي “تشرين” و”الفرات”، ما خفّض إنتاجية المنطقة من الكهرباء، ودفع الإدارة الذاتية لاتباع نظام تقنين الكهرباء في كافة مناطقها.

وحول هذه الجزئية يرى “فريد سعدون” أنه «في الوقت الراهن لا تستطيع الحكومة العراقية فعل أي شيء بخصوص ملف المياه، لأنها منشغلة بخلافاتها الداخلية، والاجتياح التركي لمناطق إقليم كردستان العراق؛ بينما ما زالت الأزمة في سوريا مستمرة على كافة الصعد، لذلك ليست هناك قوة رادعة لما تمارسه تركيا، من استلاب حقوق العراق وسوريا في مياه الفرات ودجلة. رغم أن هناك اتفاقات دولية خاصة بموضوع مياه الأنهار العابرة للحدود، ولكن، ولظروف الحرب في المنطقة، لا تراعي تركيا حالياً الالتزامات المفروضة عليها في الاتفاقيات الدولية».

 

هل هي جريمة ضد الإنسانية؟

ومن الجانب القانوني يرى “علي كولو”، المحامي المختص في العلاقات الدولية، وعضو “الهيئة القانونية الكردية”، أن «المادة (٦ ج)، من قانون المحكمة الجنائية الدولية لعام ٢٠٠٢، تنصّ على أن «أي فعل من شأنه أن يفرض أحوالاً معيشية مهلكة على شخص أو أكثر، وأن يكون الشخص أو المجموعة منتمين لقومية أو أثنية أو عرقية معينة، وأن ينوي مرتكب الجريمة إهلاك تلك الجماعة القومية أو الاثنية أو العرقية أو الدينية كلياً أو جزئياً، يعتبر جريمة ضد الإنسانية».

ووفق هذا القانون يقول المحامي، في إفادته لـ«الحل نت»، إن «أفعال تركيا والمجموعات الموالية لها بقطع مياه محطة علوك ترقى إلى درجة الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب»، ويبرز “كولو” عديداً من النصوص القانونية والمعاهدات، التي تحرّم على تركيا قطع أو حبس مياه نهري الفرات ودجلة عن سوريا والعراق.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.