إعلانات وعروض كثيرة لتأمين تأشيرات الدخول إلى مصر، في مرحلة وصفها البعض بأنها “موسم الهجرة إلى مصر“، التي تكاد تكون الدولة الوحيدة التي استقبلت السوريين بحفاوة شعبية دون تقييد أو حوادث عنصرية تذكر، مع تسهيلات خاصة بالعمل، ما دفع الكثير من الاقتصاديين لدق ناقوس الخطر من موسم الهجرة وبخاصة الشباب وأصحاب رؤوس الأموال.

ولا توجد أرقام رسمية أو موثقة حول عدد المهاجرين إلى مصر، وأول من تحدث عن حجم الحجرة، هو رئيس قطاع النسيج بغرفة صناعة دمشق وريفها، مهند دعدوش، الذي قال في حديث إذاعي في آب الماضي إنه «منذ عام حتى الآن شهدت سوريا هجرة خيالية من الصناعيين الذين لا يمكن تعويضهم نحو مصر نتيجة الصعوبات التي يعانون منها في بلدهم».

تبع تصريح دعدوش، حديث لأمين سر غرفة تجارة دمشق “محمد الحلاق” الذي علّق على هجرة التجار بقوله إن «بيئة الأعمال الموجودة في كثير من دول العالم أكثر راحة من سوريا، بسبب عدم وضوح معالم العمل لدينا، فقرار كل وزارة يتعارض مع نظيراتها المعنية في العملية الإنتاجية».

وعلى صعيد المواطنين العاديين، أظهرت صور مؤخراً حجم ازدياد المقبلين على استخراج جوازات السفر أو تجديدها، ما أدى إلى أزمة في تأمينها من قبل فروع الهجرة والجوازات حتى توقفت مؤخراً نتيجة عدم توفر الأحبار والأوراق اللازمة والكافية، وأكد أحد موظفي فرع الهجرة والجوازات بحلب أن أكثر من 5000 مراجع يومياً يتقدمون للحصول على جواز سفر، في حين أكد آخرون أنه خلال 60 يوماً هاجر نحو 19 ألف سوري من حلب إلى مصر.

إنكار حكومي

حملة ضخمة للضغط على الحكومة لاتخاذ اجراءات تحد من النزيف الحاصل من قبل بعض الصناعيين والتجار والاقتصاديين، دفعت رئيس الحكومة حسين عرنوس لتكذيب ما يقال بدلاً من الإعلان عن خطة طوارئ، وقال أمام أعضاء مجلس الشعب مؤخراً «أؤكد أن الأرقام الرسمية لدينا تثبت أن عدد المواطنين العائدين للمساهمة لبناء بلدهم يفوق بكثير عدد المغادرين لأي سبب كان ورهاننا على ثقة المواطن السوري ببلده كبيرة».

كثيرة هي أسباب الهجرة إلى مصر منها انعدام الأفق وضيق الحال الاقتصادي وفقدان البنى التحتية وعوامل الإنتاج وقلة فرص العمل المناسبة بالنسبة للشباب، إضافة إلى ما يراه الصناعيون والتجار من قرارات غير منسجمة مع طبيعة المرحلة تضيّق الخناق عليهم مع ارتفاع كلف الإنتاج والضرائب وضعف السوق وتدني القدرة الشرائية، تزامنت مع عروض وميزات وحوافز قدمتها مصر للتجار والصناعيين وتخفيض لسعر الفيز والموافقات الأمنية التي وصلت مؤخراً إلى 300  – 500 دولار مؤخراً.

ونتيجة التدفق السوري الكبير للحصول على التأشيرات والموافقات الأمنية توقفت مصر مؤخراً عن منحها لفترة ريثما يعود سعرها إلى ما بين 1300 – 1500 دولار تبعاً لنوعها سريعة أو عادية بحسب موقع (تلفزيون سورية)، بينما قال أحد أصحاب المكاتب السياحية إن «الطلب على الحجوزات باتجاه مصر هائل، وسعر تكت الطائرة إلى هناك لا يتجاوز 150 دولاراً».

مليارات الدولارات

رجل الأعمال السوري، ورئيس مجلس الأعمال السوري – المصري “خلدون الموقع” قال في 2019 إنه «عندما دخل السوريون إلى مصر، دخلوا بمال حقيقي ذاتي وليس بأموال القروض، ودخل السوريون بالحالة الإنتاجية والصناعية وليس الحالة الريعية، فالسوري لم يقم ببناء تجمعات سكنية أو عمارات بل أنشأ مصانع وهذه الحالة الإنتاجية دعمت السوق المحلي ومن المعروف أن درة الصناعة السورية هي الصناعات النسيجية بكافة مراحلها، هذه الصناعة في تلك الفترة كانت ضعيفة في مصر فعمل عليها السوريين ومع منع التصدير بدأت المصانع المصرية تعمل مرة أخرى مما خلق حالة تنافسية إيجابية للوصول للجودة الأفضل حتى بالمشاريع الخدمية مثل المطاعم السورية المتخصصة في الأكل».

يقدّر “خلدون الموقع” بحسب تصريحات خاصة به تعود لعام 2018  نصيب مصر من المال السوري العامل خارج البلاد، بنحو 23 مليار دولار حسب تقديرات الأمم المتحدة، مقابل 26 مليار دولار في لبنان و25 مليار دولار في الأردن، لكن تجار وصناعيون يؤكدون أن هذه الأرقام ارتفعت أكثر بكثير خلال الأعوام الثلاثة التالية بظل غياب إحصائيات مصرية رسمية لها.

المحامي المصري “سمير صبري” طالب النائب العام المصري حصر أموال المستثمرين والعاملين السوريين في مصر بسبب ما أسماه غزو المناطق التجارية في جميع أنحاء مصر، ووضع أطر قانونية لإخضاع أموالهم للرقابة المالية بهدف حماية البلاد من الأموال المشبوهة.

وفي نيسان 2019، أعلن رئيس قطاع الترويج بالهيئة العامة للاستثمار المصري، منير عبدالفتاح، على هامش مؤتمر “تنمية التعاون المصري السوري” أن عدد المشروعات السورية بمصر بلغ 5,800 مشروع برؤوس أموال تصل إلى مليار دولار (17 مليار جنيه)، وأن استثمارات تلك المشروعات تتراوح ما بين 4 و5 أضعاف قيمة رؤوس أموالها.

وذكرت بيانات لوزارتي الاستثمار والتعاون الدولي، والتجارة والصناعة المصريتين أن نشاط السوريين الاقتصادي ارتفع 30%، وأن عدد الشركات السورية شكلت ربع عدد الشركات الأجنبية المؤسسة في مصر خلال الأشهر التسعة الأولى من 2018.

وبحسب الموقع فإنه “رغم قلة حصة مصر من المال السوري أمام دول عربية أخرى، إلا أن نشاط السوريين أكثر وضوحاً”، حيث توسع السوريون في العديد من المجالات الخدمية والصناعية بمصر، منها المطاعم والصناعات الغذائية والحرف التقليدية، إلى جانب صناعات المنسوجات وتجارة العقارات والأراضي.

لماذا مصر؟

وتقدم مصر الكثير من التسهيلات للاستثمارات الأجنبية التي تنطبق على السوريين أيضاً دون تمييز، وفي العام الماضي، سمحت الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة للمستثمرين الأجانب بالإقامة لنحو خمس سنوات متصلة قابلة للتجديد، بدلاً من عمليات التجديد التي كانت تتم سنوياً، وبات المستثمر قادراً على البقاء في مصر طوال فترة حياة المشروع.

وسمحت مصر في 2019  بمنح الجنسية للمستثمرين الأجانب مقابل ضخ استثمارات جديدة، ويضمن قانون الاستثمار المصري بأن تتمتع جميع الاستثمارات المقامة بالمعاملة العادلة والمنصفة، وتكفل الدولة للمستثمر الأجنبي معاملة مماثلة للمستثمر الوطني، ويجوز استثناءً بقرار من مجلس الوزراء تقرير معاملة تفضيلية للمستثمرين الأجانب تطبيقاً لمبدأ المعاملة بالمثل.

حماية المشاريع من الحجز

ولا تخضع الأموال المستثمرة بموجب قانون الاستثمار المصري رقم ٧٢ لسنة ٢٠١٧، لأي إجراءات تعسفية أو قرارات تتسم بالتمييز، وتلتزم الدولة باحترام وإنفاذ العقود التي تبرمها، وتنص المادة (4) من القانون على أنه لا يجوز تأميم المشروعات الاستثمارية، ولا يجوز نزع ملكية أموال المشروعات الاستثمارية إلا للمنفعة العامة، وبمقابل تعويض عادل يدفع مقدماً دون تأخير، وتكون قيمته معادلة للقيمة الاقتصادية العادلة وتكون التعويضات قابلة للتحويل دون قيد.

ولا يجوز فرض الحراسة القضائية على المشروعات الأجنبية، إلا بموجب حكم قضائي نهائي، كما لا يجوز التحفظ عليها إلا بموجب أمر أو حكم قضائي.

ولا يجوز الحجز على أموال المشروعات الاستثمارية أو مصادرتها أو تجميدها بأمر إداري، ولا يتم ذلك إلا بناءً على أمر قضائي أو حكم نهائي، عدا الديون الضريبية، واشتراكات التأمينات الاجتماعية المستحقة للدولة التي يجوز تحصيلها عن طريق الحجز بجميع أنواعه، مع عدم الإخلال بما يتفق عليه في العقود التى تبرمها الدولة أو الأشخاص الاعتبارية العامة مع المستثمر.

ولا يجوز للجهات الإدارية بموجب المادة (5) إلغاء التراخيص الصادرة للمشروع الاستثماري أو وقفها أو سحب العقارات التي تم تخصيصها إلا بعد إنذار المستثمر بالمخالفات المنسوبة إليه، وسماع وجهة نظره وإعطائه مهلة مناسبة لإزالة أسباب المخالفة، وفي جميع الأحوال، يجب أخذ رأي هيئة الاستثمار قبل إصدار القرارات خلال سبعة أيام ويحق للمستثمر التظلم.

حرية بإخراج الأموال والاستيراد

وتتيح المادة (6)، للمستثمر من إنشاء المشروع الاستثماري وتوسيعه، وتمويله من الخارج دون قيود وبالعملة الأجنبية، كما يكون من حقه تملكه وإدارته واستخدامه والتصرف فيه وجني أرباحه وتحويلها إلى الخارج، وتصفية المشروع وتحويل ناتج هذه التصفية كله أو بعضه إلى الخارج، وذلك دون الإخلال بحقوق الغير.

وتنص المادة (7)، على أنه يحق للمشروعات الاستثمارية أن تستورد بذاتها أو عن طريق الغير، ما تحتاج إليه في إنشائها أو التوسع فيها أو تشغيلها من المواد الخام ومستلزمات الإنتاج والآلات وقطع الغيار ووسائل النقل المناسبة لطبيعة نشاطها، دون حاجة لقيدها في سجل المستوردين، كما يحق لهذه المشروعات أن تصدر منتجاتها بالذات أو بالوساطة دون ترخيص وبغير حاجة لقيدها في سجل المصدرين.

وللمشروع الاستثماري الحق في استخدام عاملين أجانب بنسبة 10% من إجمالي العاملين بالمشروع، وتجوز زيادة هذه النسبة إلى مالا يزيد على 20% في حالة عدم إمكانية استخدام عمالة مصرية تملك المؤهلات اللازمة، ويجوز فى بعض المشروعات الاستراتيجية ذات الأهمية الخاصة التي يصدر بتحديدها قرار من المجلس الأعلى الاستثناء من النسب المشار إليها.

خطوات الاستثمار

المستثمر الأجنبي ومنهم السوري، يعامل معاملة المستثمر المصري عند تأسيس شركة، باستثناء الاستعلام الأمني المطلوب للأجانب المؤسسين للشركات والمحلات التجارية في مصر، ويجب على المستثمر توكيل محامٍ بعد تأمين صورة جواز السفر وصورة عقد الإيجار، الذي يتوجه إلى الهيئة العامة للاستثمار، وتقديم طلب عدم وجود اسم مشابه للشركة المراد تأسيسها، ومن ثم التوجه لإدارة التأسيس من أجل كتابة عقد تأسيس الشركة.

وفي حال كانت الشركة مساهمة يتوجب إحضار شهادة من البنك بإيداع قيمة 10% من رأس المال، أما في باقي أنواع الشركات لا يلزم ذلك، ومن ثم دفع رسوم تأسيس الشركة، وبعدها المتابعة مع إدارة متابعة التأسيس والشهر العقاري ونقابة المحامين، بعدها يتم الحصول على السجل التجاري ليتم التقديم على البطاقة الضريبية، والوقت المطلوب لإنهاء هذه الإجراءات هي أيام فقد بحسب محامين مصريين.

وتختلف الرسوم الواجب دفعها لهيئة الاستثمار تبعاً لنوع الشركة، وتبدأ من ١٠ آلاف جنيه مصري (600 دولار).

وكشف مساعد وزير الخارجية المصري للشؤون العربية، المندوب الدائم بجامعة الدول العربية، محمد البدري في 2019، أن عدد السوريين المسجلين في مصر يبلغ 137 ألفاً، بينما العدد الحقيقي يقدر بـ550 ألف سوري.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.