بات الذهاب إلى عيادات الأطباء في سوريا همَّاً كبيراً يؤرق الكثير من السوريين، في ظل الأجور المرتفعة التي يحددها كل طبيب مهما كان اختصاصه، إلى جانب ارتفاع أسعار الطبابة والعلاج في المستشفيات بالتوازي مع تضاعف أسعار الأدوية خلال الآونة الأخيرة.

لا يتقيّد الأطباء بأي تسعيرة تضعها وزارة الصحة في الحكومة السورية، وتدعمها نقابة الأطباء، فتصل أجورهم بمعدل وسطي للمعاينة الواحدة إلى 7 آلاف ليرة، وصولاً إلى 15 آلاف للمعاينة في مناطق عديدة داخل العاصمة دمشق، وغيرها من المدن الرئيسية.

تصريحات عديدة لمسؤولين في الحكومة السورية أشاروا فيها مؤخراً إلى الارتفاع الحاصل في أجور المعاينات الطبية، حيث أفاد وزير الصحة السوري بوجود دراسة لرفع أجور المعاينة لدى الأطباء.

وقال وزير الصحة “حسن غباش” في وقت سابق إنه «تم عقد اجتماعات مع نقابة الأطباء ليتم تحديد هذا الأمر بما يرضي الطبيب ويناسب المواطن قدر الإمكان».

فيما اعتبر عضو مجلس محافظة دمشق “محمد زند الحديد” خلال اجتماع للمحافظة مؤخراً، أن الأطباء “تمادوا” برفع أجور كشفيتهم، والخدمات التي يقدمونها “من دون أي رادع”.

تضاعف أسعار المعاينات والعمليات الجراحية

مصدر طبي، فضل عدم الكشف عن اسمه، قال لموقع (الحل نت) إن أسعار الخدمات الطبية (المعاينة والعملية الجراحية) تزايدت بشكل مضاعف خلال الشهور الماضية.

وأضاف أن تضاعف الأسعار دفع نسبة ليست بالقليلة من السوريين إلى الاستعاضة عن الاستطباب التقليدي باللجوء إلى الطب الشعبي والتخلي عن شراء الأدوية مقابل التداوي بالأعشاب، فيما لجأن البعض من السيدات إلى “القابلات القانونيات” في المنازل بدلاً عن الولادة في المشافي العامة والخاصة.

وفي استعراض لأسعار العمليات الجراحية، بيّنت مصادر (الحل نت) أن كلفة عملية الولادة القيصرية في المشافي الخاصة بحد أدنى في مناطق سيطرة حكومة دمشق تتراوح بين 400 إلى 600 ألف، وتنخفض بمقدار النصف في المشافي العامة.

وأما استئصال المرارة تصل بحد أدنى إلى 350 ألف ليرة، وقد تتجاوز في أحيان الـ600 ألف، وأما استئصال الزائدة الدودية فتتراوح أسعار عملياتها بين الـ250 ألف وقد تصل حتى 400 ألف.

وأما أجرة عملية القلب المفتوح، تتراوح بين الـ3 ملايين و 5 ملايين ليرة.

بينما تصل أجور المنامة لليوم الواحد في المشافي الخاصة إلى حد تتجاوز فيه الـ50 ألف ليرة.

وفي سياق مواز، أشارت المصادر إلى عدم وجود تسعيرة محددة للأطباء خلال الشهور الماضية، حيث لفتت إلى أن لكل طبيب “أعراف مادية خاصة به، سواء في العيادة أو حتى لأجور العمليات التي يقيمها في المشافي الخاصة المتعاقد معها، فضلا عن وجود نسبة ربح متبدلة وغير موحدة من قبل إدارات المشافي”.

مشيرة إلى أن أجور المعاينات تختلف بحسب المحافظات والتخصصات، إلا أنها تشترك بمعدل وسطي يتراوح بين الـ3 و 6 آلاف، بينما يصل حدها الأقصى لتخصصات مثل القلبية والأورام والدماغ، بين الـ10 و12 ألف.

أطباء الأسنان يسجلون حضورهم

في سياق متصل، كان أعلن نقيب أطباء الأسنان في سوريا “زكريا الباشا” في شهر تموز/يونيو الماضي أن مقترح رفع التسعيرة الطبية لمعالجات الأسنان تم نقاشه قبل أن يُرفع إلى وزارة الصحة للتصديق عليه.

وقال الباشا، في حديث إلى صحيفة (الوطن) المحلية، إن التسعيرة الحالية التي يتعامل بها أطباء الأسنان، حُددت في 2014، «لكنها لم تعد مناسبة الآن في ظل ارتفاع المواد الطبية السنية».

وأضاف الباشا أنه اقترح على وزارة الصحة «آلية الفصل بين تعرفة أجور اليد العاملة للطبيب وبين أجور تكلفة المواد»، موضحاً أن الآلية المقترحة تشترط الإبقاء على أجرة الطبيب ثابتة كما هي، مع تحرير في أسعار المواد السنية المُستخدمة دون فرض تعرفة محددة على الطبيب.

وتصل نسبة الأطباء الذين غادروا سوريا منذ 2011، إلى 40 في المئة من إجمالي أعدادهم، ونسبة الهجرة من الأطباء الجدد لا تقل عن 80 بالمئة، بحسب تصريحات صادرة عن “الهيئة السورية للاختصاصات الطبية” بدمشق.

في حين لا يتقيد أطباء الأسنان بالأجور المحددة لهم من قبل وزارة الصحة، لارتباط أسعار المواد المستخدمة في عملهم بسعر صرف الدولار، وبسبب غياب تحديث نشرات الأجور بشكل دوري بما يتناسب مع تكلفة أجور تخديم العيادات.

تلك المطالبات سبقت ما ذهبت إليه نقابة أطباء سوريا نهاية شهر آب/أغسطس الماضي، حيث قال نقيب الأطباء في سوريا، “كمال عامر”، إن وزارة الصحة شكّلت لجنة لدراسة التعرفة الطبية الخاصة بأجور الأطباء.

وصرّح عامر لجريدة (الوطن) المحلية، أن اللجنة معنية بدراسة الوحدات الجراحية وتكاليف العمليات وغيرها من المستلزمات الطبية التي يستخدمها الأطباء في أثناء عملهم.

بينما اعتبر نقيب الأطباء السابق، “عبد القادر حسن”، أن من الأفضل تفعيل التأمين الصحي الشامل، حتى يحصل الطبيب على حقه وأجره، والمريض على الخدمة الطبية دون أعباء مادية.

وشدد حسن، وفق ما نقلته (الوطن)، على أن الأجور القليلة المحددة أحد أبرز أسباب مغادرة الأطباء إلى خارج البلاد، إذ أن «الأجور في سوريا لا تقارن بأي دولة أخرى يغادر إليها الطبيب، وللحفاظ على الكوادر الطبية لا بد من تحسين أجور الأطباء».

تبعات اقتصادية مؤثرة

المحلل الاقتصادي، محمد لومان، قال خلال حديث لموقع (الحل نت) إن «ازدياد ارتفاع أسعار المعاينات الطبية، وكذلك أسعار الأصناف الدوائية في ظل ضعف القوة الشرائية للسوريين وتدهور أوضاعهم الاقتصادية، ستدفعهم إلى البحث عن اللجوء لخيارات بديلة عن أدوية الصيدليات ومراجعة الأطباء المختصين».

وأضاف أنه «قد يكون اللجوء للطب الشعبي خياراً مناسباً لشرائح اقتصادية مختلفة من السوريين، سواء من ناحية توفير أجور المواصلات، وكذلك كلفة ارتفاع أسعار الأدوية، إلى جانب التخلص من عبئ أجور المعاينة المرتفعة».

وبيّن أن تحديد ارتفاع أسعار المعاينات الطبية وأجور العمليات وما يتصل بها من أدوات ومستلزمات له حالة خاصة معقدة، في ظل وجود عدة أسعار صرف للدولار.

وأشار إلى أن الخطير في هذه الارتفاعات «عدم تناسب الأسعار الجديدة مع مستوى الدخل السائد للسوريين».

وتابع «عند رفع كل هذه الأسعار يجب أخذ مستوى الدخل بعين الاعتبار، لذلك كان من الأنسب تركيز الدعم الحكومي على القطاع الطبي عوضاً عن إثقال كاهل المواطن. إن هذه الارتفاعات تنذر بضغوط اقتصادية جديدة في قادم الأيام».

في نهاية شهر حزيران الماضي، ارتفعت أسعار الأدوية في مناطق سيطرة حكومة دمشق، بنسبة وصلت إلى 50 بالمئة، بعد مطالبات من أصحاب مصانع الدواء خلال الشهور الماضية برفع الأسعار إلى 100 بالمئة، بذريعة ارتفاع كلفة المواد الأولية اللازمة للصناعة.

قبل صدور قرار رفع أسعار الأدوية بأيام، طالب أصحاب معامل الأدوية الخاصة برفع أسعار جميع الزمر الدوائية بنسبة 100 في المئة، ورفعوا مقترحاً بذلك إلى وزارة الصحة بدمشق، أسوة بالقطاع الدوائي العام الذي عدّل أسعار منتجاته عقب رفع سعر صرف الدولار الرسمي.

الخبير الصيدلاني “أيمن خسرف” اعتبر خلال حديث لموقع (الحل نت) بأن اللجوء للطب البديل أو الشعبي، كخيار وحيد متاح عوضاً عن الأدوية الكيميائية واللجوء إلى العيادات الطبية المختصة، قد تم خلال الفترة الماضية، غير أنه استبعد أن يغطي ذلك كل الحاجات الطبية، «لا يوجد في الوقت الحالي الخبرة العلمية الكافية لاستخلاص المواد الفعالة من النباتات».

ودفع غلاء الأدوية وارتفاع أسعار الاستشارات الطبية، كثير من السوريين للتداوي بالأعشاب، حيث تزايد اللجوء إلى محلات الطب الشعبي أو العطارين، فباتت لافتات عدة على شاكلة “خلطة لمعالجة السكري” و”علاج للروماتيزم” و”حلول سريعة لمشاكل الكلى” و”علاج فوري للصداع”، وغيرها من اللافتات، يراها زائر أسواق دمشق الشعبية، كالحميدية والبزورية، وكذلك أسواق المدن الرئيسية الأخرى مثل حلب واللاذقية، وغيرها.

وقبل عام 2011، ووفق تقديرات لمؤسسات مالية دولية، كانت الصناعات الصيدلانية في سوريا تغطي 93 في المئة من حاجة السوق المحلية وتصدّر منتجاتها إلى 54 دولة عربية وأجنبية، كما كانت سوريا ضمن كبار منتجي الأدوية في المنطقة، حيث كانت في المرتبة الثانية بعد مصر في تغطية الطلب المحلي، بحسب ما أفاد به تقرير سابق لصحيفة (العرب) اللندنية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.