العنف الاجتماعي في العراق: هل بات الرجال أيضاً ضحية للتعنيف المنزلي؟

العنف الاجتماعي في العراق: هل بات الرجال أيضاً ضحية للتعنيف المنزلي؟

تتصاعد حالات العنف الاجتماعي في العراق لدرجة غير مسبوقة في تاريخ البلاد. ويرد علماء الاجتماع أسباب ذلك إلى الظروف الصعبة التي يمرّ بها المجتمع العراقي. من فقر وانهيار اقتصادي وفساد سياسي. فضلاً عن الآثار النفسية والاجتماعية العميقة، التي خلفتها الحروب، التي لم تنقطع منذ ثمانينات القرن الماضي. وممارسات التنظيمات المتطرفة، وعلى رأسها تنظيم داعش، والميلشيات المنفلتة عن سلطة الدولة.

فوق كل هذا وذاك لا تلعب العادات والتقاليد العشائرية السائدة في المجتمع دوراً في حماية الأفراد من العنف. بل ربما كان العكس صحيحاً. إذ يمكن لمرتكبي العنف أن يجدوا في التقاليد مبرراً لجرائهم. في حين يشعر الضحايا بالعار. مما يدفعهم لعدم إبلاغ الجهات المختصة عما تعرضوّا له من جرائم.

ضحايا العنف الاجتماعي في العراق هم غالباً من النساء والأطفال. إلا أن الهيئات المعنية برصد حالات العنف الاجتماعي لاحظت زيادة في العنف ضد الرجال أيضاً. لأسباب أسرية وشخصية. ما يثير كثير من التساؤلات عن حال مجتمع، يبدو أن العنف بات فيه أسلوباً أساسياً للتعامل مع الخلافات الاجتماعية.

 

العنف الاجتماعي ضد النساء أولاً

يبقى العنف ضد النساء هو الأبرز في المجتمع العراقي. فقد سجلت وزارة الداخلية العراقية تصاعداً بحالات العنف ضد النساء هذا العام.

مسؤول في وزارة الداخلية العراقية، رفض نشر اسمه، أكد لـ«لحل نت» أن «الوزارة، في سعيها لتوثيق العنف الاجتماعي في العراق، سجلت ٤٧٨ حاله تعنيف جسدي، ارتكبها رجال تجاه نساء. منذ بداية السنة الحالية ولغاية العشرين من شهر أيلول/سبتمبر الجاري. وهذه الحالات هي التي تم الإبلاغ عنها فقط. سواء عن طريق الرقم الساخن، الذي توفره الوزارة لضحايا العنف. أو نتيجة زيارة المجني عليهن لمقرات وحدة الدعم والشكوى المباشرة، في مفارز الشرطة العراقية. أو المناشدة عبر صفحة وزارة الداخلية على مواقع التواصل الاجتماعي».

كما وثّقت دراسات مشتركة لوزارة التخطيط العراقية وصندوق الأمم المتحدة للسكان أن «امرأة، من بين كل أربع نساء، تتعرض للعنف الاجتماعي في العراق. الذي قد يكون جسدياً أو جنسياً أو نفسياً. والنوع الأخير هو أكثر صور العنف المنزلي شيوعا ضد النساء. ويتمثل في اضطهاد المرأة، وحرمانها من اتخاذ القرارات المتعلّقة بحياتها. فضلاً عن سوء المعاملة والتعدي اللفظي». الدراسة بيّنت أيضاً أنه «مقابل كل امرأة تتعرّض للعنف الجنسي في العراق هنالك امرأتان تتعرضان للعنف الجسدي، وأربع نساء يتعرضن للعنف النفسي».

إلا أن النساء لسن الضحايا الوحيدات للعنف الاجتماعي في العراق. فقد نشر “مركز الرشيد للدراسات”، وهو منظمة معنية بالعنف الاجتماعي، دراسة وثّقت نحو خمس وثلاثين حالة عنف. ارتكبتها زوجات ضد أزواجهن. منها ست حالات أودت لوفاة المعتدى عليه.

واشتملت حالات العنف على الحرق والنحر والطعن بسكين. كما جاء في الإحصائية. التي أكدت أن «هذه الأرقام مأخوذة فقط من مراكز المدن. إلا أن هنالك حالات تحدث في مناطق نائية، بالقرى والأرياف. وتنتهي عادة بالتراضي العشائري والأسري. دون أن تصل إلى الشرطة والجهات المختصة».

 

كيف يصبح الرجال ضحايا للعنف الاجتماعي؟

“محمد الباسم”، مدير “مركز الرشيد للدراسات”، تحدث لموقع «الحل نت»، مؤكداً أن «المركز يجمع معلوماته، عن حالات العنف الاجتماعي في العراق، من الوثائق الرسمية، التي ترتبط بشكاوى يقدمها معنفون في مراكز الشرطة. أو محاضر المستشفيات. وأيضاً عن طريق فرق بحثية خاصة بمركز الدراسات».

إلا أن مصادر المركز، بحسب “الباسم”، «لا تغطي الأرياف والمناطق البعيدة عن المدن. التي ترتفع فيها حالات العنف الاجتماعي. كما أنها لا تغطي إقليم كردستان العراق. ولذلك فإن مدينة بغداد تظهر بوصفها الأولى في حالات تعنيف الرجال. رغم أنها لا تعتبر أكثر مدينة تشهد العنف الاجتماعي في العراق».

ويوضح مدير المركز أن «السبب الأول للعنف الاجتماعي في العراق ضد الرجال هو الخيانة الزوجية. إذ تستهدف الزوجة رجلها عادةً بعد نومه. كما حدث في محافظة بابل. حيث عمدت امرأة إلى احراق زوجها النائم. بسبب نيته بالزواج من امرأه أخرى».

 

هيبة الرجال في العراق قبل سلامتهم 

“د.علي البياتي”، عضو مجلس المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، يرى أن «تصاعد حالات العنف الاجتماعي في العراق، ضد الرجال والنساء، سببه المشاكل والضغوط الاجتماعية والعائلية والاقتصادية. مثل الفقر والزواج المبكر. وزاد من تفاقم الوضع عدم تشريع قانون مناهضة العنف الأسري في البرلمان العراقي. إضافة إلى تفشي جائحة كورونا. والاستخدام السيء لوسائل التواصل الاجتماعي»

“البياتي” يشدد على أن «العنف ضد الرجال غير مقبول. تماماً مثل العنف ضد النساء. ويجب التصدي له بصرامة، كما يتم التصدي لكل أشكال العنف الاجتماعي في العراق». إلا أنه يرى أن المسألة أكثر تعقيداً في حالة الرجال. «الأولوية لدى الرجال في العراق هي المحافظة على هيبتهم وليس سلامتهم. لذلك فنادراً ما يبلغون عن حالات العنف، التي يتعرضون لها من زوجاتهم. وكذلك يحجم ذووهم عن الحديث عن هذه الحالات. حتى لو أدت للوفاة. خشيةً على كرامة الرجال المتوفين». يقول عضو مفوضية حقوق الإنسان.

 

القانون العراقي والعنف الاجتماعي

لكن هل هنالك فرق في القانون العراقي بين العنف الذي يتعرّض له الرجال. ونظيره ضد النساء؟

القاضي “منير حداد” يؤكد، في حديثه لـ«الحل نت»، أن «قانون العقوبات النافذ، في معالجته للعنف الاجتماعي في العراق، لا يميّز بين المرأة والرجل، في حالة الفعل الجرمي. فتعنيف المرأة لزوجها، بالضرب أو القتل أو الحرق. أو أي ضرر آخر. جريمة عقوبتها محددة بالقانون، وتساوي عقوبة الرجل الذي يقوم بفعل مماثل».

ويضيف “حداد” أن «العقوبات على جرائم العنف الاجتماعي في العراق لها أنواع متعدد. لا يلعب فيها جنس الجاني أي دور. العنف المفضي إلى الأذى الجسدي مثلاً تختلف عقوبته عن العنف المفضي للموت. فالنوع الأول تحدد شدته اللجان الطبية، التي تتفحص إصابات المجني عليه. وتبين مقدار الأذى الذي سببته. أما النوع الثاني، فيعتبر جريمة قتل، تختلف عقوبتها بين قتل بظرف غير مشدد، أي عدم توافر نية القتل والتخطيط له. وهو ما يعاقب عليه بالسجن بما لا يقل عن خمسة أعوام وما لا يزيد عن خمسة عشر عاماً. وبين قتل بظرف مشدد، أي مع توفر النية والتخطيط. وهو ما قد تصل عقوبته للإعدام. قد تأخذ المحكمة بعين الاعتبار بعض الظروف المخففة للعقوبة، مثل عمر الجاني وسيرته الشخصية. ولكن جنسه لا يعتبر عذراً مخففاً».

 

صراع عنيف على الأدوار بين الرجال والنساء

كيف يمكن للنساء القيام بتصرفات عنيفة ضد الرجال في مجتمع ذكوري مثل المجتمع العراقي؟  سؤال توجه به موقع «الحل نت» لعدد من المختصين.

“د.عبد الواحد مشعل”، استاذ الانثروبولوجيا في جامعة بغداد، يحاول الإجابة على السؤال بالقول: «العنف الاجتماعي في العراق ظاهرة لها جذورها النفسية والثقافية. فالمجتمعات، التي مرت بأزمات وحروب وانقسامات اجتماعية وعرقية وطائفية، تعاني عادة أكثر من غيرها من العنف الاجتماعي».

ويتابع في حديثه لـ«الحل نت»: «من الصحيح أن المجتمع العراقي مجتمع ذكوري. السلطة والقوة فيه للرجل. إلا أن العنف الاجتماعي في العراق ليس بسيطاً، ولا يتبع بشكل ميكانيكي اتجاهات السلطة الاجتماعية. فقد تقوم النساء برد فعل عنيف على تحكّم الرجال. وبالتالي فإن المجتمع العراقي يشهد صراعاً على الأدوار بين الرجال والنساء. وهو صراع يتبدّى بشكل شديد العنف أحياناً».

ويختتم الباحث الأنثربولوجي حديثه بالقول: «لابد من تسليط الضوء على ظاهرة العنف الاجتماعي في العراق. سواء ضد النساء أو الرجال. والعمل على وضع جملة من الحلول لها. ومنها توعية الأفراد، رجالاً ونساءً، بمخاطر العنف وعواقبه. والعمل على حل المشاكل النفسية التي يعاني منها الجنسان. والأهم إيجاد معالجات للمشاكل الاقتصادية والسياسية، التي يرزح العراقيون تحت ثقلها».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.