«لم يكن أبي عنيفاً بقدر أمي، أمضيت طفولتي وأنا أتلقى الضربات منها لأتفه الأسباب، مع مرور الوقت بدأت أشعر بالحقد عليها وبالتعاطف مع أبي حتى وصلت لعمر المراهقة وهنا تحولت علاقتي بها إلى عداء كامل، لم أكن أفهم ما هو الشيء الذي يدفعها لضرب رأسي بالجدار».

“منى إسماعيل”(اسم مستعار)، تبلغ من العمر 31 عاماً، تتحدث عن العنف الذي تلقته على يد أمها في طفولتها، تتابع: «لم تتوقف عن ضربي حتى أنهيت الثانوية وذهبت للعيش في السكن الجامعي، ومع ابتعادي عنها بدأت تعود علاقتنا قليلاً إلى طبيعتها، لكن ذلك لم ينفِ آثار عنفها علي، والتي بقيت حتى اليوم».

العنف ليس حكراً على الرجال، فمجتمعنا ينتج نساءً معنِّفات أيضاً، وهنا إذا ما تتبعنا الأسباب التي تدفعهنَّ كنساء لفعل ذلك نستطيع فهم قيودهن، وتساهم في العنف عوامل ثقافية واجتماعية وبيئية وأخلاقية، وهي نفسها التي تجعل كل فرد في بعض الحالات عنيفاً وغير قادر على ضبط أعصابه، فما الذي يدفع النساء للعنف؟ وعلى من يمارسنه؟

ما الأسباب وراء عنف النساء؟

العنف ليس صفة عامة لدى النساء أو مرتبطة بالأنوثة، هو فعل ذكوري، فبحسب الدراسات يلعب هرمون التستوستيرون دوراً كبيراً في التعبير عن السلوك العدواني، لكن هناك بعض النساء اللواتي يلجأن لاستخدام العنف في بعض الحالات مع أزواجهنَّ، حتى أن نسبتهنَّ غير معروفة، لأن الرجال يتكتمون على ذلك، وغالباً ما يكون هذا العنف هو رد فعل على عنف مشابه من قبل الرجال، أما الحالات الأخرى التي تمارس فيها النساء العنف فغالباً ما يكون الأطفال هم المعنَّفون، تقول “بشرى عبيد”(اسم مستعار)، وهي سيدة بلغت 56 عاماً: «كنت عنيفة مع أولادي، لا شيء يوقفني عن ضربهم بقوة إن ارتكبوا أي فعل صغير لا أرغب به، الآن وبعد أن أصبحوا شباناً أفهم أني أخطأت، لكنني لم أكن أملك وعياً كافياً بأن لا علاقة لهم بسوء أوضاعنا المادية أو بخلافاتي مع زوجي».

يمكننا القول إن النساء في المجتمع السوري مهمشات لا يحظين بأي امتياز اجتماعي، بالإضافة لعدم استقلالهنَّ المادي وخاصةً إذا ما تحدثنا عن النساء قبل عام الألفين، هاته النسوة عانين في الغالب من زواج تقليدي وحياة منزلية في ظروف قاسية، والبطالة والفقر هما من أكثر الأسباب التي تؤدي لنشوء العنف وتناميه لدى الإنسان، وهنا النساء نتيجة كبتهنَّ وشعورهنَّ بالدونية وانعدام المكانة يلجأن للعنف كوسيلة لإثبات أنفسهنَّ والتأكيد على هويتهنَّ ووجودهن.

الأسباب النفسية

«لدي ثلاثة أولاد لا أستطيع السيطرة عليهم سوى بالعنف، وأعيش مع زوجي مشادات كلامية يومية بسبب ذلك، فهو يعتبر عنفي غير مبرر، وفي أحيان كثيرة يعنفهم هو الآخر من شدة غضبه مني».

“عليا مهنا”(اسم مستعار)، تبلغ من العمر 38 عاماً، تصف تحولها من أم لطيفة تتبع أسلوب التربية الحديثة إلى عنيفة لا تتحكم بغضبها، تتابع: «منذ ستة أشهر تقريباً بدأ عنفي يزداد، أصبحت أراقب نفسي وأحاول تفادي ذلك لكنه يزداد بشكل يومي ويسبب لي مشاكلاً مع زوجي، أعاني من ضغط نفسي بين عائلة زوجي وتقع تبعات ذلك على الأولاد».

العدوانية هي ردة فعل على أذى تعرضت له الذات الإنسانيّة وتتحول هذه العدوانية إلى عنف جسدي مع مرور الوقت، هناك العديد من المصادر النفسية للعنف، فالقلق وعدم الاستقرار النفسي والمادي والإحباط يتحولان بالتراكم إلى عنف، وهنا ستبحث المرأة عن موضوعة أكثر ضعفاً تستطيع إفراغ غضبها عليها، وهنا هم الأطفال، ليس هذا فقط، وإنما يساعد في نشوء العنف العجز وعدم القدرة على تحقيق الذات ونيل الحقوق والحرمان من تلبية الرغبات الطبيعية، والحرمان إما أن يكون قصدياً أو عن غير قصد، فمعظم الرجال يحرمون المرأة من ممارسة حياتها ورغباتها بشكلٍ مقصود تحت ذريعة الأخلاق العامة والتقاليد ويحولونها إلى مرأة عنيفة، وفي حالات أخرى يكون الحرمان غير قصدي وإنما يكون ناتجاً عن تكامل ظروف اقتصادية واجتماعية معينة محيطة بالمرأة تدفعها لممارسة العنف دفاعاً عن أناها.

الإساءة الانفعالية ودورها في تشكل العنف

«أتعرض للسخرية بشكل يومي من زوجي وما يسبب سخريته هي أفعال بسيطة يعتبرها ناتجة عن غباء من قِبلي، في أحيان كثيرة تصبح ردود أفعالي على سخريته عنيفة تجاهه وتجاه أطفالي، مع شعور بعدم الأهمية يتنامى في داخلي».

“منار رستم”(اسم مستعار)، في الأربعين من العمر، تصف أسلوب زوجها في التعامل معها، والذي يدفعها لتصبح عنيفة في بعض الأحيان، تتابع: «أشعر بأن لا قيمة لي طالما يعتبرني محطاً لسخريته، فهذا دليل على عدم احترامه لي مع أن كل ما يسخر منه هو فقط ما لا يعجبه من آرائي، فهو واثق بأنه دائماً أكثر معرفة مني وعلى حق».

تندرج الإساءة اللفظية والسخرية والنقد المستمر وغيرها من أساليب التلاعب بالآخر وإهماله والتجاهل العاطفي ورفض الاستماع والتواصل معه تحت ما يسمى بالإساءة الانفعالية، وهي مجموعة من السلوكيات التي تؤدي في حال تكرارها إلى حدوث تراكم انفعالي لدى الضحية تشكل أرضية خصبة للعنف والعداء مع الآخرين، يتسم مجتمعنا بانتشار هذا النوع من السلوكيات ويتباهى الرجال به أمام بعضهم البعض، دون أن يدركوا العواقب التي يخلفها ذلك على علاقاتهم الزوجية، ضاربين بعرض الحائط حياة كاملة سيعيشونها مع هاته النساء اللواتي يواظبون على انتقادهنَّ والتقليل من شأنهن، فيما تصبر النساء لوقت طويل قبل أن تتركن غضبهنَّ يندفع ويتحول إلى عنف لا يستطعن الرجوع عنه أو التحكم به.

هل نساء اليوم أقل عنفاً

يلعب التعليم والثقافة دوراً كبيراً في توعية المجتمعات وتغيير بعض السلوكيات الراسخة وخاصة المتعلقة بالتربية والعلاقات الأسرية، لم يحدث في سوريا تغيير جذري في هذا المجال، لكن يمكننا ومن الحياة العامة ملاحظة الفهم الذي أصبح موجوداً لدى بعض الأزواج اليوم عن أهمية التفاهم وعدم اتباع العنف، ومع ذلك يبقى هؤلاء أقلية مقارنةً بالأسر التي تمارس فيها النساء عنفهن تحت ضغوط مختلفة، أضف إلى ذلك الحرب التي جعلت من ظروف الحياة أكثر صعوبة والانهيار الاقتصادي الذي حوّل المعيشة إلى حملٍ ثقيل تعاني من وطأته الكثير من العوائل في سوريا، العنف اليوم ليس أقل مما كان قبل عشرات السنين وهذا يعني أنه لا تحسن في وضع النساء وحياتهنَّ هنا.

المجتمع وحده المسؤول أمام هذا العنف، فكبته للنساء والتغاضي عن الاستماع لهنّ ولحقوقهنّ، بالإضافة إلى تحويلهنّ إلى وسيلة لتحقيق مصالح الرجل والعمل على خدمته، سيحولهن إلى نساء عنيفات يصرخن ليثبتن وجودهنّ ويقاتلن ليحصلن على ما هو لهنّ أساساً.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.