تعمل وزارة الاقتصاد السورية على خطة إحلال بدائل المستوردات منذ أعوام، والهدف منها وفقاً للتصريحات الرسمية، تشجيع الصناعات الوطنية وخفض فاتورة الاستيراد والحد من هدر القطع الأجنبي، ومن ضمن قرارات إحلال بدائل المستوردات قرار صدر عام 2019 حصر استيراد الأقمشة المسنرة بأصحاب المنشآت الصناعية القائمة والجاهزة للعمل والإنتاج فقط، وذلك بناء على كشف حسي وضمن الطاقة الإنتاجية للمنشآت.

رحبّت غرفة تجارة حلب حينها بالقرار مؤكدةً أنه سيشغل مئات المعامل والورش المصنعة للأقمشة المسنرة، لكن ذلك لم يدم طويلاً، ففي منتصف الشهر الجاري تقريباً، طفى على السطح خلاف حاد، وصل حد تبادل الاتهامات بين غرفة صناعة حلب وغرفة تجارة دمشق، تبين من خلاله أن تجار دمشق يضغطون على وزارة الاقتصاد للتراجع عن قرار عام 2019، وفتح باب الاستيراد للأقمشة المسنرة.

تهم متبادلة

فتح رئيس غرفة صناعة حلب، ورئيس اتحاد غرف الصناعة السورية، فارس شهابي النار على غرفة تجارة دمشق حزيران الماضي، واصفاً الأصوات التي تنادي بفتح باب استيراد الأقمشة المسنرة تلك بـ”الشاذة”، وقال في منشور له “للاصوات الشاذة التي بدأت تعلو مؤخراً مطالبة بالسماح باستيراد الاقمشة الأجنبية وخاصة المسنرة التي ينتجها أكثر من ألف معمل في حلب فقط، لن نسمح لكم أبداً بضرب صناعة النسيج الوطنية العريقة في عقر دارها عبر ادخال مخلفات و تصافي المصانع التركية الرخيصة”.

وبدا الحديث واضحاً بأنه موجه إلى غرفة تجارة دمشق، وخاصة عندما خرج عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق ياسر اكريّم، في تصريح له قائلاً “هناك أكثر من ألف نوع قماش مسنر لا تستطيع معامل الأقمشة المسنرة المحلية تصنيعها لأنها تحتاج آلات جديدة”.

واتهم كريم بعض الصناعيين الكبار بأنهم يستوردون الأقمشة الجيدة لكنهم يقومون ببيعها في السوق المحلية للورش الصغيرة التي لا تستطيع الاستيراد مستفيدين من قرار عام 2019، ما يزيد من كلف الإنتاج نحو 15% ويضعف القدرة على التصدير، مشيراً إلى انخفاض جودة الأقمشة المسنرة محلياً.

رد عضو غرفة صناعة حلب مجد ششمان الذي أثار الجدل مؤخراً حول نسب هجرة الصناعيين من سوريا، وقال حينها إنه هناك 1200 معمل في حلب ينتجون 10 طن أقمشة مسنرة وهي تكفي السوق المحلي وتزيد، ويجب التركيز على استيراد آلات حديثة لتحسين جودة المنتج وليس استيراد الأقمشة التي ستضرب المنتج المحلي.

وجه ششمان حينها تلميحاً قوياً بوجود مستفيدين قلّة في غرفة تجارة دمشق يحتكرون استيراد الأقمشة في حديثه لموقع هاشتاغ سوريا المحلي بقوله “معامل حلب تتعافى من جديد، لماذا نعيد تدمير صناعة محلية كرمى 4 أو 5 تجار”، مضيفاً “نحن في حلب قادرين على إنتاج جميع أنواع الأقمشة، وقد نعجز عن إنتاج 2% فقط منها لا يمكن إنتاجها محلياً”.

والمنسوجات المسنّرة هي كل ما ينتج على آلات تريكو دائري أو تريكو الفتح، وتَستخدم هذه الآلات الإبرة ذات الرأس المعقوف للألبسة، وتُستخدم هذه الأقمشة في الألبسة القطنية الداخلية أو الخارجية، أو في الألبسة الرياضية والنسائية.

اشتد الخلاف، واتهمت غرفة تجارة دمشق، غرفة صناعة حلب بالمناطقية مراراً، وتوعد الطرفان بأن ينتصرا، وتحالفت غرفة صناعة دمشق بقيادة سامر الدبس مع التجار، خاصة وأن الدبس من معارضي القرار السابق الصادر في نيسان 2019 بخصوص استيراد الأقمشة، وقال حينها لصحيفة البعث “دمشق وريفها فيها 30 ألف منشأة صناعة صغيرة ومتوسطة للألبسة تحتاج إلى الأقمشة المستوردة بنسبة 70- 80%” نافياً أن تكون المعامل السورية -بالوضع الراهن- قادرة على تغطية هذه النسبة”.

الشهابي متهم بالتهريب من تركيا

انتزع تجار دمشق قراراً من وزارة الاقتصاد بالسماح باستيراد الأقمشة المسنرة ضاربةً بعرض الحائط تحذيرات ومخاوف اتحاد غرف الصناعة السورية التي تمثل كل الصناعيين في سورية ويرأسها الشهابي، بينما غرّدت غرفة تجارة دمشق وغرفة صناعة دمشق وريفها خارج السرب، ووافقت الحكومة الشهر الماضي، بناء على توصية اللجنة الاقتصادية، على السماح باستيراد الأقمشة المسنرة ومن قبل جميع المستوردين، بعدما كان الاستيراد.

اشتعلت الحرب بشكل أكثر حديثة، وعقّب الدبس على القرار “نحن كصناعيين نرى أن قرار وزارة الاقتصاد صائب ومنطقي، ويحمي عشرات الآلاف من المصانع والورشات التي تنتج الملابس وتعمل بالتصدير في دمشق وحمص وحماة واللاذقية وطرطوس”، دون ذكر حلب التي تعتبر أبرز منتجي الملابس في سوريا.

وتابع مشيراً إلى الشهابي في حديثه “سنقف في وجه كل من يحارب صناعة الملابس لمصلحة بعض المهربين الذين يهربون الأقمشة من تركيا ويدّعون بأنهم صناعيين، وقد حاولوا إغلاق صناعة الألبسة في دمشق وريفها، ويرفعون شعارات شعبوية فيسبوكية بعيدة عن الواقع لدعم الصناعة النسيجية في بعض المناطق”.

والدبس هو ابن عائلة أسّست شركة (الدبس) لصناعة النسيج في الخمسينيات، ثم تعرضّت للتأميم وبقيت تحمل اسم عائلة الدبس حتى اليوم، وسامر من أبرز رجال أعمال العائلة التي تعمل صناعة الورق بشكل أساسي، وتمتلك العائلة حالياً أكبر عدد من المنشآت الصناعية السورية في صناعة الكرتون والورق المقوّى.
الدبس متهم باستيراد “ستوكات صينية”.

رد الشهابي بشكل واضح جداً، وقال في منشور حذفه لاحقاً، “لن نسمح لك ولا لغيرك بتحويل سورية العريقة نسيجياً إلى ورشة خياطة كبيرة لأقمشة الدول الأخرى، بعد أن كانت ولا تزال مركز صناعة النسيج في الوطن العربي، ولا نستغرب وقوف غرف التجارة معك فأنتم كلكم مستوردون ولا علاقة لكم بالصناعة”.

الدبس عضو في مجلس الأعمال السوري الصيني، ووجهت له رسائل مبطنة بشكل غير مباشر من قبل الصناعيين في حلب بأنه يسعى لاستيراد الأقمشة من الصين بسعر رخيص من تصفيات المعامل، حين رد الشهابي عليه بعد هجومه على تحذيرات غرفة حلب من هجرة الصناعيين إلى مصر، قائلاً “هؤلاء الطفيليات هم أكثر المستفيدين من هذا الوضع الشاذ الذي سمح لهم باستيراد وتهريب كل شيء وتدمير الاقتصاد الوطني وتحويل البلد إلى سوق ومكب للمنتجات الأجنبية الرخيصة من ستوكات وتصافي معامل الصين وتركيا.. فرحتهم اليوم لا توصف”.

بقي الجدل قائماً، حتى جاءت وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية لتقف مع غرف دمشق، وتقول في بيان لها تقصد به الشهابي “الوزارة معنية باتخاذ القرارات التي تنسجم مع مصالح كافة قطاعات الصناعة المحلية، وليس مع مصالح البعض ممن يسعون للتأثير على الرأي العام واستعطاف المواطنين، عبر ضخ معلومات مغلوطة، أو التصريح علناً أو إيحاءً بأنّ القرارات الصادرة خاطئة”.

لم يخفت الجدل وبقيت الأحقاد تشعل الخلافات بين دمشق وحلب الذي يعتبره البعض قديماً قدم تأسيس الدولة حيث يعتبر صناعيي وتجار حلب أن مدينتهم يجب أن تكون العاصمة السياسية للبلاد لأنها عاصمة الصناعة، في حين يعتبر الدمشقيون أن دمشق هي عاصمة السياسة والتجارة والصناعة.

وتعاني حلب مدينة الصناعة السورية من عدم وجود كهرباء واعتمادها على الأمبيرات، وصعوبة تأمين مدخلات إنتاج المعامل ونقل البضائع بين المحافظات ما دفع كثير من صناعييها إلى الهجرة بدلاً من إعادة تأهيل وتشغيل معاملهم المدمرة.

وعندما خرج الشهابي في لقاء مع التلفزيون السوري مع المذيعة ربى الحجلي وتحدث عن معاناة حلب، أقيلت ربى من الإذاعة والتلفزيون من قبل مدير الهيئة، لكنها عادت بتدخل بعض الوساطات التي لم يتم ذكرها.

حملة إقصاء ملفتة بدمشق

بعد المعركة التي انتصرت بها غرفة تجارة دمشق وغرفة صناعة دمشق وريفها ووزارة الاقتصاد، أقصي عدد كبير من رموز غرفة التجارة بدمشق من المكتب التنفيذي بقرار وصف بغير القانوني من قبل وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، وأبرزهم ياسر اكريم الذي أصبح عضواً بمجلس الإدارة دون مهام ومحمد حلاق الذي عيّن بدلاً عنه وسيم قطان ليصبح الحلاق عضواً فقط دون مهام.

بدأت الخلافات تحتد ضمن الغرفة بعد الانتخابات التي أجريت قبل موعدها وفقاً لـ”صحيفة الوطن” التي من المفترض أن تتم كل 4 سنوات، حيث يحق للوزير تعيين 6 أعضاء ويتم انتخاب 12 عضو لمجلس الإدارة، وكشف مصدر في الغرفة أن المكتب التنفيذي الجديد للغرفة شكّله شخص واحد، وهو أحد أعضاء مجلس الإدارة، بعدما أعلن صراحة من قبل أنه يريد استبعاد أسماء معينة، وتم ذلك بموافقة وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك.

ومن الواضح أن الإشارة هي لوسيم قطان، خاصة وأن كريم هو من بنى مول قاسيون واستثمره ليأتي قطان بعده ويحصل على عقد استثماره قبل انتهاء عقد اكريم، ويعتبر القطان مقرباً من وزارة التجارة الداخلية ووزارة الأوقاف حيث حصل أيضاً على عقد استثمار لمجمع يلبغا علماً أنه لا يملك أي سجل أعمال أو تجارة قبل الحرب.

وأضاف المصدر لـ”الاقتصادي” الذي لم يذكر اسمه، أن 5 أعضاء من الأعضاء الستة الذين يختارهم الوزير كممثلين في الغرفة عن القطاعين العام والخاص، لم يوافقوا على طلب الوزير بعزل عضو مجلس الإدارة ياسر اكريم الذي أشار الموقع إلى اسمه بالأحرف الأولى، فقام بتغييرهم والإبقاء على عضو واحد منهم، وبعدها، تم اختيار أعضاء المكتب التنفيذي بناء على أسماء محددة ومقترحة من قبل أحد أعضاء مجلس الإدارة، ويرجح أنه وسيم قطان لكن الموقع لم يذكره.

وتابع المصدر “للأسف، جرت العادة أن يتم اختيار عضو مجلس إدارة الغرفة بناء على شعبيته وشهرته في الوسط التجاري، وحسب قدرته على شراء عدد أكبر من الأصوات، وليس بناء على الكفاءات والمؤهلات”.

وقالت مصادر لصحيفة الوطن، أن الدورة الانتخابية مدتها في القانون 4 سنوات ولا يجوز خلال هذه الفترة أن تتم إعادة الانتخاب، بينما تمت الانتخابات بإجراءات قانونية لكن بشكل غير قانوني وبشكل ملتو وبتوصية من وزير التجارة الداخلية عمرو سالم.

وأشار مصدر إلى “وجوب توفر بعض المعايير في أعضاء مجلس الإدارة لا سيما المكتب التنفيذي، كالشهادة العلمية والقدرة على فهم القوانين والتشريعات وتقديم المقترحات، وامتلاك الخبرة في أمانة السر والخبرة بإدارة أموال الغرفة، لما لذلك من أهمية”، بينما لم يتوفر ذلك في الأعضاء الجدد في إشارة إلى قطان الذي بات أميناً للسر.

وصادق وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك عمرو سالم مؤخراً، على نتائج انتخاب أعضاء المكتب التنفيذي لغرفة تجارة دمشق، التي بقي فيها محمد أبو الهدى اللحام رئيساً، فيما تم تعيين عرفان دركل نائباً أول له، ومحمد الخطاب نائباً ثانٍ، ووسيم القطان أميناً لسر الغرفة، وزاهر شرباتي خازناً، وعماد القباني وزهير داود أعضاءً في المكتب التنفيذي للغرفة.

وقبل التعديلات الجديدة، كان المكتب التنفيذي للغرفة مكوناً من محمد أبو الهدى اللحام رئيساً، ومنصور أباظة نائباً أول له، وعبد الله نصر نائباً ثانٍ، ومحمد الحلاق أمين السر، ومازن حسن الخازن، وعماد القباني ووسيم القطان أعضاء.

وبعد القرار، توجه وزير التجارة إلى حلب واجتمع مع فارس شهابي حيث نشر الأخير على صفحته “اجتماع مثمر جداً مع الدكتور عمرو سالم وزير التجارة الداخلية اتسم بكل شفافية ووضوح و ايجابية.. وتأكيد على التعاون المطلق مع الوزارة بما يخص تخفيض كلف الإنتاج و طرح أفضل وأرخص المنتجات في الأسواق مع توفر مادة المازوت خلال أيام”.

يذكر أن فارس شهابي خسر انتخابات مجلس الشعب الأخيرة بعد أن كان عضواً فيه، في حادثة سببت بلبلة في الشارع، حتى أن الشهابي نفسه لمّح إلى وجود لوبي ضده في دمشق، مشيراً إلى تعرضه لمؤامرة خبيثة على حد تعبيره، وقال “الرسالة كانت واضحة، إما الطاعة العمياء لمنظومة الفساد المتنامية، أو الإقصاء والعقاب”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.