أرامل العراق: ماذا تفعل السلطات لحماية النساء من الاضطهاد الاقتصادي والاجتماعي والجنسي؟

أرامل العراق: ماذا تفعل السلطات لحماية النساء من الاضطهاد الاقتصادي والاجتماعي والجنسي؟

ارتفع عدد أرامل العراق بشكل كبير. نتيجة الحروب والعمليات الإرهابية والاقتتال الداخلي الذي شهدته البلاد. وتشير الاحصاءات شبه الرسمية إلى أن عدد النساء العراقيات اللواتي فقدن أزواجهن تجاوز المليون والنصف مليون امرأة.

طابور طويل من أرامل العراق يقف كل يوم أمام الدوائر الحكومية، للحصول على تعويضات مالية. تساعدهن على الانفاق على عائلاتهن التي فقدت معيلها. إلا أن كثيراً منهن يشكين سوء الإجراءات الحكومية. وغرقها في الروتين والبيروقراطية. فضلاً عن تعرّضهن للابتزاز والتحرش الجنسي من متنفذين في تلك الدوائر. يساومونهن على أجسادهن مقابل إنجاز ملفاتهن التعويضية بأسرع وقت ممكن.

 

معاناة اقتصادية وتحرّش جنسي

“أم محمد”، البالغة من العمر ثلاثين عاماً، واحدة من أرامل العراق، فقدت زوجها في حرب تحرير مدينة الموصل من تنظيم داعش. واضطرت مع طفليها للعمل في جمع العلب الفارغة. مقابل الحصول على خمسة دولارات يومياً. نصفها يذهب للمأكل. ونصفها الاخر لأجرة المنزل.

وعند سؤالنا لها اذا كانت قد حصلت على مبالغ تعويضية أو مرتّب شهري من قبل الحكومة العراقية تجيب: «ذهبت إلى دائرة التقاعد، واللجنة المعنية بدراسة طلبات ضحايا الإرهاب. للحصول على راتب تقاعدي لزوجي المقاتل في إحدى التشكيلات الأمنية. إلا أنني لم أحصل على شيء، بعد عامين من المراجعة المستمرة للدوائر الحكومية».

وتابعت أنها «اضطرت للتخلي عن حقوق زوجها مثل كثير من أرامل العراق. ولجأت للعمل في جمع العلب الفارغة. بعد قيام أحد الموظفين بالتحرش بها جسدياً».

“سارة محمد”، فقدت والدها في إحدى تفجيرات العاصمة بغداد، وفشلت في الحصول على حقوقه. لأنها تعرّضت أيضاً للتحرش. مما اضطرها للعمل في محل تجاري لبيع العطور، مقابل ثلاثمئة دولار شهرياً. لا تكفي لسد حاجتها الشخصية. بحسب حديثها لموقع «الحل نت».

وتضيف: «الحياة المعيشية قاسية على الجميع، فما بالك بحال أرامل العراق، والنساء والفتيات اللواتي فقدن معيلهن. خاصة أن والدي ترك لي ثلاثة أخوة صغار. وأم لا تقوى على العمل. الأمر الذي دفعني لترك دراستي الجامعية. وكل أحلامي وطموحاتي».

وتختتم حديثها بالقول: «بعض الموظفين في الدوائر الحكومية عبارة عن ذئاب بشرية. ينظرون لنا نحن النساء على أننا فريسة، لا تقوى على المواجهة. وهم يستقوون على أرامل العراق والفتيات اللواتي لا سند لهن. وكأن غياب الرجل من حياة المرأة يعني أنها باتت مستباحة».

 

الاستيلاء الأهلي على حقوق الأرامل

وإلى جانب المعاناة في الدوائر الحكومية تعاني بعض أرامل العراق من الاضطهاد الاجتماعي من قبل ذويهن. إذ يستولي بعض رجال العائلة أو العشيرة أحياناً على التعويضات التي تدفعها الحكومة العراقية للنساء اللواتي فقدن معيلهن.

وتكشف “منى جعفر”، المحامية بمركز “تدريب وتطوير الأرامل”، عن «قيام بعض الأهالي بالاستيلاء على ما تحصل عليه  كثير من أرامل العراق من مستحقات وتعويضات مالية. مقابل السماح لهن بالبقاء في بيوت أهاليهن».

وتتابع الحقوقية العراقية في حديثها لـ«الحل نت»: «استيلاء رجال العشيرة أو العائلة على حقوق قريباتهن الأرامل من المشاكل الكبيرة، التي تواجهها نساء العراق. وهي ممارسة لها سند اجتماعي. إذ لا يمكن لأحد الاعتراض على ما يقوم به الرجال بحق النساء اللواتي يمتن لهم بصلة قربي. ولا يوجد للأسف رادع قانوني يحمي النساء من سطوة الأهل».

وتشير إحصائيات أولية، صادرة عن وزارة التخطيط العراقية، إلى أن أعمار أرامل العراق تتراوح بين خمسة عشر وثمانين عاماً. وأن موجة الترمّل الأولى، التي شهدتها البلاد. بدأت منذ ثمانينيات القرن الماضي. نتيجة الحرب العراقية الإيرانية  (1980-1988). وحرب الخليج الثانية (1991). أما الموجة الثانية فبدأت بعد إسقاط النظام العراقي السابق. فقد ترمّلت مئات آلاف النساء نتيجة الاقتتال الطائفي. والعمليات الإرهابية، التي نفذها تنظيم القاعدة. ومن ثم اجتياح تنظيم داعش لكثير من المدن العراقية. وممارسات الميلشيات الولائية بحق الأهالي في المناطق المحررة.

 

أبناء أرامل العراق قنابل موقوتة

وعلى الرغم من الثروات الطائلة في البلاد إلا أن الاهتمام الحكومي بأحوال أرامل العراق يكاد يكون معدوماً. منذ 2003 ولغاية الآن. مما يهدد بخطر محدق. يعرّض الأمن القومي نفسه إلى الخطر في المستقبل. كما ترى “سهام الشجيري”، الأكاديمية والناشطة في مجال حقوق النساء.

“الشجيري” تقول لموقع «الحل نت»: «مئات المليارات دخلت ميزانيات الحكومات العراقية المتعاقبة منذ عام 2003. ولغاية اليوم لم تخصص منها المبالغ اللازمة لرعاية أرامل العراق والنساء اللواتي فقدن معيلهن. وهذا الإهمال سينشئ جيلاً جديداً من العراقيين الذين فقدوا آباءهم. وتم إذلال أمهاتهم على أبواب الدوائر الحكومية. ما سيولّد كثيراً من النقمة ضد الدولة والنظام السياسي. وقد يدفع كثيرين من أبناء ذلك الجيل للتطرّف».

وطالبت “الشجيري” البرلمان العراقي الجديد بـ«وضع دراسات دقيقة. تتضمّن الأعداد الحقيقية لأرامل العراق وأولادهن. لتخصيص المبالغ اللازمة لمعونة هذه الشريحة التي تعدّ بالملايين. وإدخال أفرادها في مشاريع إنتاجية وخدمية».

من جهتها تدعو “لمى حسين”، الناشطة في مجال حقوق النساء، إلى ضرورة «تمكين أرامل العراق والنساء اللواتي فقدن معيلهن. من خلال دعمهن بمشاريع صغيرة. لأن راتب الرعاية الاجتماعية الذي تتقاضاه النساء، إن صُرف لهن أصلاً، لا يكفي على الاطلاق».

“حسين” دعت، في حديثها لموقع «الحل نت»، جميع الأطراف السياسية العراقية لـ«الاعتراف بخطورة انتشار واتساع ظاهرة أرامل العراق، اللواتي يعانين من الإهمال وسوء المعاملة. والعمل على تأمين الحياة الكريمة لهن ولأبنائهن. كي لا تشهد البلاد مزيداً من الحروب والتوترات الاجتماعية والإرهاب. ما سيولّد بدوره مزيداً من الأرامل والأيتام».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.