منذ الأشهر الأولى من الحرب السورية والتي بدأت في ربيع 2011، حاولت طهران أن تجد لنفسها موطأ قدم داخل البلاد، وسعت جاهدا لإثبات أنها لاعب أساسي من الناحية العسكرية لحل النزاع بين أطراف الصراع بالقوة على حساب فصائل المعارضة، فقدمت دعما كبيرا للقوات الحكومية خلال العشر سنوات الأخيرة، وسرعان ما انتشرت عشرات الفصائل والميليشيات على رأسهم الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني في مختلف المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية، ولا سيما في مناطق دير الزور وحمص والجنوب السوري.

ولم يقتصر انتشار إيران في سوريا على الجانب العسكري فقط، بل توسع النفوذ الإيراني حتى باتت طهران تتدخل في المجالات التجارية والاقتصادية وحتى في الطاقة والاتصالات، سواء بعقود واتفاقات أبرمتها مع دمشق أو بطرق غير رسمية.

قد يهمك: بين تركيا وإيران.. “الخلاف الأبرز” في سوريا متى يحصل؟

النفوذ الإيراني

ويبدو أن الوجود الإيراني في سوريا، بات يقلق إسرائيل إلى حد كبير على جميع الأصعدة، وخاصة كون تلك الميليشيات تهدد أمن إسرائيل القومي، فيما بدا من الواضح أن الوجود الإيراني في سوريا بات يقلق الروس أيضاً نتيجة تضارب المصالح وتقاسم الحصص في سوريا.

لذا، اعتبرت صحيفة (جيروزاليم) العبرية أن إخراج إيران من سوريا والمنطقة أصبح الهاجس الأكبر لإسرائيل، ووصفت الحالة على أنها مسألة حياة أو موت، مع إعادة قبول حكومة الرئيس السوري بشار الأسد في العالم العربي، فهي تسعى مع وروسيا إلى إخراج إيران ووكيلها “حزب الله” من البلاد.

للمزيد اقرأ: بعد الاتفاق الروسي الإسرائيلي.. هل انتهت مهمة إيران في سوريا؟

إيران.. خطر كبير في المنطقة

الباحث السياسي عصام زيتون، يرى في حديثه مع (الحل نت) أن مقال صحيفة (الجيروزاليم) ليس حالة خاصة، بل إن ما طرحه المقال موجود في جميع الصحف الإسرائيلية وتقارير مراكز الدراسات بالإضافة إلى تصريحات جميع المختصين والسياسيين من جميع الاتجاهات في إسرائيل، والتي تشير منذ سنوات، بحسب الباحث، إلى الخطر الكبير والتهديد الوجودي الناجم عن التمدد العسكري والنفوذ الطائفي الإيراني في سوريا، كجزء من المخطط الواضح لإحاطة  إسرائيل بميليشيات عقائدية تأتمر بأوامر إيران وتنفذ مشروعها على غرار جنوب لبنان وغزة.

أما بالنسبة لحكومة الأسد، يقول زيتون، إنها لا تعدو كونها جزء من هدا المشروع، وأما إعادة قبوله عربيا فهو أمر مبالغ فيه جدا ولا يتجاوز نطاق التحاليل السياسية والتسريبات الإعلامية.

الخطر والتهديد الإيراني يؤثر على الدول العربية كما يؤثر على إسرائيل، وقد بات الجميع على قناعة تامة باستحالة سلخ نظام الأسد عن إيران، وهذا هو الدافع الأكبر وراء التقارب العربي الإسرائيلي ومعاهدات السلام الإبراهيمي مؤخرا.

اقرأ أيضا: أسلحة إسرائيلية متطورة تستهدف النفوذ الإيراني بسوريا.. ماذا بعد ذلك؟

تنسيق إسرائيلي روسي بشأن إيران

فيما يخص التنسيق الروسي الإسرائيلي بشأن الوجود الإيراني في سوريا، يشير زيتون إلى أن الإسرائيليين ينقسمون بين من يعتقد بأن روسيا غير راغبة في كبح التمدد الإيراني في سوريا وتستخدم هذه الورقة للضغط لكسب أوراق ضغط إقليميا لابتزاز دول المنطقة وعالميا لإعادة أمجادها وموقعها كقطب سياسي وعسكري عالميا بعد انحسارها عقب تفكيك الاتحاد السوفييتي وحلف وارسو، وبين من يعتقد بأنها غير راغبة في ذلك ولنفس الأسباب، فقد تجاوز التذمر الإسرائيلي النطاق الإعلامي، وأصبح واضحا في تصريحات كبار السياسيين.

وكانت موسكو قد  تعهدت من خلال تسوية 2018 بإبعاد إيران مقابل إخلاء المنطقة الجنوبية في سوريا من تواجد أي قوى معارضة لنظام الأسد، فيما كانت المطالب الإسرائيلية ولا تزال هي إخراج إيران من كافة الأراضي السورية، إذ تعهد الروس بمنطقة آمنة بعمق 40 كم كخطوة أولى وطالبوا الإسرائيليون بعمق 100 كم، إلا أنه هناك إجماع إسرائيلي على عدم وفاء روسيا بأي من تعهداتها لهم.

اقرأ أيضا: أسلحة إسرائيلية متطورة تستهدف النفوذ الإيراني بسوريا.. ماذا بعد ذلك؟

حرب وشيكة متوقعة في سوريا قد تحدث في أي وقت، وجميع المؤشرات تدل على حتمية اشتعالها، لاسيما في ظل الإصرار الإيراني والتخاذل الروسي والتغاضي الأميركي الذي سمح لإيران بابتلاع العراق وتغاضى عن نقل قوافل المقاتلين والأسلحة عبر العراق إلى سوريا ولبنان وعبر الخليج العربي إلى اليمن، وفق زيتون.

وسبق ان ذكرت صحيفة (الشرق الأوسط)، أن ضابط كبير في سلاح الجو الإسرائيلي، أشار إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، اتفقا خلال لقائهما في سوتشي، على أهمية التنسيق المشترك والعمل معا لإخراج طهران من سوريا.

حرب على الأبواب

في حين، تنحصر المخاوف الأميركية من إيران في مشروعها النووي، إلا أن الإسرائيليون متوجسين من مشروع إيران الصاروخي ومشروعها التوسعي أيضا على حد سواء.

من جانبه، رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيامين نتنياهو، كان قد صرح في أواخر فترة حكومته بالقول: «سنمنع إيران من إكمال مشروعها ولو اضطررنا للإحتكاك بأميركا».

من جهته، يعتقد زيتون أن الحرب ليست وشيكة، بل هي بدأت بالفعل عام 2013 من خلال الغارات الجوية المتكررة على المواقع وقوافل الأسلحة الإيرانية في سوريا، وكذلك العمليات الاستخباراتية النوعية التي نفذتها إسرائيل داخل إيران.

في وقت، من الممكن لأية غارة إسرائيلية أن تكون شرارة انطلاق حرب إقليمية طاحنة، وهذا ما تضعه السلطات الإسرائيلية ضمن حساباتها قبل كل غارة.

على صلة: الأنفاق الإيرانية في دير الزور: بنية تحتية لسيطرة الميلشيات الموالية لإيران على شرقي سوريا

الملف النووي هو الحكم

الباحث السياسي طالب دغيم، يعتقد أن أي تصعيد ضد إيران يتوقف على مسار المفاوضات بخصوص الملف النووي الإيراني في فيينا.

ويشير دغيم لـ(الحل نت) إلى أنه في حال انتزع الأميركيون تنازلات من إيران تتعلق بالتخصيب سيطلقون يد إيران في سوريا، حينها سيكون لها كلمة عليا.

لكن في حال تعثرت المفاوضات سيتغير التفاهم، ويميل الغربيون نحو الضغط والعقوبات الاقتصادية، وإعطاء إشارات لإسرائيل لتضييق الخناق على طهران في سوريا.

ومن الوضح أن الأمر له رهانات كثيرة، لكن يحددها مصالح المتداخلون في الصراع، وعلى رأسهم الأميركيون والروس.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.