تمويل حزب الله: كيف أصبحت سوريا المركز الأساسي لإمبراطورية الحزب المالية؟

تمويل حزب الله: كيف أصبحت سوريا المركز الأساسي لإمبراطورية الحزب المالية؟

تعتبر مسألة مصادر تمويل حزب الله اللبناني من أكثر القضايا إثارة للجدل والأسئلة. فالحزب، الذي يعتبر من أهم الحلفاء العسكريين للحكومة السورية في حربها منذ عام 2011. والذراع الإيراني الأبرز في دول الشرق الأوسط، تكبّد في الآونة الأخيرة ضربات عدة على المستوى المالي والاقتصادي، من قبل الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي. عبر توسيع نطاق العقوبات الدولية عليه، وعلى الشركات الداعمة له.

التدخّل في سوريا كان من أهم مصادر تمويل حزب الله. فقد سخّر إمكاناته وعناصره لاستغلال تشرذم البلاد وضعف السلطة. كما أنشأ لنفسه استثمارات طويلة الأمد. عوّضت خساراته المالية. وأزماته المتعددة في لبنان، الذي يعاني من الانهيار الاقتصادي.

أحد النواب اللبنانيين، رفض نشر اسمه لأسباب أمنية، كشف لـ«الحل نت»، أنّ «القيمة التقديرية السنوية لإيرادات الحزب من عملياته في سوريا تقدّر بنحو خمسين مليار دولار. جلّها تذهب لتغطية مصاريف الحزب وعائلات مقاتليه. سواء داخل البلاد أو خارجها».

ما مصادر التمويل التي خسرها حزب الله؟

سعى حزب الله منذ تأسيسه عام 1982 إلى إنشاء نظام مالي دولي. عبر الاستفادة من الشبكات العالمية للممولين المتعاطفين معه وشركاتهم. وبسبب العقوبات الأميركية مؤخراً باتت مصادر تمويل حزب الله في خطر. ما جعله ينظر إلى سوريا بوصفها طوق النجاة.

ومن أهم الخطوات الأميركية لتجفيف مصادر تمويل حزب الله إدراج وزارة الخزانة الأميركية لـ”مؤسسة الشهداء” في خانة العقوبات. وهي مؤسسة أسستها إيران عام 1983. وتعتبر من أهم مؤسسات الحزب. وذراعه الاقتصادي، الذي يخدم عناصره. ويؤمن لهم ولعائلاتهم الدعم المالي. بإنفاق وصل إلى مئة مليون دولار أميركي شهرياً.

وتندرج “شركة أطلس” القابضة في المرتبة الثانية بين الشركات التجارية المملوكة لحزب الله. والتي أُنشأت من قبل “مؤسسة الشهداء”. برأسمال أولي قدره ثلاثين مليون دولار. بهدف توسيع القدرة المالية للحزب. كما إنها شركة متخصصة في إدارة شركات ومشاريع الأدوية والوقود.

وتتملك “أطلس” نحو إحدى عشرة شركة. متخصصة في تجارة الوقود وتشغيل محطات الغاز والأدوية والمعدات الطبية والمستشفيات والمعاهد التعليمية والطبية. على سبيل المثال شركات “شهد فارم” للأدوية. “الأمانة للوقود”. “الأمانة بلس لتسويق وتوزيع الوقود والمنتجات النفطية”. “الطبيب”. “ميديك للتجهيزات الطبية”. “الكوثر لتصنيع وبيع الملابس”. “الخدمات السياحية العالمية”. وأيضاً “ميراث الإعلامية”،  التي تعمل في إنشاء وتشغيل محطات الراديو والتلفزيون عبر الأقمار الصناعية. ونشر وإنتاج الأفلام والبرامج التلفزيونية والإذاعية والخدمات الإعلانية وإنشاء المواقع الإلكترونية. و”سانوفيرا فارم” الدوائية. و”كابيتال لإدارة محطات الوقود،” و”سيتي فارما لتجارة الأدوية”، والتي اتُهمت في عام 2012 بتجارة المخدرات وترويجها. وكل هذه الشركات معرّضة للعقوبات الأميركية.

كما تم تصنيف بنك “جمال ترست”. وشركاته: “ترست للتأمين”. “ترست للتأمين على الحياة”. “ترست لخدمات التأمين”، بوصفه بنكاً إرهابياً عالمياً من قبل وزارة الخزانة الأميركية. وفقاً للأمر التنفيذي رقم 13224. ما أدى لإغلاقه في أيلول/سبتمبر/أيلول 2019، وكان يعتبر الخزينة الرئيسية لأموال الحزب.

تجارة المخدرات أهم مصادر تمويل الحزب

بعد إعلان الحزب رسمياً في عام 2013 تدخّله عسكرياَ في الحرب بسوريا. ووقوفه مع الحكومة السورية بقيادة الرئيس السوري بشار الأسد. تم تصنيفه منظمةً إرهابية لدى مجلس التعاون الخليجي، وجامعة الدول العربية. ما أوقع مصادر تمويل حزب الله في أزمة كبيرة،  بدأ الحزب على إثرها بتوسيع قاعدته الاستثمارية في سوريا. من أجل رفد خزينته المتآكلة بالأموال.

ووفقاً لـ”توفيق الحجي”، القيادي السابق في “جيش اليرموك” التابع للمعارضة السورية، فقد «عبّد الحزب في سوريا خمسة طرق. من أجل إنشاء تجارته الخاصة في سوريا، التي لن تحاسبه عليها الحكومة السورية. بعد كل الدعم الذي قدمه لها».

ويشير “الحجي”، المنحدر من بلدة “الطيبة” بريف درعا، في حديثه لـ«الحل نت»، إلى أنّ الحزب «عزز تجارة المخدرات في الجنوب السوري. بعد سيطرة الحكومة السورية على درعا وريفها. فنقل صناعة المخدرات من ورشها في لبنان إلى داخل سوريا، عبر الشريط الحدودي. ويشرف على هذه الصناعة القيادي في الحزب “الحاج حسين”».

وبات لدى الحزب في درعا ما يقارب خمسة عشر مصنعاَ. ينتج فيها أقراص “الكبتاغون”. فيما تنتشر بقية مصانعه من منطقة القصير بريف حمص، وصولاً إلى مناطق القلمون بريف دمشق. وبالرغم أنّه لا يمكن تقدير حجم مالي دقيق لتجارة المخدرات في سوريا. إلّا أنّ كمية المخدرات التي دخلت الأردن عبر الحدود السورية عام 2020 قُدرت بنحو أربعين طنًّا من الحشيش. وأكثر من ثلاثة وثمانين مليون حبة “كبتاجون”. بقيمة تصل لنحو نصف مليار دولار. ما يجعل تجارة المخدرات أحد أهم مصادر تمويل حزب الله.

لعبة الحواجز والاتجار بالبشر

إلا أن مصادر تمويل حزب الله في سوريا لا تقتصر على المخدرات. فمع انتشار الحزب في كافة المناطق السورية. ولا سيما الحدودية. إضافة لتجنيده كثيراً من الشباب في مختلف المناطق. استطاع بناء نظام متكامل لتحصيل الإتاوات من المواطنين السوريين.  

وكشف “حسين المكحل”، عضو الحزب المنحدر من مدينة درعا، لموقع «الحل نت»، أنّ «الحزب فرض إتاوات على المدنيين المارين عبر حواجزه. والحواجز التابعة للجيش السوري، التي تقع تحت حمايته. فيما فرض إتاوات تحت مسمى “الحماية” على بعض التجار والمزارعين».

وتظهر هذه الصورة، التي سرّبها “المكحل” للموقع، نصيب الحزب من حاجز الطريق الدولي حمص- دمشق (M5). والذي بلغ أسبوعياً ثلاثين ألف دولار. كما يشير عضو الحزب إلى أنّ «الدخل الأسبوعي لحزب الله من جميع الحواجز، والذي يشرف على تحصيله القيادي في الحزب “الحاج علي السيد”، يتجاوز أربعمئة ألف دولار».

كما يوضح “المكحل” أنّ «الحزب لم يكتف فقط بفرض الإتاوات والحماية. إنّما شكّل شبكة تهريب من جنوب سوريا حتى تركيا. وأيضاً إلى لبنان. وتقدّم هذه الشبكة خدمات التهريب حتى للمطلوبين بقضايا للحكومة السورية أو للخدمة الإلزامية. وتتقاضى  عن الفرد نحو ألفي دولار. لإيصاله إلى المحطة التي يريدها. ما يجعلها أيضاً من أهم مصادر تمويل حزب الله».

السيطرة على العقارات

قبل اندلاع الاحتجاجات في سوريا عام 2011 لم تكن القوانين السورية تسمح للعرب أو الأجانب بالتملّك العقاري في البلاد. لكن القرار رقم 11. الصادر في عام 2011. سمح للأجانب يتملّك جميع أنواع العقارات.

هذه الفجوة، التي أتاحتها الحكومة السورية، أمّنت مزيداً من مصادر تمويل حزب الله. فحسب صحيفة “إندبندنت” البريطانية «وسّع الحزب نفوذه في سوريا من خلال شراء العقارات والاستيلاء على الأراضي. خصوصاً عند الحدود مع لبنان».

وتشير تقارير صحفية إلى أنّ الحزب «استطاع الاستحواذ على نحو ثمانمئة وخمس وسبعين قطعة أرض في ضواحي دمشق. وثلاثمئة وخمس عشرة شقة في مناطق مختلفة. كما امتلك العناصر المتنفذون في الحزب، مطلع العام الجاري، أكثر من ثلاثمئة وسبعين قطعة أرض حول منطقة الزبداني. وتمكّنوا من شراء ما لا يقل عن مئتين وخمسين قطعة أرض في منطقة “الطفيل” الحدودية».

 المحامي “عبد الرحمن المفعلاني” قال لـ«الحل نت» إنّ «هذه المعلومات غير مفاجئة. ولكنها لافتة للغاية. فهي تشير لمدى توسّع مصادر تمويل حزب الله. وكذلك إلى نيته تثبيت وجوده في سوريا، لا سيما قرب الحدود مع لبنان، للإشراف على عمليات نقل السلاح والتهريب».

أزمة الطاقة في لبنان مصدراً للتمويل

يعاني اللبنانيون من واحدة من أكبر الأزمات الاقتصادية في تاريخهم. والتي أدت إلى اضطرار  بعض المستشفيات والمخابز، وغيرها من الخدمات الأساسية، إلى الإغلاق أو تقليص خدماتها. بسبب انقطاع التيار الكهربائي. والشح البالغ في الوقود.

حسن نصر الله، أمين عام حزب الله، استغلّ مؤخراً أزمة الوقود التي عصفت بالبلاد. كما فشل الحكومة اللبنانية في حلها. لجلب حوالي ثلاث ناقلات محمّلة بالنفط الإيراني إلى لبنان. مستخدماً ميناء بانياس السوري لتفريغها. ووصلت آخر الناقلات في السادس من تشرين الأول/أكتوبر الفائت. بحسب ما نقله موقع تتّبع حركة السفن “TankerTrackers”.

ووفقاً لتصريحات النائب اللبناني لموقع «الحل نت» فإنّ «تكلفة الباخرة الواحدة لم تتجاوز مليوني دولار. فيما تجاوزت أرباح الحزب من الفيول الإيراني نحو عشرة ملايين دولار أميركي للباخرة الواحدة. ما يجعل الناقلات الإيرانية مصدراً جديد من مصادر تمويل حزب الله».

وعلى الرغم من محاولة المجتمع الدولي تجفيف مصادر تمويل حزب الله، إلا أنه أبدى مرونة كبيرة. كما أظهر قدرة على تنويع مصادره المالية، بطرق أغلبها غير شرعية. وتندرج في إطار الجريمة المنظّمة. ويبدو أن تدخّل الحزب في سوريا حمل له ما هو أكثر من المكاسب السياسية والأيديولوجية. فالبلد الذي أرهقته الحرب بات النقطة المركزية في إمبراطورية الحزب المالية. الممتدة حول العالم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.