أفسح الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، نهاية آب/أغسطس الماضي، الطريق أمام حركة “طالبان”، لاستعادة حكم البلاد بعد عقدين من الزمن، عقب فرار الرئيس أشرف غني وانهيار الجيش الأفغاني خلال وقت قياسي.

يقول خبراء، إن عودة حركة طالبان تشكل تهديدا للحقوق المدنية والسياسية للأفغان، المنصوص عليها في الدستور الذي أنشأته الحكومة السابقة، إلا أنَّ استعادة حركة “طالبان” الحكم لم يرافقه رفض عالمي على أرض الواقع، فيما كان الموقف الذي واجهته أوروبا صادماً جراء عدم تنسيق واشنطن لعملية الانسحاب معها.

أربعة عقود دامية

عانى الأفغان من النزاعات المسلحة في بلادهم منذ عام 1979، عندما شهدت البلاد حربا أهلية أدت إلى موجة كبيرة من اللجوء خاصة نحو جارتها الجنوبية باكستان، تعرضت خلالها البلاد لغزو من الاتحاد السوفياتي، عندما كانت الأخيرة في سباق نحو المياه الدافئة ومصادر النفط في العالم، إبان الحرب الباردة مع الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي أعقاب أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001، شكّلت واشنطن تحالفاً دولياً لملاحقة زعيم تنظيم “القاعدة” الإرهابي، أسامة بن لادن.
وفي ذلك الوقت، كانت القاعدة وطالبان عاجزتين عن مواجهة التحالف الدولي المكون من 40 دولة، مما دفع بالحركة إلى التوجه نحو وادي شوال المقابل لإقليم وزيرستان الباكستاني، الذي يربط قبيلة البشتون الأفغانية بأقرانها في جنوب باكستان، وبالتالي؛ فإن هذا الالتحام يُعد امتدادا لطالبان الأفغانية مع طالبان الباكستانية. إلا أن الإطاحة بحكم “طالبان” واجتثاثها كان هدف الإدارة الأمريكية، نظراً لإيواء بن لادن حينئذ.

طالبان في سطور

وتعليقاً على نشأة طالبان، الحركة الاسلامية من ناحية أيديولوجية، وطبيعة القومية البشتونية، يقول الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، حسن أبو هنية، إنَّه «في المرحلة الأولى من الغزو السوفياتي كانت الأحزاب تقاتل في صفوف الجماعات الإسلامية، مثل الحزب الإسلامي، والجمعية الإسلامية، لكن بعد دحر الاتحاد السوفياتي سرعان ما حصلت اختلالات في أفغانستان، وبالتالي؛ تمكنت “طالبان” من تصدر المشهد بقيادة مؤسس الحركة “الملا عمر” مرتكزةً على قومية البشتون التي ينتمي لها نصف الشعب الأفغاني».

وأضاف، في حديثه لموقع “الحل نت”، إنَّ «الحركة كانت تستند فقهياً للعلم الشرعي، مثل مدراس اليوبندا التاريخية ذات العقيدة “الماتريدية” وهم أي “طالبان” سرعان ما صعد نجمهم في عام 1994، رغم معارضتهم وقتئذ من تحالف الشمال بقيادة أحمد شاه مسعود، إلا أنَّ الدعم الإقليمي من خلال جهاز المخابرات الباكستانية، كان كفيلاً بسيطرتها على 90 بالمئة من البلاد».

وتعقيباً على الأجنحة داخل حركة طالبان، قال أبو هنية، «هناك أجنحة عديدة، مثل الجناح القندهاري، وجناح “الملا عمر”، وشبكة حقاني التي كان يقودها جلال الدين حقاني وهي الآن بقيادة ابنه سراج الدين وأنس حقاني، المدعومة من باكستان».

وأما الباحث في فكر الجماعات الدينية، مصطفى زهران، فيرى خلال حديثه بأنَّ «حركة طالبان تتبنى رؤية إسلامية أصولية وتعتبر أفغانستان “إمارة المؤمنين” كمقابل للدولة الحديثة».

وتعود تسمية طالبان إلى (طلاب العلم) بلغة الباشتو، حيث انطلقت الحركة في بداية تسعينيات القرن الماضي من قلب المعاهد الإسلامية السنّية، مما مهد الطريق لطالبان لتطبيق الشريعة في مناطق القومية البشتونية التي تمتد من جنوب باكستان إلى الشمال من أفغانستان.

ومن هذا المبدأ، جمعت طالبان بين الحامل القومي بانتمائها إلى قبيلة البشتون، والحامل الديني المذهبي من خلال تطبيق مفهومها الصارم للشريعة الإسلامية.

ملامح مشروع طالبان الإسلامي والسياسي

في بحثه الذي يحمل عنوان “سوسيولوجيا حركة طالبان الأفغانية المتشددة وتشكلاتها الفكرية: ملامح مشروعها الإسلامي والسياسي ومحددات العمل الجهادي”، الذي يعود لـ زهران، يظهر فيه إحصائيات توضح الوضع الديموغرافي في أفغانستان، حيث يشكل «المسلمون السُنّة يشكلون 90 بالمئة من تعداد سكان أفغانستان، إضافة لوجود أقلية شيعية تقارب الـ 10 بالمئة، والباقي من الهندوس والسيخ والمسيحيين، فيما تتنوع العرقيات والإثنيات في الداخل الأفغاني وتتوزع على النحو التالي؛ بحيث يأتي البشتون في الصدارة بنسبة 42 بالمئة من مجموع السكان، يليهم الطاجيك 27 بالمئة، ثم الأوزبك، والهزارة الشيعة، والتركمان، والبلوش، وأقليات صغيرة أخرى».

وفي ضوء تلك الأرقام نستنتج إنَّ أفغانستان من الدول الاستثنائية في تنوعها التنوع الإثني والعرقي، لكنها بالمقابل، لم تستفد من تنوعها لتشكّل هوية وطنية جامعة في هذا البلد منذ استقلاله عن بريطانيا عام 1919. ويرى الكثيرون أن هذه التركيبة السكانية تجعل من الصعب على أي مكون مهما كان تعداده فرض خصوصيته، لأنه سيواجه معارضة كبيرة من الآخرين. ولكن التاريخ يقول إن البشتون والطاجيك كانوا الثقل الأكبر في صناعة القرار السياسي للبلاد.

متفقاً مع الخبير أبو هنية، تحدث الباحث أحمد الرمح لـ “الحل نت”، عن نشأة طالبان في مدارس الديوبند (معاهد شبيهة بالأزهر في الهند) حيث كانوا يدرسون هناك المذهب الحنفي والعقيدة الأشعرية.

وكان مؤسس “طالبان”، “الملا عمر” يتمتع بسمعة طيبة بين القوميات الأفغانية، وهو ما جعل الناس هناك يثقون به وبأعضاء الحركة.
وأردف الرمح، إنَّه «لا يمكن إغفال الخلافات التي وقعت بين جماعة “أحمد شاه مسعود” الملقب (أسد بانشير) وهو حنفي أشعري، وتنظيم القاعدة ذو العقيدة السلفية بسبب مخالفتها الاتفاق الذي نص على أنَّ وجود القاعدة في أفغانستان، من أجل تنظيم المجاهدين العرب فقط، وليس للمكوث والعمل المسلح، الأمر الذي كلفه حياته باغتياله من قبل القاعدة حينئذ».

مختتما حديثه بالقول، «إذا ما انتهجت حركة طالبان أسلوباً مغايراً عن أسلوبها السابق في إدارة البلاد، لن تتمكن من حكم أفغانستان، لأن طبيعة القوميات والإثنيات هناك باتت مختلفة عن السابق».

حكومة طالبان 2021

في أيلول/سبتمبر 2021، أعلنت حركة طالبان عن حكومة مؤقتة تتكون من قادة راديكاليين، ويُعرف النظام باسم “إمارة أفغانستان الإسلامية”، وسبق أن قالت طالبان إنَّ الحكومة سيقودها زعيم ديني وتستمد شرعيتها من رجال الدين، ولم تذكر الحركة أي شيء حول إجراء انتخابات في المستقبل، كما تخلو حكومتها من النساء أو من ممثلين عن النظام السابق.

أما في ظل الحكومة السابقة المدعومة من الولايات المتحدة، كانت أفغانستان جمهورية إسلامية يقودها رئيس وتستمد شرعيتها من الانتخابات العامة وفقًا للقوانين والأعراف الدولية.

علاقة طالبان بالقوى الجهادية الأخرى

في فترة ما قبل دخول القوات الأمريكية لأفغانستان، وهنا القول لـ مصطفى زهران، «طفت على السطح ظاهرة “الأفغان العرب” الذين كانوا أكثر ارتباطاً بوجهة النظر السلفية، فضلا عن قربهم من الجامعات الجهادية المنظمة، مثل الجهاد، والجماعات الإسلامية في مصر، والإسلاميين الجزائريين، وغيرهم، حيث حفزت الحرب في أفغانستان على تعزيز الجهاد العابر للحدود، وتنوع أنماطه الراديكالية».

الخبير حسن أبو هنية، «لم يخفِ العلاقة الجيدة التي كانت تربط طالبان بالجماعات الجهادية الأخرى، مؤكداً في الوقت نفسه، أنه عبر التاريخ كانت القومية البشتونية هم الحاكمين الفعليين لأفغانستان.

لكن اليوم طالبان مضطرة للتحالف مع القوميات الأخرى الأقل عدداً بهدف تحسين صورتها من ناحية، ومن ناحية أخرى، لكسب ود المجتمع الدولي لمد يد العون لها، في ظل التحديات الاقتصادية والأمنية التي تعاني منها أفغانستان».

ويعد تنظيم خرسان التابع لتنظيم “داعش” الإرهابي الذي تشكَّل في 2014 وأُعلن عنه رسميا في كانون الثاني/يناير 2015 التحدِي الأكبر بالنسبة لطالبان، وهو تنظيم من مجموعة حركات جهادية منشأها أفغانستان وباكستان.

غير إنَّ جميع الحركات الإسلامية في أفغانستان، قامت بمبايعة “طالبان” فور سيطرتها على العاصمة كابول، بما فيها الإيغور والأوزبك وطالبان الباكستانية والبلوش.

ولا يخفى أنَّ ارتباط طالبان بتنظيم القاعدة ما يزال قائماً، لكن اتفاق الدوحة شباط/فبراير 2020 أكد على ألا تكون أفغانستان نقطة انطلاق لأي هجوم محتمل على المصالح الأمريكية، كي لا تخسر السلطة كما حصل ما بعد أحداث أيلول/سبتمبر 2001.

التحديات الكبرى تُقيد طالبان

ترتكز أهم التحديات التي تنتظر حركة “طالبان”، في مواجهة تردي الأوضاع الاقتصادية والأمنية، بالإضافة إلى تخلي المجتمع الدولي عنها في الوقت الحاضر، لحين مراقبة سلوك الحركة ومدى ضبطها للقوى الانفعالية الجهادية، لا سيما تنظيم خراسان.

ما يزال المستقبل مجهولاً بالنسبة لحركة “طالبان”، رغم عدم وجود منافس محلي أو رغبة دولية بدعم تشكيل جديد، وهو ما قد يؤدي إلى صراعات داخلية تؤثر على دول جوار أفغانستان، مثل الصين وباكستان وروسيا، إضافة إلى إيران التي تربطها حدود برية مع أفغانستان تصل حتى 945 كيلو متر، وبالتالي؛ ولذلك يبدو أنها تحاول بناء علاقات جيدة مع الحركة للحيلولة من انهيار الوضع الأمني في أفغانستان، مما سيؤثر سلباً على جميع دول الجوار.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.