داخل دير سوري كان قد دنسه تنظيم “داعش”، يقف مطانيوس دلول وحيدا بجانب المذبح المحطم. هو الرجل، البالغ من العمر 62 عاماً، وهو واحد من 20 مسيحياً بقوا في بلدة القريتين بوسط البلاد من بين مجموع 900 مسيحياً كانوا موجودين فيها قبل عام 2011.
حاملاً صليباً على جسده بين أكوام من الحجارة، صلى ابن الرعية الوحيد من أجل حياة طويلة من أجل بقايا طائفته المتضائلة والتي لم يبق منها أحد دون سن الأربعين.

ويقول دلول، في تقرير نشره موقع “عرب نيوز” باللغة الإنكليزية، وترجمه موقع “الحل نت”، مشيرا إلى ما تبقى من جدران دير مار إليان “الأعياد بحاجة إلى أناس، إنها بحاجة للشباب والفتيات، وليس فقط لأكوام من الحجارة. الناس هم الذين يولدون بهجة العيد، وإذا لم يعودوا، فلن يكون هناك فرح”. ويوضح دلول، الذي هاجر أبناؤه الثلاثة إلى أوروبا وكندا، إن آخر مرة احتفلت فيها كنائس القريتين بعيد الميلاد كانت في عام 2015، قبل وصول تنظيم “داعش” الإرهابي.

لقد كان يُنظر إلى بلدة القريتين في محافظة حمص على أنها رمز للتعايش بين الطوائف المسيحية والمسلمة التي عاشت معا لقرون قبل سيطرة التنظيم على المنطقة في عام 2015. ودمّر التنظيم الإرهابي دير مار إليان للسريان الكاثوليك العائد للقرن الخامس، وخطف مئات المسيحيين الذين اُحتجزوا في زنزانة تحت الأرض في الصحراء لمدة 25 يوما قبل إطلاق سراحهم.

وقد مرت ست سنوات منذ أن أُبعد تنظيم “داعش” من البلدة، لكن معظم المسيحيين الذين فروا لم يعودوا، ومن بقي منهم ليس لديهم لا كنيسة ولا كاهن يلجؤون إليه في موسم الأعياد هذا. ويقول دلول موضحا: “الآن، لا توجد كنائس مفتوحة، ولا كاهن للإشراف على قداس عيد الميلاد”.

ودلول ليس الوحيد ممن عبّر عن خيبة أمله، حيث يقول بسام دباس إنه ليس لديه قريب واحد في سوريا، وبالتالي يقضي عيد الميلاد بمفرده، حيث يعمل في ورشة صغيرة لإنتاج دبس العنب. “لم يتبق لي أي شخص، لا أب ولا أم ولا أشقاء ولا زوجة. سأقضي العطلة كما لو أنها أي يوم آخر، أو أي يوم عمل آخر”، يتابع دباس البالغ من العمر 61 عاماً.

وكان دباس قد عاد إلى القريتين هذا العام لاستئناف تجارة الأسرة في إنتاج دبس العنب في ورشة صغيرة يتم فيها تخمير العنب وطبخه. لكن انقطاع التيار الكهربائي المستمر يجعل الطبخ تحديا، وهو يحاول الحفاظ على الحد الأدنى من مستويات الإنتاج على الرغم من الصعاب.

وخارج منزله، يكون الشارع خاليا، حيث لا تزال آثار حكم التنظيم الإرهابي واضحة على الجدران المليئة بالحفر في المباني المجاورة، ومعظمها مهجور. ويقول دباس ورائحة الدبس تملأ الأجواء من حوله: “لقد أصبحت الأعياد مختلفة تماماً منذ وصول تنظيم داعش الذي أدخل الحزن في نفوس الناس. لقد رحل التنظيم، ولكن الحزن باق لم يرحل”.

داخل منزل سميرة خوري، تتدلى حبات المسبحة الحمراء من صليب ذهبي صغير موضوع على طاولة خشبية، وشمعة حمراء واحدة مضاءة بجانب صورة ليسوع ومريم العذراء، حيث لا توجد زينة عيد الميلاد. وقد كانت السيدة، البالغة من العمر 68 عاما، وشقيقاتها الثلاث من بين عشرات المسيحيين الذين اختطفهم تنظيم داعش واحتجزهم في العام 2015.

“منذ ذلك اليوم، اختفت السعادة تماما من منزلنا”، تقول خوري وهي جالسة بجوار المدفأة. فبدون أقارب أو جيران للاحتفال معهم، ترى السيدة الستينية بأن لا طعم للسعادة، والأعياد لم تعد كما اعتادوا عليه. “لا شيء يشبه السابق”، تتابع السيدة خوري.

من جانبه، يقول فيليب عازار، وهو يلقّم موقداً صغيراً بالحطب، إن حزن الفقد أفسد عيد الميلاد مرة أخرى. ويتذكر الرجل، البالغ من العمر 49 عاماً، والذي يعيش بمفرده في منزل من 10 غرف، كيف كان بيته يعج بالأقارب، قائلاً: “غادرت عائلتي وتوفي أصدقائي”.

ويتابع عازار، الذي لم يضع أي زينة لعيد الميلاد منذ اندلاع الحرب في سوريا عام 2011، إنه سيقضي العطلة بالقرب من مدفأة منزله. وربما قد يدعو صديقاً يبلغ من العمر 80 عاماً لتناول كأس من النبيذ، ولكن هذا فقط إذا كان بصحة جيدة بما يكفي لزيارته. ويختتم عازار حديثه بالقول: “شجرة عيد الميلاد مخبأة في صندوق منذ 2011. لمن يجب أن أفتحه؟ كيف احتفل بمفردي، بدون أشقائي وجيراني وأصدقائي؟”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.