يثير مستقبل الإسلام السياسي في سوريا كثيراً من التساؤلات. خاصة بعد سنوات من الحرب السورية، التي لعبت فيها القوى الإسلامية دوراً كبيراً. سواء في صفوف المعارضة. عبر الفصائل المسلّحة المتشددة والجهادية، والتواجد القوي للحركات الإسلامية في هيئات ومؤسسات المعارضة السياسية؛ أو في صفوف الحكومة السورية، التي لعبت الجماعات المتشددة الشيعية، الموالية لإيران، دوراً كبيراً في استمرارها بحكم البلاد.

لا يمكن الحديث عن مستقبل الإسلام السياسي في سوريا دون الرجوع إلى سياقه التاريخي. فقد كانت الأحزاب السياسية في البلاد بالقرن الماضي في حالة من التملّمل والتحفّز نحو تغيير الأوضاع السياسية والاجتماعية. إلى أن جاء التغيير على يد العسكر. ضمن سلسلة انقلابات. انتهت بسيطرة الأسد الأب على الحكم. الذي بنى سلطته بالحديد والنار. ومن ضمن الأحزاب والحركات التي عارضته لعبت القوى الإسلامية المسلّحة دوراً كبيراً. ما أدى لمجازر فظيعة ضد المدنيين. ارتكبها الأسد الأب بدعوى محاربة الإسلاموية.

مع بداية الحراك الشعبي في سوريا عام 2011 عاد الإسلام السياسي إلى الواجهة. وحاز قبولاً في أوساط المعارضين. بما أن كثيراً من الأحزاب اليسارية والقومية وقفت إلى جانب السلطة. مما جعل كثيراً من الناس يتجهون إلى الخطاب الديني، متأملين به الخلاص من مظالم الحكومة السورية. إلا أن تجربة حكم قوى الإسلام السياسي فيما يُعرف بـ”المناطق المحررة” لم يقل قمعية ووحشية عن ممارسات حكومة دمشق. بحسب ما يرى كثير من المراقبين.

فكيف يمكن تقييم العمل السياسي والعسكري للقوى الإسلامية بعد الحرب السورية؟ وما انعكاسات تجربة حكمها لبعض المناطق على مستقبل الإسلام السياسي عموماً في البلاد؟

موقع «الحل نت» التقى الكاتب والباحث “أحمد الرمح“، المختص بشؤون الإسلام السياسي، وصاحب عدد من المؤلفات بهذا الخصوص، للبحث عن بعض الإجابات.  

الناس ابتعدت عن الدين بسبب الإسلاميين

وحول سؤال مدى فشل ومستقبل الإسلام السياسي بعد ما يعرف بـ”الربيع العربي” يرى “الرمح” أن «هناك جواباً عاماً يتعلّق بالعالم العربي. وآخر خاصاً يتعلّق بسوريا. فقد خسر الإسلام السياسي السني في سوريا ومصر وتونس وليبيا. والإسلام  السياسي الشيعي في العراق واليمن ولبنان مصداقيته ومشروعيته، التي قامت على التظلّم من الأنظمة الاستبدادية والعسكرية. إلا أن سلوكه في الربيع العربي بيّن أنه استغل هذه المظلمة  لتحقيق مشروعه في الوصول إلى السلطة. وممارسة سلوكيات، جعلت الناس يصلون لحالة أسميها “الكفر الثوري”».

ويتابع “الرمح”: «أما الجواب الخاص عن مستقبل الاسلام السياسي في سوريا، المتمثّل بالفصائل المسلحة. فقد قاسى الناس بالمناطق المحررة الوجه الأكثر خشونة للإسلام السياسي المسلّح. وعايشوا سلوك الإسلاميين اللاأخلاقي. سواء عبر الانتهازية السياسية التي انتهجوها في التعامل مع قوى الداخل والخارج. أو عبر الممارسات القمعية التي ارتكبوها بحق معارضيهم. ومن خلال اشتراكهم في أعمال إجرام، كالقتل والخطف. والفساد الاقتصادي والمالي الذي غرقوا فيه. إضافة لتدخّلهم بحياة الناس وسلوكياتهم. ما جعل الإسلاميين مرفوضين من القاصي والداني. وعرف الناس أن مشروعهم عابر للوطنية. وسلوكهم أقرب لسلوك العصابات المسلّحة».  

صدمة الناس بالإسلام السياسي

الصدمة التي عاشها الناس بعد رؤيتهم لسلوك القوى الإسلامية سيكون لها، بحسب “الرمح”، «انعكاسات مهمة على مستقبل الإسلام السياسي. وتأثيرها سيكون سلبياً للغاية. لدرجة أننا أصبحنا نقرأ استطلاعات، تنظّمها مراكز دراسات عالمية، تؤكد أن كثيرين ابتعدوا عن الشعائر الدينية في العالم العربي. واذا كان لنا أن نتحدث بالعموم فهناك اليوم أكثر من أربعة ملايين ملحد في مصر مثلاً. أما فيما يسمى بالمناطق المحررة في سوريا فيؤكد كثير من شهود العيان أن الناس ابتعدوا عن الشعائر الدينية. بعدما رأوه من حكم المتدينين».

مقالات قد تهمك: الإسلامُ السّياسي السُّوري.. بين التَّشظِّي وغياب الطَّرح الوطني

ويستدرك الباحث بالقول: «لا أعني أن الناس تركوا الإسلام. وإنما فقط ابتعدوا عن مظاهر التديّن المبالغ بها. بعد أن عاشوا تحت أمرة أصحاب التديّن المغشوش، الذين يدّعون تمسّكهم بالإسلام. ويمثّلون الجانب الفظ الغليظ من الحالة الإسلامية».

مستقبل الاسلام السياسي في الحكم  

أمام هذا الواقع كان لا بد من السؤال عن مدى صلاحية الإسلام السياسي عموماً للحكم. “الرمح” يجيب أن «التجربة أثبتت أن الإسلام السياسي يمتلك بأساً شديدا في القتال. وبؤساً في الحكم. والوقائع تشير إلى أن مستقبل الإسلام السياسي، بوصفه جهة ذات مشروع سياسي صالح للحكم، لن يكون زاهراً. فالإسلاميون لن يكونوا صالحين لبناء أي نظام سياسي مستقر. لسبب مهم جداً، وهو تفريقهم بين أبناء الشعب الواحد على أسس دينية. وبالتالي فهم لا يمتلكون مشروعاً وطنياً. بل فقط قوة مسلّحة. ودعم بعض الجهات الإقليمية، التي فرضتهم على الناس».  

وعن علاقة الدين بالدولة. وهي أحد أهم المسائل المتعلّقة بسؤال مستقبل الإسلام السياسي، يرى “الرمح” أن «هناك عدة تصورات عنها. أولها المدرسة التقليدية للإسلام السياسي، التي ترى أن الدين يجب أن يهيمن على الدولة ومؤسساتها. بمعنى أن تكون هناك حكومة ثيوقراطية. تصبغ المؤسسات بصبغة دينية، وتراقب الدولة، وتوجّه المؤسسات. تماماً كما فعلت الفصائل الإسلامية في مناطق سيطرتها».

ويضيف: «المدرسة التنويرية ترى أن لا علاقة للدين بالدولة. ويجب أن يكون هناك ترسيم حدود بين الدين والسياسة. لأن الدولة كائن اعتباري لا يمكن أن يكون له دين. فلا يصح القول بوجود دولة إسلامية أو مسيحية أو يهودية. وعموماً الشخصيات الاعتبارية لا تتسم بدين مثل الناس الفعليين. فمن المضحك اعتبار شركة “سامسونغ” وثنية مثلاً لكونها كورية. أو فريق برشلونة لكرة القدم مسيحياً لأنه إسباني. كل هذه مؤسسات اقتصادية واجتماعية تقدم خدماتها للجميع بغض النظر عن الدين. وفي الدول الحديثة، التي يجب أن تكون دول مواطنة، لا يتدخّل الدين بعمل المؤسسات. ولا يجب أن توجد قوى سياسية تُسخّر الدين وتوظّفه لمصلحة مشاريعها السلطوية».

وحول جماعات الإسلام السياسي في الحكم، يختتم “الرمح” حديثه بالقول: «مستقبل الإسلام السياسي في الحكم لن يختلف عن بقية الأنظمة الاستبدادية في شرقنا البائس. بسبب محاولته فرض أيديولوجيا واحدة على الجميع. وجعلها مهيمنة على المؤسسات العامة. لذلك أكرر أنه يجب أن يكون هناك ترسيم حقيقي للحدود بين الدولة والدين».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.