إعادة هيكلة القوات النظامية السورية: هل ينجح الروس بتحويلها لمؤسسة عسكرية احترافية؟

إعادة هيكلة القوات النظامية السورية: هل ينجح الروس بتحويلها لمؤسسة عسكرية احترافية؟

إعادة هيكلة القوات النظامية السورية، بآليات جديدة في تجنيد المقاتلين وتأهيلهم عسكرياً، باتت مسعىً روسياً علنياً. فقد أعلنت مؤخراً شركة “المهمات الخاصة للحماية والحراسات الأمنية”، وهي شركة سورية تعمل لمصلحة الروس في مناطق سيطرة الحكومة السورية، عن توفير “فرص عمل” في مجال حراسة المنشآت النفطية في محافظة دير الزور. وطلبت المكاتب الأمنية، التابعة للفرقة الخامسة والعشرين- مهام خاصة، التي يقودها العميد “سهيل الحسن”، العمل على تجنيد خمسمئة مقاتل من الشبان في المحافظات، التي تُسيطر عليها الحكومة السورية. بُغية حراسة المنشآت النفطية في محافظة دير الزور أيضاً، وتدعيم الخطوط الخلفية في جبهات القتال بمحافظة إدلب. وفق تسريبات حصلت عليها صحيفة العربي الجديد.

وفي إطار جهودها في مجال إعادة هيكلة القوات النظامية السورية كانت روسيا قد شكلّت الفيلق الخامس-اقتحام، في شهر تشرين الثاني/نوفمبر عام 2016. الذي حظي بدعم لا محدود من قبل قاعدة حميميم مباشرةً. ويقدّر عدد عناصره بخمسة وأربعين ألف مقاتل. موزعين بين درعا والقنيطرة وأرياف دمشق حماة واللاذقية وحمص. وانضم “أحمد العودة” للفيلق بعد التسوية، التي رعتها روسيا جنوبي سوريا في تموز/يوليو 2018. بعد أن كان يقود مجموعة معارضة تعرف بـ”قوات شباب السنّة”. وأصبح قائداً للواء الثامن في الفيلق. وعمل وسيطاً لخفض التوتر بين القوات النظامية والأهالي في المحافظة.

 وتتعامل حكومة دمشق مع اللواء الخامس بحذر، نظراً لحماية روسيا له. وتنظر بعين الشك لاستقلاليته عنها. فهو يحتفظ بتسليحه وهياكله التنظيمية الخاصة. ويستطيع خوض المعارك، حتى إذا سحبت روسيا تعهداتها بالحفاظ على شروط الاتفاق معه. خاصة أنه يحظى بتأييد شعبي. باعتباره مشكّلاً من أبناء المناطق التي يتواجد فيها. ووقف ضد عمليات الاقتحام والاعتقال والسحب الإجباري للخدمة العسكرية.

ويتنامى الاعتماد على عناصر الفيلق في مدينة دير الزور بشكل خاص، وشرقي الفرات بشكل عام، في محاولات روسيا لجس النبض، وإثبات الوجود. وإرسال الرسائل لأميركا أنها لن تتراجع عن توسيع نفوذها في كامل المناطق السورية. بعد كبح جماح تركيا. وأسلوبها الأساسي في ذلك إعادة هيكلة القوات النظامية السورية.

إعادة الهيكلة ضرورة مفروضة على الروس

يرى كثير من المحللين العسكريين أن روسيا وجدت نفسها أمام واقع، يفرض عليها إعادة هيكلة القوات النظامية السورية. وذلك لعدة أسباب. أولها عدم قدرة وحدات القوات النظامية على القيام بأية مهام عسكرية، تتناسب مع قوامها البشري، وبنيتها التنظيمية والقتالية. والدليل على هذا ارتفاع نسبة الخسائر المادية والبشرية في صفوفها. فعلى سبيل المثال اضطرت روسيا لإعادة هيكلة  الفرقة الأولى- مدرعة في القوات النظامية. بعد تحوّل مناطق انتشارها إلى بقعة من الأرض، يتناثر فوقها العتاد المدمر وبعض نقاط الحراسة. ومن الأسباب أيضاً سعي الروس لضمان سيطرتهم في سوريا. والتحكّم المطلق في مجمل الحياة العسكريّة بالبلاد. 

إضافة لذلك جعلت مشكلة الخدمة الإلزامية من إعادة هيكلة القوات النظامية السورية ضرورةً قصوى. لأن زج الحكومة السورية لقواتها في مواجهة الاحتجاجات الشعبية، التي دخلت طور العمل العسكري. شكّل اختباراً حقيقياً للقوات النظامية وجاهزيتها القتالية. خاصة أن العقل الجمعي لغالبية السوريين يحمل اتجاهات عدائية تجاهها. بسبب تجاوزاتها وانتهاكاتها بحق المدنيين في ثمانينيات القرن الماضي من جهة. ولانتشار كافة ظواهر وشبكات الفساد والمحسوبية في وحداتها من جهة أخرى.  

ولذلك باتت ظاهرة التخلّف عن الخدمة الالزامية من الظواهر العصية على الحل في القوات النظامية. والمتخلّف  عن الخدمة حسب القانون السوري هو كل «من يتخلّف عن تلبية الدعوة للسوق دون عذر مشروع». ويعاقب بـ«القبض عليه أينما وجد. اعتباراً من تاريخ تخلّفه، وحتى إتمامه سن الثانية والأربعين». بناءً على أحكام المرسوم التشريعي رقم /30/ تاريخ 3/5/2007. المتضمن قانون خدمة العلم.

ماذا تبقى من الجيش السوري وما الظواهر السلبية التي تفتك بهم؟

ويأتي الفرار من الخدمة الإلزامية في مرتبة متقدمة من الظواهر السلبية، التي تفتك في جسد القوات النظامية. ويعتبر وسيلة دفاعية يتبعها المجندون. للتخلّص من الضغوط والمشكلات النفسية، التي يعاني منها الفرد في مكان خدمته. نظراً لعدم تكيّفه مع ظروفه السيئة. خاصةً مع سوء المعاملة التي يلقاها من القادة والضباط. الذين يقومون بممارسات مثل ابتزاز المجندين. وتعنيفهم معنوياً وجسدياً بالضرب والشتائم. وتعريضهم لضغوط مختلفة، مثل عدم مراعاة ظروفهم الصحية والاجتماعية.

كما تنامت ظاهرة “التفييش” في وحدات القوات النظامية. وتعني إعفاءً غير رسمي للمجند من واجبات الخدمة العسكرية، أو من دوامه في وحدته العسكرية، مقابل رشوة يدفعها للضابط المسؤول عنه. ووصلت إلى درجة صار فيها السوريون مثلاً يسخرون من الفرقة العاشرة، التي تنتشر في مدينة قطنا جنوب غربي دمشق، بالقول: «العاشرة داشرة». بسبب انتشار ظاهرة “التفييش” فيها.

وتعكس المراسيم التشريعية، التي يصدرها الرئيس السوري بشار الأسد، حجم تلك الظواهر وآثارها السلبية. التي تجعل إعادة هيكلة القوات النظامية السورية مهمةً ملحة. فالأسد مضطر دوماً لإصدار مراسيم بالعفو العام عن كامل عقوبة عدد من “الجرائم”، التي ارتكبها المكلفون بخدمة العلم. بقصد التملّص من الالتحاق بها بشكل مؤقت أو دائم. أو عن مرتكبي جرائم الفرار الداخلي والخارجي. وكان آخرها المرسوم التشريعي رقم “1” في آذار/مارس عام 2021..

موقع «الحل نت» اطلع على عدد من الوثائق والدراسات الصادرة عن “إدارة التوجيه المعنوي”، التابعة للقوات النظامية، التي تتحدث عن ظواهر سلبية، قد تجعل إعادة هيكلة القوات النظامية المهمة الأولى للروس، إذا أرادوا الاعتماد عليها عسكرياً. ومن أهم تلك الظواهر «انخفاض اللياقة البدنية لدى الضباط. وآفاق تطويرها». فضلاً عن تدني الانضباط العسكري. وتشير الوثائق إلى أن «”رئاسة هيئة الأركان العامة للجيش والقوات المسلحة” تعمل على إصدار أوامر وتوجيهات. لدراسة تلك الظواهر السلبية. ووضع السبل لتلافيها أو التقليل منها. نظراً لآثارها على الجاهزية القتالية للوحدات، والروح المعنوية للمقاتلين».

أساليب روسية لإعادة هيكلة القوات النظامية السورية

وفي سياق الحديث عن إعادة هيكلة القوات النظامية، وزيادة قدراتها وكفاءتها. يتحدث تقرير لمركز “مالكوم كير – كارنيغي للشرق الأوسط” عن أن «إعادة الهيكلة تُعد أمراً ضرورياً من وجهة النظر الروسية. فقد بدأت روسيا بإعادة تأهيل الوحدات المنهكة من المعارك. عبر هيكلة الفرقتين الأولى والثالثة- مدرعات، وبقية الفرق المدرّعة. وإنشاء وحدات جديدة، مثل الفرقة الخامسة والعشرين والفيلق الخامس. اللتين تعتبر تبعيتهما للجيش السوري شكلية».

وأفاد مصدر عسكري خاص لـ«الحل نت»، رفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، أن «إعادة الهيكلة القوات النظامية السورية، التي تقوم بها روسيا، تشمل العقيدة العسكرية للجيش. عبر تحويل الفرق العسكرية والألوية المدرّعة إلى فرق وألوية ميكانيكية. لأن الوحدات الميكانيكية أقدر على التعامل مع حرب المدن والشوارع من ألوية الدبابات». الأمر الذي اعتبره المصدر المذكور «من الدروس المستفادة للتدخّل العسكري الروسي، التي يعلن عن بعضها المسؤولون الروس بين الفينة والأخرى. تحسبّاً لأي اضطرابات قد تحدث مستقبلاً في سوريا».

الطائفية تصعّب مهمة إعادة هيكلة القوات النظامية

“مالك الكردي”، العقيد المنشق عن قيادة القوى البحرية في الجيش السوري، أكد لـ«الحل نت» أن «روسيا فشلت في محاولاتها خلق نوع من التوازن النسبي بين المكونات المجتمعية ضمن المؤسسة العسكرية السورية. لأن معظم ضباط الجيش ينتمون لطائفة واحدة. بينما لا تمثّل الأكثرية السنية نسبة تزيد عن 10%من ضباط الجيش وصف ضباطه. وانشق أكثر من نصف الضباط السُنة مع انطلاق الثورة. فيما تم زج جانب كبير ممن تبقوا في السجون والمعتقلات. أو تمت إحالتهم إلى التقاعد. ومنهم مَن تقدّم بالاستقالة هرباً من الوضع المأساوي، الذي يعيشه داخل المؤسسة العسكرية».

من جهته يقول العقيد “عبد الجبار العكيدي”، الخبير العسكري، في إفادته لموقع «الحل نت»، إن روسيا «تواجه جملة من الصعوبات في إعادة هيكلة القوات النظامية. تتمثل في البُنية الطائفية لتلك القوات. ما يجعل روسيا تعاني في اختراق الحالة الطائفية. في محاولتها لتحويل القوات النظامية إلى مؤسسة عسكرية احترافية».  

اختلاف عقيدة الروس العسكرية عن العقيدة الإيرانية

وأضاف “العكيدي”: «أسلوب عمل روسيا يختلف عن أسلوب عمل إيران في سوريا. إذ تحمل الأخيرة مشروعاً أيديولوجياً وطائفياً، يتعلّق بضرورة بقاء رأس النظام السوري بشار الأسد. وتقوم بشراء الولاءات وتشييع الناس، وبسط النفوذ من خلال ميلشيات طائفية. أتت بها من باكستان وأفغانستان ولبنان والعراق. مستفيدة من طغيان الهوية الدينية للشيعة في تلك البلدان على الهوية الوطنية. وبالتالي لا تهمها مسائل مثل الاحترافية والمؤسساتية، وتعمل بمنطق الميلشيات والطوائف. بينما تسعى روسيا لتحقيق مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية من خلال أساليب مؤسساتية، حتى لو كانت قمعية».

ويبقى النجاح الروسي في أداء مهمة إعادة هيكلة القوات النظامية السورية، بحسب العقيد “العكيدي”، «نجاحاً نسبياً. من خلال الابتعاد عن الوحدات التقليدية للقوات النظامية، التي تنخرها الطائفية والفساد وانعدام الكفاءة. وتشكيل وحدات عسكرية جديدة، مثل الفيلق الخامس. مع إلحاق فصائل الجيش الحر سابقاً به عبر المصالحات. كما في حالة “أحمد العودة” في درعا. أو “فيلق القدس”، الذي انقلب على القوات النظامية وإيران، وذهب باتجاه الروس».

مقالات قد تهمك: سباق إيراني روسي على كسب ولاء الجيش السوري

وفي الختام يتفق معظم من التقاهم الموقع على أن السعي الروسي في مجال إعادة هيكلة القوات النظامية السورية، وما لجأت إليه من تشكيل وتسليح وحدات جديدة، لا تتبع للقوات النظامية إلا شكلياً، كان أمراً ضروريا لموازنة نفوذ الميلشيات التابعة لإيران على الأرض. وسيطرتها المطلقة على اتخاذ قرار المعركة من عدمه.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.