من الحرب إلى “كورونا”، مسيرة طويلة خاضتها نساء سوريات داخل البلاد وفي دول اللجوء، وكثيرات منهن عملوا على مواجهة الضغوط النفسية وآثار الأزمات التي مررنا بها.

في ظل الأوضاع السيئة التي مرت على السوريات والسوريين خلال السنوات الماضية، أمنيا أو اقتصاديا، واجتماعيا بالمقام الرئيسي، لم يكن الحديث عن الصحة النفسية، رفاهية يحظى بها البعض، ولو أن انشغالات الحياة ومتطلباتها قد تكون أصعب من متابعة الحالة النفسية وتكلفتها المالية لكل امرأة سورية لا سيما في داخل البلاد.

كان من الصعب على كاريس أحمد، (اسم مستعار لسيدة أربعينية تقيم مع ابنتها في لبنان منذ 8 سنوات)، أن تتحدث عن أزمتها النفسية الحادة التي ما تزال تعاني من آثارها، في أي مركز دعم نفسي أسسته منظمات مجتمع مدني وهيئات دولية غير حكومية تدعم اللاجئين السوريين في لبنان.

تروي قصتها لـ”الحل نت”، فتقول “لقد كانت مرحلة مريرة بعد وفاة زوجي وأبنائي الثلاثة في سوريا، كنا نعاني وعائلتي اقتصاديا على مدار السنوات الطويلة قبل عام 2011. منزل مستأجر في عشوائيات محافظة دمشق لسنوات طويلة، ومصروفنا اليومي كان يؤرقنا دائما. بعد وفاة زوجي وأبنائي الثلاثة بقذيفة هاون سقطت في منزلنا، انتقلت إلى لبنان أنا وابنتي كنا بحالة نفسية سيئة جدا”.

وتضيف “أنا منهكة نفسيا منذ سنوات، أتحمل مسؤولية العائلة وعملت حتى في تنظيف البيوت بدمشق، لم تمر ليلة دون أبكي فيها، لم يسمعني أحد وكانت شكواي عن تعبي وارهاقي النفسي أنني غير صبورة وادعي المرض والمزاج السيء”.

منذ أن وصلت كاريس إلى لبنان كانت تريد أن تجد علاجا لاكتئابها الشديد، الذي كان يزداد يوما بعد يوم دون أن تستطيع أنت تجد لذلك سبيلا “في مجتمعنا الذي كنت أعيش فيه بسوريا كانت التي تراجع العيادة النفسية أو أن تقول عن نفسه مصابة بالاكتئاب، فإنها ستكون بحكم المختلة عقليا، فكيف هنا في لبنان لاجئة ومختلة عقليا، ما الذي سيحل بابنتي، من سيسمع لي بالأساس”.

متعددة هي الحالات الشبيهة بما مرت به كاريس، فوفق ما أفادت به المختصة النفسية، فرح الحساني خلال حديثها لـ”الحل نت” بأنه مهما كان وضع النساء الاجتماعي، الاقتصادي، التعليمي، فإن تقبل أمر التعرض لأي حالة أو مرض نفسي سيكون صعبا في البداية وقد يصل في غالب الأحيان إلى حد الإنكار. وتضيف الحساني “شريحة كبيرة من النساء السوريات لا تتحدث عن صحتها النفسية سواء للأقارب أو الأصدقاء، وهذا بطبيعة الحال يندرج على المجتمع السوري بالعموم، ذكورا وإناثا. المخيف أن هناك نسبة منهن تعتبر بحكم التنشئة الاجتماعية أن العلاج النفسي والصحة النفسية لا يجب الاهتمام بها، بل إن البعض تستخف بأهمية العلاج النفسي والصحة النفسية”.

كورونا واللجوء

لا يزال أثر جائحة “كورونا” مخيما على نواحي عدة في العالم، الاقتصادي منها بشكل أساسي، ولعل هذا الأثر ألقى بظلاله على اقتصادات الدول المستضيفة للاجئين السوريين، أو ساهم من جراء ذلك إلى فتح ملف اللجوء واستغلاله سياسيا من قبل اليمين الأوروبي المتطرف.

تقول سهام ملحم (اسم مستعار لجامعية سورية، أنهت دراسة الماجستير مؤخرا في ألمانيا لتخصص الكيمياء)، إنه ورغم اتقانها اللغة الألمانية واندماجها مع المجتمع الألماني، لكنها لم تتخلص بعد من تأثير الصراع السوري وما خلفه داخلها.

وتضيف “بعد كورونا تقريبا حُبست في المنزل، انهيت دراستي الجامعية المتقدمة، ولكن لم استطع العمل بتخصصي. أقوم بممارسة بعض الأعمال المأجورة عن طريق شبكة الإنترنت. كورونا أوقف مخططاتي، هذا الفيروس الذي يتسابق على إغلاق كافة مناحي الحياة. مذ كنت في سوريا كان لدي آمال كبيرة وطموحات عديدة، تحطمت رويدا رويدا، لا أعلم كيف. نحن قويات كنساء لوحدنا دون سلطة العائلة هكذا كنت أرى في سوريا، الآن لا أجد فرقا وأنا في عزلتي”.

لا يمكن تجاهل الضغوط النفسية التي لا تلبث أن تتحول إلى مرض يحتاج إلى جلسات معالجة طويلة الأمد في ظل وجود أزمات عاطفية ومهنية في بلدان اللجوء، فضلا عن الانتكاسات الاقتصادية والاجتماعية في داخل البلاد. وهنا لا يمكن استبعاد حضور الأفكار السوداوية، وفق الحساني.

يتسبب اللجوء لبعض الحالات المرور بحالات نفسية صعبة لاسيما لدى النساء بحسب ما أفادت به المختصة النفسية لـ”الحل نت”، فتكون ذكريات العنف التي حدثت مع صاحبة الحالة في سوريا، وفي أحيان أخرى الحنين إلى سوريا والأقرباء المقيمين فيها، وحتى القلق على الأسرة والأصدقاء هناك.

كذلك هناك ظروف ذاتية في بلدان اللجوء، كالعيش في ظروف صعبة، وعدم امتلاك المال الكافي، وعدم سهولة الحصول على السكن والطعام، فضلا عن الشعور بالوحدة؛ وحاجز اللغة أو الاختلافات الثقافية، فضلا عن الخوف من انتظار المستقبل، أو عدم القدرة على العمل بسبب الإجراءات الخاصة ببلدان اللجوء.

الصدمة النفسية

تعتبر الصدمة النفسية من الإصابات التي تتسم بشيء من التعقيد، وتقسم إلى ثلاث مراحل رئيسية، وهي؛ رد الفعل الأول تجاه الصدمة، حيث تبرز من خلال رد الفعل الأول تجاه الصدمة والذي قد يأخذ أشكالا عدة باختلاف طبيعة الصدمة التي تم التعرض لها ومستوى شدتها بالإضافة إلى طبيعة الشخص نفسه، ابتداء من ردود الفعل النفسية مثل البكاء أو نوبات الصراخ، وحتى الأعراض الجسدية مثل نوبات التشنج أو فقدان الوعي.

بينما تحدث ثاني مراحل الصدمة النفسية بعد مرور بعض الوقت على التعرض لها، رغم أن أعراض الصدمة النفسية بتلك المرحلة قد تكون أقل حدة إلا أنها قد تكون مؤشرا خطيرا على تفاقم الحالة، فتشمل الانعزال التام أو الجزئي عن المحيطين، وفقدان الرغبة في مزاولة أي نشاط، وتتنامى المشاعر السلبية مثل الخوف والقلق المفرط، وفي بعض الحالات قد يمارس المريض حياته بصورة شبه طبيعية ولكن الإصابة تبقى بدرجة من درجات الاكتئاب التي تستوجب تلقي رعاية متخصصة منعا لتفاقم الأمر.

وأما مرحلة ما بعد الصدمة، ففيها تصبح الأعراض أقل وضوحا وقد تعاود المريضة ممارسة حياتها بصورة طبيعية تماما لدرجة تدفع المحيطين للاعتقاد بأنها قد شُفيت تماما من أثرها، لكن الحقيقة تكون على النقيض تماما من ذلك، وتظل واقعة تحت وطأ الصدمة النفسية التي تعرضت لها.

يتم الاعتماد في علاج الصدمة النفسية بصورة رئيسية على جلسات العلاج النفسي وبالأخص العلاج السلوكي الإدراكي، فرغم أنه لا يمكن محو ذكريات الماضي الأليمة من العقل، إلا أن هذه الجلسات تهدف إلى تمكين المريض من السيطرة على مشاعره تجاه هذه الذكريات، وتقبل الواقع، والتمكن من مواصلة حياته مرة أخرى.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.