أكد المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسن، في تصريحات قبل أيام، أنه ماض في مقاربته للحل في سوريا والتي أطلق عليها اسم ” خطوة مقابل خطوة”، وذلك من أجل التقريب بين أطراف الصراع السوري، مشيرا إلى استعداد واشنطن وموسكو للانخراط فيها. وأوضح بيدرسن، أن الموافقة الأميريكية – الروسية للانضمام للمبادرة الجديدة جاءت بعد جمود سماه بـ” الاستراتيجي” في مسار الحل السوري لمدة سنتين، لم تتغير فيه خطوط الحل.

هل تشكل المقاربة بداية للحل في سوريا؟

يؤكد المبعوث الأممي بيدرسن أنه حصل على دعم كبير من مجلس الأمن الدولي للمضي في مقاربته لحل الأزمة السورية، وتتضمن المقاربة ” تحديد خطوات تدريجية ومتبادلة، وواقعية، ومحددة، وقابلة للتحقق، ويتم تطبيقها بالتوازي” بين الأطراف المعنية في الأزمة السورية، وصولا لتطبيق القرار 2254. إلا أن دمشق في وقت سابق، وعلى لسان وزير خارجيتها فيصل المقداد رفضت هذه المقاربة، دون أن تعلم تفاصيلها حسب بيدرسن الذي أوضح أنه يرغب بشرح المقاربة بشكل حقيقي لدمشق للانخراط فيها مع “هيئة التفاوض” التابعة للمعارضة.

يقول المحامي والكاتب السياسي حسان الأسود، لموقع ” الحل نت”، “لقد وصل الوضع في سوريا إلى مرحلة من الاستعصاء الواضح، فمن جهة يتعنت رأس النظام والمنظومة المستفيدة منه والمحيطة به، ومن جهة ثانية عدم كفاءة أشخاص وقيادات المعارضة التي تصدرت المشهد، بالإضافة لذلك فقد تم تدويل القضية السورية بشكل مبكر، حولت الساحة السورية لما يشبه صندوق بريد لتبادل الرسائل بين الأطراف الدولية والإقليمية، وسط تراجع واضح في اهتمام المجتمع الدولي بهذه القضية التي لم تتضح لها ملامح للحل حتى الآن”.

وأضاف الأسود، إنه وبصرف النظر عن كون هذه المقاربة ستحقق المطالب التي خرج من أجلها قسم كبير من السوريين، وبصرف النظر عن المأساة التي يعيشها السوريون حاليا، والخسائر التي نتجت عن حرب امتدت لنحو 10 سنوات، فإن الحل لا يمكن أن يتم إلا بأخذ مصلح جميع الأطراف المتنازعة، وهذا ما يجعل من هذه المقاربة مدخلا لحل للأزمة السورية لكنه لا يزال غير واضح المعالم.

ومن جهة أخرى، لم يتطرق بيدرسن خلال حديثه عن المقاربة، إلى الدور المهم الذي تلعبه بعض القوى الإقليمية على الساحة السورية، وخاصة إيران وتركيا وإسرائيل، والتي بات لها مصالح مختلفة في سوريا، وهي قوى فاعلة ومؤثرة في أي حل، إضافة لاستعداد حكومة دمشق للعمل على تعطيل أي حل يؤدي لخروجها من السلطة. ولكن بحسب الأسود، فإنه يمكن التقليل من دور هذه القوى الإقليمية ودور دمشق، فيما لو حصل توافق أميركي روسي حقيقي للوصول إلى حل حسب القرار 2254، والذي كان واضحا بمشاركة طرفي الصراع في سوريا لحل الأزمة برعاية أممية.

استثناءات المقاربة

المبعوث الأممي بيدرسن، استبعد أن تكون “الإدارة الذاتية” في شمال شرق سوريا جزءا من مقاربته، فهذه المقاربة تتم وفق القرار الأممي 2254، والذي شمل مجموعات معارضة محددة حسب تعبيره.

الكاتب والصحفي الكردي، محمد إبراهيم، قال لموقع ” الحل نت “، إنه في حال تم إشراك القوى الكردية في أية مفاوضات، فلن يتم ذلك إلا بقرار سياسي أميركي، مع تقارب في الوقت نفسه مع موسكو ودمشق، مشيرا إلى حالة الإنقسام الأميركية – الروسية فيما يتعلق بـ “قوات سوريا الديمقراطية” و”الإدارة الذاتية”، فروسيا تريد منهم تقديم تنازلات، والولايات المتحدة لا ترغب بوجود تقارب بينهم وبين دمشق، بحسب تعبيره، مضيفا أن هذه القوى تدفع ثمن هذا الإنقسام ببقائها خارج أي حل حتى الآن.

إلا أنه، وحسب إبراهيم، سيتم إشراك هذه القوى الكردية في أي حل في مرحلة ما في المستقبل وذلك لأهمية وجودها، فهي تسيطر على ثلث الأراضي السورية، ومعظم الثروات الهامة، كما تمتلك قوات عسكرية كبيرة ومهمة.

هل تشبه مقاربة بيدرسن سلال ديمستورا؟

تعددت المبادرات للمبعوثين الأممين لحل الأزمة السورية خلال السنوات الماضية، فقد سبق وأن أعلن المبعوث الأممي السابق ستيفان ديمستورا عن مبادرة السلال الأربع لحل الأزمة السورية، والتي تناولت القضايا الخاصة بإنشاء حكم غير طائفي يضم جميع السوريين، والقضايا المتعلقة بوضع جدول زمني لمسودة دستور جديد، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة بإشراف أممي بعد وضع الدستور، ووضع استراتيجية لمكافحة الإرهاب والحوكمة الأمنية وبناء إجراءات ثقة متوسطة الأمد بين الأطراف. ولكن ديمستورا فشل في كل السلال عدا سلة صياغة الدستور، والذي انبثقت عنها اللجنة الدستورية التي عقدت عدة اجتماعات لم تتمكن من خلالها من التوصل لأي اتفاق حول دستور جديد.

ويعتقد الكاتب السياسي حسان الأسود، أن مقاربة بيدرسن تتشابه مع سلال ديمستورا، من حيث محاولتها تفتيت القضية السورية وحلحلة خيوط التشابك المعقدة، مشيرا إلى أن هذه المقاربة وسلال ديمستورا ليسا سبب تراجع اهتمام المجتمع الدولي بالأزمة السورية، بل كانتا نتيجة له، من خلال ترك الساحة السورية لحكومة دمشق وحليفها الروسي، وهذا ما سبب الاستعصاء الرئيسي للحل في سوريا، بالإضافة إلى عشرات الخطوط الحمراء التي تم تجاوزها ما أدى لتشكل عقبات عديدة في وجه حل عادل للأزمة.

ما يزيد عن عشر سنوات من الحرب والصراع في سوريا حولها لأزمة مزمنة، تتشابك فيها الكثير من الخيوط الدولية والإقليمية، تحولت فيها سوريا إلى ساحة لتصفية العديد من الحسابات، مع وجود تعنت كبير وخوف لدى دمشق وحلفائها بخاصة الإيرانيين للتوصل إلى حل وفق قرار مجلس الأمن الدولي 2254، والذي يمكن أن يسبب تغيير النظام الحالي أو حتى تحجيمه، لتبقى كل المبادرات الأممية حتى الآن بمثابة أمنيات وتطلعات سياسية، لم ينتج عنها أي حل لأزمة يدفع السوريون فقط ثمن استمرارها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.