الحراك الشعبي في السويداء: لماذا حضرت العصابات وغابت النخب؟

الحراك الشعبي في السويداء: لماذا حضرت العصابات وغابت النخب؟

انطلق الحراك الشعبي في السويداء من قرية “نمرة”، الواقعة في الريف الشرقي للمحافظة. فقد احتج الأهالي على الوضع المعيشي، وعدد من إجراءات الحكومة السورية. وتصاعدت المظاهرات إلى درجة إغلاق الطرق والمؤسسات الرسمية. ومنع الموظفين من الالتحاق بوظائفهم. وصولا لمظاهرات عارمة في مركز مدينة السويداء، لتحقيق سلة مطالب حياتية. وسط محاولة من الأجهزة الأمنية والشرطة للتدخل. إلا أنها سرعان ما انسحبت بعد تلقيها تهديدات بالرد المباشر.

الحراك الشعبي في السويداء “كسر حاجز الخوف”، كما قال أحد قادة الفصائل المسلّحة في المدينة لـ”الحل نت”. وأضاف أن “الخوف في البداية كان من ردة فعل السلطة، بعد التعزيزات الأمنية الكبيرة، وحضور سرية التدخل السريع في السويداء، وتوزيع عناصر ملثمة في مباني فارغة، والتهديد بالقتل في حال تم إغلاق أي شارع. إلا أن المواطنين خرجوا من بيوتهم، بعد أن تسرب لهم شبح الجوع بصورة غير محتملة. مترافقاً مع شح في وسائل التدفئة، وانفلات العصابات الأمنية على أرزاق الناس”.

وأشار قائد الفصيل، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، ولعب دورا مهما بتنظيم حركة الاحتجاجات والاعتصامات، بالتعاون مع مختلف فصائل المدينة، إلى أن “التصعيد بدأ من الأرياف، التي قطع أهلها الطرقات، وصولاً إلى طريق دمشق-السويداء، وكافة الطرق المؤدية إلى مدينة السويداء”. مؤكداً على “أهمية هذه الخطوة، حتى لو أدت إلى تعطيل مصالح بعض المواطنين. وعدم وصول الموظفين إلى دوائرهم”.

رغم كل هذا تطرح كثير من الأسئلة عن الحراك الشعبي في السويداء، خاصة مع تخلّف النخب المعروفة في المحافظة، من مثقفين وزعامات تقليدية، عن المشاركة به. فما الأسباب الأساسية لذلك؟ وما سقف المطالب التي يرفعها المحتجون؟ وما دور العصابات في الحراك الأخير عموما؟

ما موقف النخب التقليدية من الحراك الشعبي؟

يعتبر الحراك الشعبي في السويداء فريدا من نوعه. فقد تجمّع مئات الأشخاص في “ساحة السير” وسط المدينة، التي تضمّ عدداً كبيراً من مؤسسات الدولة، والجامع الكبير، ومركز قيادة الشرطة. وكانوا من مختلف التيارات والاتجاهات. يتقدّمهم قادة الفصائل المحلية؛ وعدد محدود من المعارضين المعروفين، والمثقفين، وناشطي المجتمع المدني؛ وكتلة كبيرة من الفقراء؛ مع حضور لافت لرجال الدين مع أعلام طائفية.

ولكن بحسب وليد المغربي، الناشط المدني، كان “بطلا المشهد سليم حميد وراجي فلحوط، وهما من رؤساء العصابات المرتبطة بالأجهزة الأمنية، التي تقوض السلم الأهلي في السويداء”. وهذا، بحسب المغربي، “ركوب خطير من قبل العصابات على الحراك السلمي، الذي يهدف لتحقيق مطالب حياتية، أهمها الكرامة الإنسانية”.

ولاحظ الناشط، في إفادته لـ”الحل نت”، “غيابا كليا لحركة رجال الكرامة، أكبر فصائل السويداء، بشكل متعمد عن المشاركة في الحراك الشعبي في السويداء. إضافة إلى مشايخ العقل والوجهاء التقليديين”.

وأشار إلى “تحركات للمنغمسين الجدد (عناصر تتبع لحزب الله اللبناني) والملثمين وعناصر حزب البعث في كافة مناطق المحافظة. بمساندة من إعلام السلطة، وهو ما يهدد بمواجهة حتمية لا نعرف عواقبها“.

هل تم اختراق الاحتجاجات أمنيا؟

الناشط الإعلامي ثائر عبد الحق يرى أن “عدم مشاركة حركة رجال الكرامة في الحراك الشعبي في السويداء يعود لأسباب خاصة بالحركة. فهي مع الحراك، ولكن على طريقتها الخاصة. وسوف يظهر تأثيرها في الفترة القادمة”. حسب تعبيره.

وأضاف، في حديثه لـ”الحل نت”، أن “مشاركة بعض أفراد العصابات في الحراك يعطي انطباعا أن هناك تعليمات أمنية للتصعيد، كي تتم إقالة الحكومة السورية الحالية الفاشلة. فيصبح الرئيس السوري بشار الأسد هو البطل المنقذ”.

ويؤكد عبد الحق أن “عدداً من قادة الحراك الشعبي واجهوا هذا السيناريو. فهتفوا في ساحة السير، مطالبين بسقوط السلطة. وأصدروا بيانا واقعيا عن المطالب الشعبية، جاء في معظمه خدميا. مثل الحل الجذري لملف المياه في المحافظة. وتفعيل الضابطة العدلية والقضاء. ورفع رواتب وأجور العاملين في مؤسسات الدولة. وفرض زيادة مماثلة للأجور لعمال القطاع الخاص، بمقدار لا يقل عن 200%. وإيجاد خطط واضحة وشفافة لتأمين المشتقات النفطية للمواطنين. وتأمين ضمان معيشي  وصحي لكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة”.

مقالات قد تهمك: مزيد من الوعود الوهمية.. الحكومة السورية تعد السويداء ودمشق بتحلية مياه البحر!

مبيّناً أن “البندين الأخيرين في البيان حملا كثيرا من الفكر الاقتصادي، الذي يضرب السلطة في الصميم. وهما وضع خطة طوارئ اقتصادية، تعيد إلى ميزانية الدولة الأموال التي حصلت عليها شركات الخلوي بطريقة غير قانونية منذ العام ٢٠١٤؛ ووضع اليد على أموال تجار الحرب. مثل “حسام القاطرجي”، و”سامر الفوز”. وكل من يثبت تورطهم بسرقة المال العام، لدعم ميزانية الدولة. واختُتم البيان بالقول إن سوريا غنية رغم كل ما حصل فيها. ومواردها متنوّعة. ولذلك فإن عدم وجود الموارد ليس حجة لتبرير سوء الأحوال المعيشية للمواطنين”.

ما موقف السلطة من الحراك الشعبي في السويداء؟

“كالعادة، لا تتحرك القوى الأمنية، إلا عندما يمس الحراك الشعبي في السويداء مؤسسة الرئاسة”، بحسب المعتقل السياسي السابق “ح. ر”. في إفادته لـ”الحل نت”.

مضيفاً: “دفعت السلطة بأعداد كبيرة من عناصرها بلباس عسكري أو مدني. كما انتشرت القناصات على سطوح المباني الخدمية منذ اليوم الأول للاحتجاجات”.

وأضاف: “مع تزايد الأعداد. وانتقال المحتجين إلى ساحة السير، حاول بعض المسؤولين والضباط تهدئتهم ومحاورتهم دون فائدة. فالمطالب لم تعد تقتصر على رغيف خبز. والكرامة الاجتماعية باتت أولوية”. لكن يبقى الخوف، برأي المعتقل السابق، أن “تلتف السلطة على الناس البسطاء، وتنهي الاحتجاج لصالحها. بعد أن تفرغه من مضمونه، بما لديها من عناصر وأدوات. وسط الغياب الكامل للنخب والزعامات التقليدية”.

مختتماً حديثه بالقول: “المحتجون تجمّعوا أمام مقام “عين الزمان”، الرمز الديني لطائفة الموحدين الدروز. ورفعوا لافتات تندد بفساد السلطة وهدر المال العام. وترفض أي تواجد أجنبي على الأراضي السورية. وهناك من رفع رايات وأعلاما دينية. وخلف هذه الصورة المتناقضة، يبدو واضحاً أن الحراك الشعبي في السويداء انطلق بصورة عفوية. وبدون تخطيط كافٍ أو قادة فعليين”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.