منذ أن سيطرت حكومة دمشق على أجزاء كبيرة من المحافظات السورية بفرض القوة والسلاح وبمساندة حلفائها كل من روسيا والميليشيات الإيرانية، بدأت بتتبع أسلوب خبيث وتروج لمشروعها بشكل غير مفهوم لا سيما وأنه غير ممكن التطبيق على الأرض بسبب الرفض الشعبي وعدم وجود البنى التحتية. ذلك المشروع يتمثل بطرح مسألة “التسويات الأمنية”، مع من تقول إنهم مطلوبون أو مسلحون أو متخلفون عن الخدمة العسكرية.

لماذا تصر دمشق على التسويات في هذا الوقت؟

تواصل الحكومة السورية عمليات التسوية الأمنية في مناطق عديدة وواسعة ضمن سيطرتها، في ظل رفض شعبي أو عدم مبالاة من قبل شرائح مختلفة من أهالي المناطق التي تريد دمشق إدخالها في مشروع “التسوية”، والتي سبق أن جرى تهجير أغلب سكانها عقب سيطرة حكومة دمشق مع حلفائها على هذه المناطق كـ ريف دمشق وحلب و دير الزور والرقة وغيرهم.

في تصريح لعضو مجلس الشعب، عبد الرحمن الخطيب، لإذاعة “شام إف إم” المحلية، في 8 من شباط/ فبراير الجاري، أوضح أن اللجنة الأمنية المعنية بمسألة التسويات في ريف دمشق بدأت في منطقة معضمية الشام، بعد أيام من الإعلان عن انطلاقها في منطقة الكسوة بريف العاصمة دمشق.

وقال الخطيب، إن التسويات لم يحدد لها ترتيب زمني، لكن سيتم الانتقال إلى مدينة التل وقراها، والغوطة الشرقية والزبداني ويبرود وقرى وادي بردى وجبال القلمون.


وحول إصرار دمشق على موضوع التسويات في هذا الوقت بالتحديد، يرى الباحث والخبير في الشؤون الأمنية والعسكرية في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، نوار شعبان، إنه قبل عام 2018 كانت العديد من المناطق التي تدعي عليها الآن الحكومة السورية وروسيا لموضوع التسويات، عبارة عن جبهات قتالية وبالتالي من الصعب إجراء التسويات حينذاك؛ حيث إن عملية إجراء التسويات حتما كانت ستزيد من خلل الواقع الأمني والعسكري لديه أبان عام 2018”.

وأردف الخبير في الشؤون الأمنية والعسكرية، في حديث مع “الحل نت”، إن الفكرة الأساسية لدى الجانب الروسي والحكومة كانت تتمثل في تأمين المنطقة عن طريق مبادرات ومصالحات وتسويات أولية ومن ثم إجراء تسويات عامة وهو ما فعلوه بالضبط في هذا الوقت”.

وبحسب شعبان، فإن الفكرة الأساسية لهذه التسويات، هي الترويج إعلاميا والتركيز على أن المعركة مع الإرهاب انتهت في هذه المناطق وحاليا تركيز الحكومة وروسيا على الإرهابيين في مناطق الخارجة عن سيطرته، في كل من إدلب والشمال الغربي، أما ما تبقى من المناطق فقد عادوا إلى حضن الوطن عن طريق تسوية عادلة وشاملة.
وأشار الباحث، إلى مدى قابلية السكان لهذه التسويات، لافتا إلى أن “الإقبال ضعيف وغالبية المقبلين عليه هم من الأشخاص الذين لديهم مشاكل وقضايا جنائية؛ وهم في الأساس من عناصر “الدفاع المدني” والعديد من الذين ليس لهم علاقة بالمعارضة والذين انتفضوا ضد الحكومة”.

وألمح المصدر ذاته إلى “لو أن المعارضة الحقيقية تقبل على تسويات الحكومة، فإنها حتما ستختفي في اليوم التالي، لأن هذا النظام لا أمان أو ثقة فيه”.


تاليا، فإن الحكومة وبدعم من الجانب الروسي سيستمرون بمسألة التسويات والترويج على نجاحها حتى لو في فشل بشكل واضح، بمعنى أن الهدف الأساسي هو إعطاء رسالة لكل المجتمع الدولي، بأن الحكومة في مرحلة جديدة، والمتمثلة في مرحلة عودة التآخي بين أفراد المجتمع السوري وهو أمر غير صحيح تماما.


فشل متوقع

منذ مطلع تشرين الثاني/نوفمبر العام الماضي، بدأت الحكومة بالترويج لعمليات التسوية، في محافظة دير الزور بمدينتي الميادين والبوكمال شرقي المحافظة، لتستقر في قرية الشميطية التي تبعد بضعة كيلومترات عن مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، وأيضا في المناطق الخاضعة لسيطرتها في الرقة والتي لاقت رفضا شعبيا واسعا.

في حين أن وسائل إعلامية، نقلت أنه وبعد أقل من شهرين على بدء العملية، ألغت الحكومة اتفاقات “التسوية” التي كان قد أبرمها في محافظة دير الزور بحضور ضباط أمنيين وعسكريين يترأسهم اللواء حسام لوقا رئيس إدارة “المخابرات العامة”.

واعتقل عدد من عناصر التسوية بعد مداهمة منازلهم في حيي الحميدية والعمال، بتهمة عدم التحاقهم في الخدمة العسكرية الإلزامية.كما أن درعا تعد بمثابة مثال واضح على فشل التسويات، حيث تشكل الحالة الأبرز لعدم الاستقرار التي تشكلت بعد عمليات التسوية، من فوضى أمنية من اغتيالات واعتقالات، حيث وثق “مكتب توثيق الشهداء في درعا” مقتل 15 شخصا من المدنيين والمقاتلين السابقين في عمليات اغتيال واستهداف مباشر بالرصاص خلال كانون الثاني/الفائت، بحسب بيان صدر مطلع شباط/فبراير الجاري.

وبالعودة إلى الباحث نوار شعبان، حول مدى فشل والمضمون الهش لموضوع التسويات، فإن الهدف الأساسي يخص مسألة الترويج لدى الحكومة لهذه المسألة، وهو إبراز نجاح التوجه الروسي والحكومة حول مسألة التسويات، ولكن رغم وجود تسويات لوضع فصائل كاملة، فقد كانت درعا مثال واضح على فشل قدرة الحكومة والروس بالوصول إلى ما يطمحون إليه ضمن هذا الإطار.

وأضاف: “مع ذلك صعدوا في نهاية عام 2021 وطبقوا مفهوم جديد في موضوع التسويات في جنوب درعا، والآن يطبقونه في باقي المحافظات أيضا، وسواء هناك إقبال أم لم يكن فسوف تستمر الحكومة في هذا الاتجاه في كل من بلدات زاكية وداريا ومعضمية الشام وغيرها من المناطق”.

ويختتم شعبان بقوله، إننا كمنصات معارضة وباحثين وخبراء، علينا الإشارة بالوقائع وبالتوضيح والتحاليل على عدم صدق هذه التسويات ومدى النوايا الخبيثة التي تقوم بها حكومة دمشق والجانب الروسي، وأن نثبت في قادم الأيام نسبة عودة النازحين إلى مناطق الحكومة، هل هم من المعارضين أم تركوا مناطق بسبب ولائهم للحكومة؟، لا سيما أن هناك بعض الإحصائيات ضمن تقارير دولية توضح كيف اعتقلت الحكومة الأشخاص الذين كانوا ضحايا لعمليات التسويات الأمنية، سواء من الداخل السوري أو من لبنان والأردن وغيرهم حين عادوا إلى سوريا.

قد يهمك: درعا.. نموذجٌ عن التسويات الفاشلة في سوري

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.