الاحتجاجات في السويداء: هل تدعم مشيخة العقل مطالب المحتجين أم تقف مع السلطة؟

الاحتجاجات في السويداء: هل تدعم مشيخة العقل مطالب المحتجين أم تقف مع السلطة؟

الاحتجاجات في السويداء جعلت مواقف مشايخ عقل طائفة الموحدين الدروز تتباين. بين داعم علني لمطالب المحتجين. ومن وقف على الحياد لمعرفة النتائج. فضلاً عن تبني عدد من الزعامات الدينية وثيقة خطيرة تدعى “قتيل العار لا دية ولا ثار”. وهو ما عزز الانقسام في المجتمع المحلي لصالح السلطات في دمشق، التي أرسلت تعزيزات عسكرية غير مسبوقة إلى المحافظة لإنهاء الحراك. مع دور واضح لروسيا في هذه الأحداث المتسارعة، وإيران التي شاركت في إرسال التعزيزات إلى الجنوب السوري، من خلال الميلشيات الموالية لها.

موقف الهجري من الاحتجاجات في السويداء

 اتهم عدد ممن خرجوا في مظاهرات العاشر من شباط/فبراير الشيخ حكمت الهجري، الرئيس الروحي لطائفة المسلمين الموحدين، بدفع أحد رؤوس العصابات المقربين منه للمشاركة في الاحتجاجات في السويداء مع مجموعته الكبيرة. الأمر الذي أثار حفيظة كثير من المعارضين والناشطين المدنيين، ودفعهم لترك ساحات الاحتجاج للمشايخ والفصائل المسلحة.
وبحسب مصدر مقرب من الشيخ حكمت الهجري فإن “رئيس العصابة، الذي اتُهم الشيخ بدفعه للمشاركة في الاحتجاجات، هو سليم حميد، قائد فصيل قوات الفهد، المتمركز في بلدة قنوات، التي يقطنها آل الهجري. وهي مقر مشيخة العقل الأولى في سوريا”.
وأضاف المصدر، الذي رفض نشر اسمه، أن “الشيخ الهجري علم بأن المحتجين لا يرغبون بوجود حميد في الاحتجاجات. فأمره بالانسحاب على الفور. علما أن الشيخ لم يعلم بالحراك إلا بعد قيامه. ولا علاقة له بمشاركة فصيل قوات الفهد فيه”.
وأكد المصدر لموقع “الحل نت” أن “الشيخ الهجري أعلن بشكل واضح وصريح أنه قلبا وقالبا مع الاحتجاجات في السويداء. ومع المطالبين بحقوقهم المشروعة التي كفلها الدستور، وضمنتها القوانين السورية. كما طالب الدولة بتنفيذ مطالب المحتجين السلميين بالسرعة القصوى. مؤكدا أن المطالب لا تعني أهالي السويداء فقط. بل كل السوريين”.

لعبة الكراسي بين المشايخ في احتجاجات السويداء

الناشط المدني داوود المصري قال لـ”الحل نت” إن “موقف مشيخة العقل من الاحتجاجات في السويداء حتى الآن لا يخرج عن موقف المشايخ المعروف، الذي يبدونه في الأوقات الحرجة. فهم يدّعون أنهم لا يتدخلون في السياسة. ومع ذلك يبرز موقف الشيخ حكمت الهجري منفردا بدعم حق التظاهر السلمي. معتبرا أنه حق يكفله الدستور”.
ويشرح المصري تعقيدات موقف شيخ عقل الطائفة الدرزية الأول بالقول: “إحالة الهجري إلى الدستور السوري، في دعمه للاحتجاجات في السويداء، تبدو وكأنها محاولة لإبقاء الخيط موصولاً مع السلطات، والحفاظ على الخطاب الدبلوماسي لمشيخة العقل. من جهة أخرى فإن عدم دعوته للمحتجين لترخيص مظاهراتهم، يبدو إعلانا صريحا بعدم اقتناع الشيخ بقوانين حكومة دمشق ومحدداتها”.
وأضاف الناشط، المهتم بالقضايا المحلية للطائفة الدرزية، أن “الصورة التي تظهر دائماً في السويداء تشبه أسلوب الصراع اليزبكي – الجنبلاطي في أوساط دروز لبنان. أي الصراع بين آل أرسلان وآل جنبلاط. فكل زعامة من هاتين الزعامتين الإقطاعيتين تُبقي صلات ودية مع قوة معينة، لا تتحالف معها الزعامة الأخرى. وذلك في لعبة توازن طائفي برغماتية لحماية الطائفة الدرزية ككل، تجعل الناجي، بفضل تحالفاته في الصراعات السياسية والحروب الأهلية، ينقذ الغريق. من هنا يرى البعض أنه في الفترة التي كان فيها الشيخان حمود الحناوي ويوسف جربوع يبدوان أكثر جرأة في مقارعة حكومة دمشق، كان الهجري حليفا لها”.

أبعاد وثيقة “قتيل العار”

ويواصل المصري تحليل مواقف مشايخ العقل الثلاثة، الهجري وجربوع والحناوي، بالقول: “اليوم تم قلب الأدوار بين المشايخ. إذ روّج جربوع والحناوي لوثيقة قتيل العار، بالتنسيق مع السلطة. في حين ابتعد الهجري عنها، في موقف يبدو معارضا. ومما لا شك فيه أن الأكثر قربا من الاحتجاجات في السويداء سيربح الشارع اليوم. ولكن هذا لا يعني القطيعة الكلية مع حكومة دمشق، وذلك لمصلحة الطائفة بأكملها”.
يذكر أن وثيقة باسم “قتيل العار لا دية ولا ثار” انتشرت في السويداء مؤخرا، بالتزامن مع وصول التعزيزات العسكرية، التي أرسلتها حكومة دمشق. وتدعو الوثيقة العائلات والعشائر إلى رفع الغطاء عن المتورطين بالجرائم الأخيرة، التي روّعت المجتمع المحلي، وهدر دمائهم. كما دعت الوثيقة “الجهات المختصة إلى أخذ دورها، وإيقاع أقصى العقوبات على المجرمين”. 
دعم الشيخين حمود حناوي ويوسف الجربوع لهذه الوثيقة دفع البعض، بحسب المصري، إلى “اتهامهما بالتقارب مع خطط الأمير لؤي الأطرش، الذي يسمي نفسه أميرا لجبل العرب، وخططه المرتبطة بأجندات حكومة دمشق. خاصة بعد دعمه الصريح للأسد في الانتخابات الأخيرة”.

الشيخ موفق طريف وتدويل قضية السويداء

ومع هذا الموقف المعقد لمشايخ العقل المحليين من الاحتجاجات في السويداء يتطلع كثير من المهتمين بشؤون الطائفة الدرزية إلى موقف الشيخ موفق طريف في فلسطين المحتلة، الرئيس الروحي الأهم للطائفة الدرزية، والذي يبقى برأيهم اللاعب الأبرز على الساحة بسبب علاقاته الدولية الواسعة. وقدرته على التواصل مع طرفين شديدي الأهمية في الجنوب السوري، وهما روسيا والإمارات.   
 ومع وصول التعزيزات الحكومية باتت الاحتجاجات في السويداء مهددة بالتعرض لقمع شديد. عبر اعتقال قادة الحراك أو تصفيتهم، وإدخال المحافظة في صراعات دموية بين الفصائل المختلفة. ولذلك فإن قيام الشيخ طريف، وغيره من الزعامات الروحية خارج سوريا، بالسعي لتدويل قضية السويداء أمر وارد. خاصة أن الانقسام بين مشايخ ووجهاء المحافظة يجعل حكومة دمشق وحلفائها الطرف المسيطر تماما في السويداء، دون أية قوة محلية مقابلة، قادرة على إحداث نوع من التوازن لحماية الأهالي.  

مقالات قد تهمك: بعد إيقاف مؤقت لاحتجاجات السويداء.. هل يحل التدويل استعصاء الوضع؟

موقف القوى السياسية من احتجاجات السويداء

ووسط هذه الصورة الضبابية، والانقسامات بين المشايخ والزعامات التقليدية، تحاول القوى السياسية السورية لعب دور أكثر وضوحا لدعم الاحتجاجات في السويداء وصياغة خطابها. إذ صدر عن المؤتمر الوطني السوري لاستعادة السيادة والقرار، وهيئة التنسيق الوطنية- حركة التغيير الديمقراطي، والمبادرة الوطنية في جبل العرب، بيان مشترك، بعد اجتماع ممثلين عن هذه القوى، دعا إلى “التوافق على القواسم والمبادئ الوطنية والديمقراطية المشتركة، عبر خلق أجواء مناسبة للحوار. على أن تشمل هذه الدعوة أوسع توافق وطني ديمقراطي، قادر على لعب دور مؤثر وفعال على المستويين المحلي والدولي. لأجل الوصول إلى حل سياسي، يفضي إلى انتقال ديمقراطي جذري وشامل في سوريا”.
مجلس سوريا الديمقراطية “مسد” أبدى، في بيان له، تضامنه مع الحراك الشعبي القائم في محافظة السويداء. داعيا المتظاهرين إلى “قيادة مسيراتهم بأنفسهم، لقطع الطريق على أي محاولات لتحريف مسارها السلمي، ومطالبها بالتغيير الديمقراطي، وبسوريا دولة للعدالة الاجتماعية والحرية والمساواة والقانون”.
من جهته أكد الائتلاف الوطني السوري المعارض “وقوفه مع أهالي السويداء في مظاهراتهم ضد النظام، ودعمه لهم في مطالبهم المحقة”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.