منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، قبل حوالي 6 أيام، وُضعت تركيا في موقف محرج فيما يتعلق بمسألة إغلاق مضائقها البحرية (البوسفور والدردنيل) من عدمه، سيما وأن البلدين المتحاربين هما جيرانها في منطقة البحر الأسود، ولهما معها علاقات ومصالح مشتركة، وبالأخص الجانب الروسي الذي بنت معه أنقرة علاقة مصالحية كبيرة، لا يمكن التضحية بها وفق منظور حكومة أنقرة.

وذلك في حين طلبت فيه السلطات الأوكرانية، مؤخرا، تركيا بإغلاق مضائقها لمنع عبور السفن الحربية الروسية للمشاركة في الغزو ضد أوكرانيا، لكن تركيا لم تستجب وقتذاك.

هل ستقع خلافات بين تركيا وروسيا؟

تطورات عديدة على صعيد الأزمة في أوكرانيا، كان أهمها توقيع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي طلب انضمام بلاده للاتحاد الأوروبي، أمس الاثنين، بالتزامن مع إعلان أحد كبار مستشاريه أن الجولة الأولى من المحادثات مع روسيا حول إنهاء الحرب على أوكرانيا، قد انتهت.

بالتزامن مع ذلك، أعلنت تركيا إغلاق مضائق البوسفور والدردنيل من خلال تفعيل اتفاقية “مونترو”، يوم أمس الاثنين، ما يعني تقييدا لحركة السفن الحربية الروسية في مشاركتها بالغزو ضد أوكرانيا.

وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، قال يوم أمس الاثنين، إن “اتفاقية مونترو تمنح تركيا صلاحية مطلقة في إغلاق المضايق إذا كانت طرفا في الحرب”، بحسب ما نقلته وكالة “الأناضول” التركية.

وأضاف الوزير، “أما إذا لم تكن تركيا طرفا في الحرب، فلديها صلاحية عدم السماح لسفن الدول المتحاربة بالعبور من مضايقها”. وتابع أن الاتفاقية لا تحظر عبور السفن الحربية العائدة إلى قواعدها في البحر الأسود. وزاد بالقول “لقد أخطرنا جميع الدول المشاطئة وغير المشاطئة للبحر الأسود، بألا ترسل سفنها الحربية لتمر عبر مضائقنا”.

كما شدد جاويش أوغلو على مواصلة تركيا التزامها ببنود اتفاقية “مونترو”، مضيفا أن “الروس كانوا يتساءلون عما إذا كنا سنطبق الاتفاقية إن لزم الأمر أم لا، قلنا لهم إننا سنطبق الاتفاقية بحذافيرها”.

الباحث في العلاقات الدولية، مصطفى صلاح، يقول بأن “تركيا تمتلك مع روسيا علاقات متشابكة ومعقدة في تداعياتها، خاصة وأن محددات هذه العلاقات تتسم بأنها متنوعة بين التأثيرات الداخلية في البلدين أو التأثيرات الإقليمية والدولية، وهو ما يتسبب في اختلاف منحنى التوافق والخلافات بينهما استنادا على ذلك”.

وأردف خلال حديثه لـ “الحل نت”، فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية، “إن الموقف التركي يتسم بالصبغة الغربية في التعامل مع روسيا أكثر مما يتم تحديده من جانب تركيا كدولة، فتركيا من أكبر الدول المصدرة للسلاح إلى أوكرانيا بالإضافة إلى موقفها المساند لكييف بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم، وتوجيه انتقادات لموسكو بسبب هذه الخطوة”.

آثار الخلافات الروسية-التركية على سوريا

الباحث في العلاقات الدولية، أشار في سياق مواز إلى أن “السياسة التركية قد ساهمت في تعاملها مع الأزمة الاوكرانية في تصاعد الخلافات بين تركيا وروسيا، في كثير من الأزمات والمناطق التي يتشارك فيها كل منهما النفوذ، حيث أثارت هذه الخلافات مجموعة من التداعيات على النفوذ والتواجد التركي في سوريا خاصة بعدما اتجهت موسكو إلى تقييد حركة أنقرة في هذا الملف، واستبعادها من الترتيبات المستقبلية المتعلقة بتسوية الأزمة السورية”، وفق رأيه.

وبيّن صلاح، حول توتر العلاقات الروسية-التركية، “لعل هذا التوتر ليس وليد الأزمة الأوكرانية وإن كانت الأزمة وتداعياتها هي من ساهمت في ظهورها”.

وتابع، بأن مركزية تركيا في مواجهة روسيا في حال اتجه حلف “الناتو” للتصعيد العسكري ستؤدي إلى حدوث خلل كبير في مسارات العلاقات الروسية-التركية، فتركيا مرتبطة بـ “الناتو” فيما يتعلق بسياساته ومن ثم سيقع على عاتق السياسة التركية الخروج من هذا المأزق، خاصة وأنها كانت في السابق تستثمر علاقاتها مع روسيا في تخفيف الضغوط المفروضة عليها من الولايات المتحدة والدول الغربية.

وخلص حديثه بالقول: أنه “في حال عدم قدرتها على تحييد الآثار السلبية لهذا الموقف، فستؤثر بصورة سلبية على مسار العلاقات الروسية-التركية عموما”.

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أعرب مؤخرا تطبيق اتفاقية مونترو البحرية لمنع التصعيد بين روسيا وأوكرانيا، مؤكدا بقوله “لن نتخلى عن روسيا أو أوكرانيا ولن نقبل بازدواجية المعايير”، بحسب وسائل إعلام تركية.

قد يهمك: تركيا في مأزق بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا.. ما الذي ستخسره في سوريا؟

ما هي اتفاقية مونترو؟

المضيقين (البوسفور والدردنيل) هما المخرج الوحيد للسفن الروسية من البحر الأسود المغلق. وتمر سفينة حربية روسية عبر المضائق التركية كل 36 ساعة بينما تمر عبرها يوميا 20 سفينة تجارية روسية. فيما تمثل السفن التجارية الروسية 40 بالمئة من الحمولة التي تمر عبر المضيقين.

تم التوقيع على معاهدة مونترو في عام 1936 بسويسرا، والتي تشكل أهمية كبيرة بالنسبة  لأنقرة، كون بنودها تحدد عدد السفن الحربية والتجارية التي تمر من المضائق، وأنواعها، ووزن الحمولة المسموحة لها، في أوقات السلم والحرب، في البحر الأسود للبلدان غير المشاطئة، إذ يتم اتخاذ الأمن التركي أساسا في صياغة هذه البنود.

وشاركت فيها عدة دول بينها الاتحاد السوفييتي وتركيا وبريطانيا وفرنسا واليونان وبلغاريا ورومانيا ويوغسلافيا واليابان وأستراليا.

وتنص المعاهدة على أحكام خاصة بوقت الحرب، وتحدد المادتان “20” و”21″ سلطة تركيا على النظام العابر للسفن البحرية، إذ يترك عبور السفن الحربية في أثناء الحرب أو عندما تكون وشيكة لتقدير الحكومة التركية.

إذا كانت تركيا في حالة حرب، تتمتع السفن التجارية، التي لا تنتمي إلى دولة في حالة حرب مع تركيا، بحرية العبور والملاحة في المضايق بشرط ألا تساعد العدو بأي شكل من الأشكال، ويجب أن تدخل السفن المضايق في وقت النهار، ويتم عبورها بالطريق الذي يجب أن تحدده السلطات التركية في كل حالة.

ولا يمكن لحاملات الطائرات، وإن كانت تابعة لدول مشاطئة، المرور عبر هذه المضائق، فيما يمكن للغواصات التابعة للدول المشاطئة فقط المرور عبر المضيق التركي للانضمام إلى قاعدتها في البحر الأسود للمرة الأولى بعد بنائها أو شرائها أو لإصلاحها في أحواض بناء السفن خارج البحر الأسود.

وفي وقت سابق خلال شهر شباط/فبراير الفائت، عبرت ست سفن حربية روسية وغواصة مضيقي الدردنيل والبوسفور التركيين إلى البحر الأسود، فيما سمته موسكو التدريبات البحرية بالقرب من مياه أوكرانيا.

قد يهمك: بعد الحرب على كييف.. أوكرانيا مقابل سوريا بالنسبة لبوتين؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.