يعود الحديث عن دعم واشنطن للمعارضة السورية من جديد بعد اندلاع الحرب الأوكرانية. إذ تشي التصريحات الأميركية الأخيرة، المتعلقة بالملف السوري، باحتمالية حدوث تغييرات من جانب واشنطن في سياساتها حيال المعارضة.
وظهر هذا بوضوح من خلال إعلان الولايات المتحدة عن تعهدها بمحاسبة الرئيس السوري بشار الأسد، عن الجرائم التي ارتكبها منذ بدء الاحتجاجات السورية عام 2011. وتأكيدها على أن “شهر آذار/مارس سيكون شهر المحاسبة”.
ونشرت صفحة السفارة الأميركية في سوريا على موقع تويتر تغريدة جاء فيها أن “الأسد ارتكب خلال أحد عشر عاما جرائم ضد السوريين. لكن الإفلات من العقاب سينتهي في سوريا”. وأكملت “سنسلّط الضوء في هذا الشهر على كيفية سعي السوريين والمجتمع الدولي لمحاسبة الجناة عن هذه الجرائم”.
ويأتي ذلك مع زيادة التوتر الغربي تجاه روسيا، على خلفية اجتياح الأخيرة للأراضي الأوكرانية. ما دفع بمراقبين إلى وضع الموقف الأميركي الأخير في إطار تداعيات الحرب في أوكرانيا، والضغوط التي تمارسها واشنطن وعواصم أوروبية على موسكو، لدفعها إلى وقف الحرب.
بالمقابل اعتبر كثير من المحللين أن الموقف الأميركي الأخير من حكومة دمشق ليس جديدا، وإنما يأتي في إطار تأكيد واشنطن الدائم على ضرورة تطبيق القرارات الأممية في سوريا. وتحديدا مع اقتراب الذكرى الحادية عشر لاندلاع الاحتجاجات السورية.
ووسط كل ذلك تثار تساؤلات عن احتمالية دعم واشنطن للمعارضة السورية، وإعادة تسليح فصائلها، في محاولة لقلب الطاولة على الروس في سوريا.
دعم واشنطن للمعارضة السورية مرتبط بتطورات الحرب في أوكرانيا
حول هذه المسألة يعتقد د.أحمد القربي، الباحث في مركز الحوار السوري، أن “الحكم على صدقية الأنباء عن عودة دعم واشنطن للمعارضة السورية يرتبط بمآل التطورات العسكرية في أوكرانيا”. موضحا، في حديثه لـ”الحل نت”، أنه “إن طال أمد الحرب في أوكرانيا فقد نشهد نوعا من التحرك الأميركي في الملف السوري، لأجل الضغط على روسيا”.
وفي المقابل “قد تبدأ روسيا كذلك بالضغط على الغرب في سوريا. وهذا هو الاحتمال الأقرب للحدوث”، بحسب القربي.
الباحث السوري د.محمد سالم يتفق مع القربي، ويقول لـ”الحل نت”: “قد تتحول سوريا على المدى الطويل إلى ساحة تبادل الرسائل بين الفاعلين الدوليين، على خلفية التطورات على الأرض الأوكرانية”.
كذلك لا يستبعد سالم أن “تقوم روسيا بعملية عسكرية في المناطق الخاضعة لنفوذ تركيا في شمال سوريا، لإزعاج حلف الناتو، باعتبار تركيا عضوا فيه. ما قد يفتح الباب على سيناريوهات جديدة، من ضمنها وصول أسلحة للمعارضة السورية”.
نهاية شهر العسل بين روسيا والغرب في سوريا
الكاتب الصحفي والمحلل أسامة آغي يرى أن “التصريحات والمواقف الأميركية تؤشر إلى احتمالية تغير السياسة الأميركية بسوريا، على ضوء التطورات الأوكرانية. وإمكانية عودة دعم واشنطن للمعارضة السورية، وخصوصا أن الأسد من المحسوبين على روسيا”.
ويضيف، في حديثه لـ”الحل نت”، أن “واشنطن عندما تُذكّر في هذا التوقيت بجرائم الحكومة السورية، الحليفة لموسكو، وتشدد على ضرورة محاسبتها، فهي تريد القول للروس إن تداعيات الحرب الأوكرانية لن تقتصر على أوكرانيا. وإنما قد تمتد لمناطق أخرى خاضعة لنفوذ روسيا”.
ويعتقد آغي أن “الغرب، بقيادة الولايات المتحدة، أخطأ عندما أرخى الحبل للروس في سوريا. وما نشاهده في أوكرانيا اليوم نتيجة طبيعية للسياسة الغربية غير المتشددة وغير الحاسمة مع روسيا”.
وفي السياق ذاته يرى المحلل السياسي أسامة بشير أن “ما يمكن وصفه بشهر العسل بين موسكو وواشنطن في سوريا قد انتهى، مع التطورات في الملف الأوكراني”.
ويتابع، في حديثه لـ”الحل نت”، أن “تداعيات الحرب الأوكرانية ستكون إيجابية على المعارضة السورية. بعد أن بدأنا نلمس تزايد المؤشرات على رغبة غربية بتحجيم روسيا في أوكرانيا، وفي سوريا بطبيعة الحال”.
ويتساءل بشير: “هل من المعقول أن تعادي أوروبا والولايات المتحدة روسيا في أوكرانيا، وتواصلان التنسيق معها في سوريا؟”
هل تقدّم واشنطن أسلحة نوعية للمعارضة السورية؟
وعن الأسلوب المحتمل لدعم واشنطن للمعارضة السورية يرى بشير أن “أميركا، في سبيل مواجهتها للروس في سوريا، ستقوم إما بدعم المعارضة بسلاح نوعي، قادر على مواجهة الجيش الروسي والقوات النظامية؛ أو بعزل حكومة دمشق بشكل كامل، وصولا إلى إسقاطها”.
إلا أن المحلل السياسي فراس علاوي يختلف مع هذا الرأي، ويستبعد أن “تعاود الولايات المتحدة دعم الفصائل العسكرية المعارضة في سوريا”. مؤكداً، في حديثه لـ”الحل نت”، أن “مرحلة المواجهات العسكرية في سوريا اقتربت من نهايتها”.
ويشير علاوي إلى “فقدان الثقة من جانب واشنطن بالفصائل المعارضة الموجودة على الأرض، أو بأغلبها على الأقل”.
إلا أنه يستدرك بالقول: “رغم هذا يبقى دعم واشنطن للمعارضة السورية أحد الخيارات المطروحة، في حال حدوث مواجهة مباشرة بين روسيا وحلف الناتو في أوكرانيا. فعندها من المرجح أن تتوسع دائرة المواجهات في أكثر من رقعة من العالم، ومن بينها سوريا”.
ويكمل حديثه بالقول: “في حال حدوث ذلك ستكون القواعد والمصالح الروسية في سوريا عرضة للضربات. إما بشكل مباشر، عن طريق طائرات التحالف الدولي المتواجدة في سوريا؛ أو بشكل غير مباشر، عبر أذرع مقربة من واشنطن، قد تكون الفصائل المعارضة من بينها”.
مقالات قد تهمك: ارتفاع غير مسبوق للذهب والنفط بسبب أوكرانيا.. ما تأثيره على سوريا؟
وكانت واشنطن قد أوقفت منذ عام 2017 برامج دعم المعارضة السورية، وذلك في عهد إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الذي كان قد أعلن في حملته الانتخابية عن اعتزامه القيام بهذه الخطوة في حال فوزه.
وحسب تقديرات عسكرية، جاء وقف الدعم، الذي ظهرت بوادره منذ العام 2013، استجابة لمطالب روسيا. لكن مصادر المعارضة السورية تشكك بأهمية الدعم الأميركي أساسا، وتقول إنه “كان شحيحا”. واقتصر على برامج التدريب العسكري لفصائل معدودة، من دون تقديم السلاح النوعي لها، مثل مضادات الطيران.
يذكر أن واشنطن حصرت دعمها العسكري في سوريا بقوات سوريا الديمقراطية “قسد”، وفصيل “مغاوير الثورة”، المتواجد في منطقة التنف، على المثلث الحدودي السوري- الأردني- العراقي.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.