دعت لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة إلى مراجعة العقوبات الغربية المفروضة على سوريا للسماح بدخول المزيد من المساعدات الإنسانية وتخفيف أثرها على المدنيين الذين يعانون من النقص، دون تحديد ما إذا سيشمل هذا التخفيف جميع المناطق السورية بما فيها مناطق سيطرة حكومة دمشق ومناطق الحكومة المؤقتة في الشمال الغربي والإدارة الذاتية في الشمال الشرقي.

توقيت هذه المراجعة يتزامن مع سعي واشنطن لإعفاء مناطق الشمال الشرقي والغربي من العقوبات باستثناء النفط والغاز، يطرح تساؤلا حول الآثار السياسية المتوقعة من وراء هذا التخفيف، سواء الأميركي أو الأممي، وهل له علاقة في الأيام المقبلة بسياسة الخطوة مقابل خطوة.

تخفيف الأثر السلبي للعقوبات

طرح اللجنة لمراجعة العقوبات، تزامن مع اشتداد معاناة المواطنين السوريين من العقوبات الغربية المفروضة على البلاد، مع انعدام الأمن الغذائي شبه التام، وارتفاع الأسعار، وضعف القوة الشرائية، والتضخم الهائل، وانخفاض قيمة الليرة السورية بشكل كبير.

وحول ذلك، قالت الصحافية المعتمدة في الأمم المتحدة بجنيف، دينا أبي صعب، لـ”الحل نت”، إن التقرير لا يسمي منطقة جغرافية بعينها. إنما يشير إلى وضع إنساني متدهور في كافة الأراضي السورية. وإلى أن نسبة الفقر في البلاد بلغت نحو 90 بالمئة. فيما سجل نزوح نصف السكان داخليا مقارنة بما كان عليه الوضع قبل الحرب.

ويلاحظ التقرير وفقا للصحافية، الأثر الإنساني للعقوبات على الشعب السوري، ويذكر أنها أدت بشكل مباشر على إلى تحفظ البنوك على التعامل مع المعاملات الإنسانية. ورفض شركات النقل التعامل مع الشحنات الإنسانية ما أدى أيضا لتعثر عمل المنظمات الإنسانية في إيصال المساعدات إلى بعض المناطق.

فالمناطق الشمالية غير الخاضعة للحكومة، المرتبطة بشكل وثيق بتركيا، لم تطبق فيها العقوبات بشكل صارم. ويشير التقرير إلى أن بعض هذه المناطق تتعامل بالليرة التركية وقد تأثرت بتراجع القيمة النقدية لليرة التركية بنسبة 40 بالمئة العام الماضي، مقابل فقدان الليرة السورية نحو 80 بالمئة من قيمتها. بمعنى آخر هذه المناطق تأثرت بانهيار العملة التركية لا بالعقوبات.

وتشير أبي صعب، إلى أن التقرير في إحدى فقراته أوصت فيه وزارة الخزانة في الولايات المتحدة خلال مراجعتها الخاصة بـ”معايرة العقوبات للتخفيف من الآثار الإنسانية غير المقصودة على السكان غير المستهدفين”. بالتالي قد تكون سابقة مطالبة لجنة تقصي الحقائق برفع العقوبات مرتبطة بالفعل بتحرك أو مراجعة أميركية. وربما أممية لمسألة العقوبات وضرورة وجدوى استمرارها.

للقراءة أو الاستماع: ما أسباب رفع واشنطن للعقوبات عن الشمال السوري؟

تجاذبات سياسية

من المقرر أن تقدم لجنة تقصي الحقائق، التابعة للأمم المتحدة، تقريرها حول ذلك لمجلس حقوق الإنسان، في 18 آذار/مارس الجاري. خاصة بعد التخوف من استمرار العمليات العسكرية في سوريا، وازدياد حدة الفقر، والضغوط الاقتصادية.

ويرى المحلل الاقتصادي، فراس شعبو، أن الغزو الروسي على أوكرانيا أثر بشكل كبير على المدنيين في وسوريا. فأصبح لدى دمشق مشكلة بعدم قدرتها على الحصول على القمح. إذ كانت تحصل عليه من خلال دعم حكومي سواء من إيران أو من روسيا على شكل منح وهبات. 

وبالتالي ووفقا لتحليل شعبو، فإنه في ظل العقوبات قد تصبح هذه القدرة على تأمين هكذا احتياجات صعب جدا. وعليه يمكن أن تدخل البلاد في مجاعة ونوعا ما انهيار اجتماعي بشكل كلي وانهيار اقتصادي. 

ويوضح شعبو، أن رفع العقوبات سيتعلق بالجانب الذي يخص المدنيين وليس العقوبات التي فرضت على الحكومة السورية أو على قدرة الحكومة في شراء المواد المتعلقة بالتسليح، فالفكرة الأساسية منها هي تخفيف حدة العقوبات وتخفيف الحالة الاقتصادية على المواطنين. 

وكون الليرة عادت إلى مسلسل التدهور، والأوضاع الاقتصادية غير مبشرة، كان لابد بنظر شعبو، مناقشة الاقتراح والموافقة عليه. مضيفا “لأن الوضع متعلق بالحرب الأوكرانية الروسية، وقد يكون هنالك نوع من المفاوضات، قد تكون سوريا ورقة ضغط تستخدمها الولايات المتحدة أو روسيا قد تدخل في تجاذبات سياسية بشكل كبير جدا”.

للقراءة أو الاستماع: اجتماع واشنطن: ترحيب دولي بسياسة جديدة في سوريا؟

تصاعد العنف وكارثة إنسانية

محققون تابعون للأمم المتحدة في جرائم الحرب، قالوا أمس الأربعاء، إن الحرب في سوريا تصاعدت في الأشهر الماضية واتسمت بقصف مكثف وقصف جوي من قبل القوات السورية والروسية على المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.

وذكر المحققون، أن العائلات في سوريا، ستتضرر بشدة من أي تعطل لواردات القمح من أوكرانيا أو روسيا. مما قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية بشكل أكبر. حيث بلغ معدل التضخم المتفشي 140 بالمئة في بداية عام 2022.

وكانت عدة مصادر أفادت مؤخرا بقرب إعلان “البيت الأبيض” إعفاء مناطق شمال شرق سوريا وشمال غرب سوريا، الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، وفصائل المعارضة السورية، من العقوبات المفروض على سوريا (مناطق سيطرة حكومة دمشق). دون أن يشمل ذلك الإعفاء مناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام” التي يتزعمها أبو محمد الجولاني.

وقالت مصادر صحفية خلال اليومين الماضيين نقلا عن معلومات وردت من واشنطن، إن مكتب “مراقبة الأصول الأجنبية” تنازل عن جميع العقوبات عن المناطق الخارجة عن سيطرة حكومة دمشق، ولكن لن يشمل مجال النفط والغاز.

أي أن هذه المناطق ستتمكن من الاستفادة من التعاملات والشركات التجارية مع كيانات ودول خارجية. دون أن تشمل هذه الاستثناءات منطقة إدلب الواقعة تحت سيطرة “هيئة تحرير الشام”، المدرجة على قائمة المنظمات الإرهابية في وزارة الخارجية الأميركية.

وبينت المصادر أن الإعفاءات من قانون “قيصر” لحماية المدنيين السوريين سيتم نقلها رسميا من قبل نائب مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، إيثان جولدريتش، الذي يغطي الملف السوري.

يذكر أن “قانون قيصر” دخل حيز التنفيذ في حزيران/يونيو من العام 2020. وفرض عقوبات موسعة على حكومة دمشق. بالإضافة إلى المؤسسات والكيانات التي تسهل العمليات والتحويلات المالية للمؤسسات المدرجة في قائمة العقوبات، خاصة في مجال الطاقة.

وبموجب عقوبات “قانون قيصر”، بات أي شخص يتعامل مع الحكومة السورية معرضا للقيود المفروضة على السفر أو العقوبات المالية بغض النظر عن مكانه في العالم.

قد يهمك: اجتماع في واشنطن لبحث الملف السوري.. ما أهميته؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.