يُشعل الأكراد في سوريا في يوم الـ11 من  آذار/مارس من كل عام شموعا لإحياء ذكرى ضحايا أحداث الملعب في مدينة القامشلي عام 2004، حيث يمر اليوم ذكرى 18عاما على الأحداث الدموية التي اندلعت بين أهالي المدينة وقوات الأمن السورية، والتي شكلت نقطة تحول كبرى في المنطقة والعلاقة بين الأكراد في سوريا وحكومة دمشق.

في حين يقوم أبناء المدن الكردية في مناطق شمال شرقي سوريا، بإغلاق عام للمحال التجارية والأسواق، حدادا على أرواح الضحايا في أحداث الملعب البلدي في القامشلي في 12 آذار/مارس عام 2004، التي كانت بمثابة شرارة الانتفاضة الكردية في سوريا آنذاك، وامتدت في ذلك الوقت لجميع المدن الكردية، والمدن التي يتواجد فيها الأكراد مثل دمشق وحلب.

أحداث الملعب البلدي في القامشلي

مارست الحكومات السورية المتعاقبة تمييزا وتهميشا وحالة من الإقصاء بوضوح تام ضد الأكراد، تحت ذريعة عدم الاتجاه نحو المطالبة باستقلال لمناطقهم الكردية وإقامة دولة كردية، فضلا عن حرمان حوالي نصف مليون كردي في سوريا من الحصول على الجنسية السورية، وفقا لقرار تعسفي صدر في عام 1962 بحق الأكراد.

كل هذا أدى في النهاية إلى انفجار الغضب الكردي جراء هذه الممارسات في آذار/مارس 2004 في مدينة القامشلي، عندما خرجوا في مظاهرات ضخمة اشتبكت مع قوات الأمن. الأمر الذي لم يروق للحكومة السورية، وقد صدمتها هذه التظاهرات وأثارت غضبها حينها لدرجة أنها ردت بالعنف المفرط لقمع الاحتجاجات، ونتيجة لذلك قتل العديد من أبناء المدينة واعتقل المئات منهم في مختلف المدن الكردية في سوريا.

بدأت أحداث الملعب في مدينة القامشلي في محافظة الحسكة، في يوم الجمعة 12 آذار/مارس عام 2004، بمباراة لكرة القدم جرت في القامشلي تقابل فيها فريق “الفتوة” من مدينة دير الزور، مع فريق “الجهاد” من مدينة القامشلي، ضمن منافسات الدوري السوري لكرة القدم.

وبعد انطلاق المباراة بوقت قصير، اقتحمت قوات الأمن السورية الملعب، بعدما تحولت الهتافات التي كان يتبادلها مشجعو الفريقين إلى اشتباكات وصدامات مباشرة بالحجارة والأسلحة البيضاء ما بين مشجعي فريق “الفتوة”، ومشجعي فريق “الجهاد”، ما أدى إلى تدخل قوات الشرطة والأجهزة الأمنية السورية والتي فتحت الرصاص الحي على الغاضبين وخاصة من مشجعي نادي الجهاد، حيث سقط على إثر ذلك ما لا يقل عن ستة أشخاص، بحسب تقارير حقوقية.

وبث برنامج رياضي “ملاعبنا الخضراء” في “إذاعة دمشق” المحلية، خبر توقف مباراة بين فريقي الجهاد والفتوة، نتيجة اشتباك بين جمهور الفريقين. وذكرت أيضا وقتذاك، إن ثلاثة أطفال قتلوا دهسا تحت الأقدام. وكان هذا الخبر بمثابة الصاعقة على السكان في المدينة، ووضعها على حافة الانفجار. واتضح فيما بعد، أنه كان خبرا كاذبا وملفقا وفق تقارير حقوقية.


فور ورود الخبر توجه الآلاف من أبناء المدينة نحو الملعب البلدي، كي يعرفوا ماذا يجري هناك، وماذا جرى لأبنائهم الذين يذهبون عادة لمشاهدة المباريات التي تقام بشكل معتاد أسبوعي.

في اليوم التالي، 13 آذار/مارس 2004، عمت مظاهرات غاضبة وعارمة في العديد من المدن والمناطق التي كان يقطنها الأكراد في عموم سوريا وخاصة في القامشلي وعامودا والدرباسية ورأس العين، وكوباني، وعفرين والأحياء الكردية في مدينة حلب (الأشرفية والشيخ مقصود) والأحياء الكردية في مدينة دمشق (وادي المشاريع)، إضافة إلى المدينة الجامعية في دمشق وحلب، والقحطانية، والمالكية وغيرها؛ وتم تسميتها فيما بعد بـ “أحدث القامشلي” أو “انتفاضة قامشلو”، حيث سقط عدة ضحايا وعشرات الجرحى ومئات المعتقلين خلال تلك الأيام.

وشهدت شوارع القامشلي مظاهرات حاشدة، ورددوا هتافات تندد بالحكومة السورية، كما حطم المتظاهرون تمثالا للرئيس السوري السابق حافظ الأسد.

قد يهمك: تدريس اللغة الكردية.. إلى ماذا تسعى حكومة دمشق؟

الأسباب

استخدمت الحكومة السورية أسلوب القمع الذي تشتهر به منظومتها السلطوية، من إطلاق للنار على التظاهرات السلمية، بالإضافة إلى اعتقالات عشوائية لمئات الشباب الأكراد في مدن ومناطق كردية مختلفة، وحصار استمر عدة أشهر، بالإضافة إلى حالات النهب والسلب التي طالت عشرات المحلات التجارية الكردية.

الأمر الذي زاد الخطورة، أنه قد انتشرت أنباء عن إمكانية تسليح الحكومة السورية للقرى والعشائر العربية المتاخمة للقرى الكردية لإطلاق العنان لدورها في القمع والإرهاب.


واختلفت التحليلات حول الأسباب البعيدة لتلك الأحداث، ولكن أشارت العديد من التحليلات وفق تقارير عدة آنذاك إلى ارتباطها بشكل وثيق في أحد أوجهها بالحرب التي كانت دائرة في الدولة الجارة “العراق”، حيث أفضت الإطاحة بنظام صدام حسين في العراق في شهر نيسان/أبريل 2003، إلى تنامي إحساس العشائر والقوى السياسية العربية في محافظة دير الزور بالنقمة الشديدة من سياسات الأحزاب الكردية في العراق، ويبدو أنه انعكس سخطا على الأكراد في سوريا والذين يقطن جزء كبير منهم في محافظة الحسكة وخاصة مدينة القامشلي.

قامت حكومة دمشق بحملة واسعة من الاعتقالات التعسفية التي طالت المئات من الشبان الأكراد السوريين، ومن بينهم أطفال، قبل أن يتم إطلاق سراح المئات على دفعات بعد اعتقالهم لفترات مختلفة. لاحقا، وبتاريخ 30 آذار/مارس 2005، نشرت وكالة الأنباء السورية  “سانا”، خبر صدور عفو رئاسي عن “جميع الموقوفين” الأكراد الذين اعتقلوا على خلفية أحداث القامشلي عام 2004، مبينة أن عددهم بلغ 312 معتقل.

موقف الأكراد

سعت الأحزاب إلى تهدئة الأوضاع المضطربة وطالبت بتحديد سقفها إلى مطالب معقولة، وطالبت في بيان أصدرته بوقف حملة الاعتقال وكل أشكال العنف ودعت الحكومة لإطلاق سراح المعتقلين، كمقدمة لا بد منها لوأد الفتنة، والمسارعة إلى تشكيل لجنة تحقيق وطنية نزيهة تتقصى حقيقة ما جرى وتحديد المسؤولية عن سبب وقوع هذه الأحداث وتطورها، وإنصاف أسر الضحايا والمتضررين ورأب الصدع بمعالجة أسبابه السياسية، وفق ما صدر عن بيان الأحزاب الكُردية وقتذاك.


من جانبها حكومة إقليم كردستان العراق، فقد حذرت حكومة دمشق من خطورة اتباع الأسلوب الأمني في التعاطي مع الأحداث، وطالبتها بالتوقف عن قتل وقمع المدنيين، وتشكيل لجنة تحقيق مع تلميحات بأنها ستحرك فرقة من قوات “البيشمركة” للتدخل إن استمرت قوات الأمن السورية في ممارساتها الوحشية مع الأكراد في سوريا. فضلا عن تبني حكومة إقليم كردستان العراق الكثير من الطلاب المفصولين من كلياتهم في حلب ودمشق وقامت بتسجيلهم في جامعاتها.

قد يهمك: تراث الجزيرة يجتمع في منزل فيغان هيمو بالقامشلي

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.