الموانئ الجافة في سوريا: الواقع والتأثير على الاقتصاد

الموانئ الجافة في سوريا: الواقع والتأثير على الاقتصاد

في خضم التحركات الاقتصادية الإيرانية في سوريا من أجل توسيع نفوذ طهران فيها، برز مؤخرا الحديث عن تفعيل الموانئ الجافة في سوريا، كخطوة رئيسية في مشروع ربط التواجد الإيراني في سوريا بالمركز في طهران.

تعتبر الموانئ الجافة مهمة لاستكمال وربط حلقات النقل متعدد الوسائط والذي يعني نقل بضائع بواسطتين مختلفتين على الأقل (بحري، بري، نهري، جوي) وبعقد نقل واحد -سند شحن واحد– متعدد الوسائط وبين دولتين على الأقل. أي نقل من الباب إلى الباب، وبالتالي فإن هناك أماكن ليست بالضرورة أن تكون موانئ بحرية يتم فيها تغيير وسيط النقل، وتحدد هذه الأماكن بدقة، وتخضع للإشراف الجمركي لكل دولة، وتسمى بـ الموانئ الجافة.

لماذا يفتح ملف الموانئ الجافة بسوريا؟

مصادر خاصة في وزارة النقل بدمشق، أفادت لـ”الحل نت” بأن أطراف نافذة في حكومة دمشق سعت مؤخرا من خلال خطة إعلامية وتسويقية للقول بأن مشروع الموانئ الجافة مع إيران له أهداف استراتيجية تتمحور حول تحسين مستوى الخدمات اللوجستية المقدمة مما يساهم في زيادة حركة الصادرات والواردات ودعم الاقتصاد، وتخفيف الضغط على الموانئ البحرية ومنع تكدس البضائع والحاويات في ظل استمرار القصف الإسرائيلي الذي استهدف في مرات سابق ميناء اللاذقية السوري.

ووفق مختصين اقتصاديين فإن الموانئ الجافة تهدف للاستفادة من توسعات الموانئ من أجل إنعاش حركة التجارة الدولية والترانزيت، ومواكبة الاتجاهات العالمية لتسهيل التجارة عبر الحدود وتحقيق مزايا تنافسية للاستثمار من خلال تحسين معدلات الوقت المستغرق في إنهاء إجراءات الإفراج الجمركي والتصدير، وتخفيض التكاليف المالية والبيئية لحركة الواردات والصادرات من خلال استخدام السكك الحديدية مما يسهم في تحسين معدل التضخم وتحسين تنافسية الصادرات.

وفي هذا السياق أعلنت وزارة النقل بدمشق، مطلع الشهر الجاري، إن قدرة المرفأ الحالية على استقبال البضائع تبلغ نحو 13 مليون طن سنويا، كاشفا عن “خطط حكومية لإيجاد مرافئ جافة تكون رديفة لمرفأ اللاذقية، حتى لا يتم التعرض للواجهة البحرية”.

وكان مرفأ اللاذقية قد تعرض لضربتين منفصلتين، نهاية العام الماضي، ما أسفر عن أضرار وخسائر “كبيرة” في ساحة الحاويات التي تتبع له. حيث نفذت الضربات مقاتلات إسرائيلية، وذكرت وسائل إعلام حينها أنها استهدفت شحنات أسلحة إيرانية، كانت طهران تحاول تمريرها إلى ميليشياتها الموزعة على الجغرافيا السورية.

أواخر التسعينيات نشطت حركة التجارة العالمية مستخدمة أساليب ومفاهيم جديدة لتقليل التكاليف الكلية إلى أدنى حد ممكن، وتطورت مفاهيم كثيرة منها الميناء البحري الذي كان يعتمد على موقعه الجغرافي مع التركيز على توفير خدمات المناولة للبضائع وعمليات التخزين داخل الميناء، حيث كان الميناء البحري هو البداية أو النهاية للبضائع الواردة أو المصدرة.

أما الآن فقد اشترك الميناء البحري في سلسلة النقل المتعدد الوسائط وأصبح حلقة من حلقاته، ونشطت المنافسة بين الموانئ في تقديم الخدمات المتكاملة لسلسلة النقل مع الاهتمام بسياسات تسعير الخدمات بهدف تقديم خدمات مميزة بأسعار تنافسية لاستقطاب أنشطة تجارية جديدة، مع الاحتفاظ بالأنشطة القائمة وذلك بربط الميناء البحري بالمناطق الخلفية (الموانئ الجافة) بشبكة من الطرق المختلفة (برية، نهرية، سكك حديدية، وشبكة اتصالات حديثة).

الموانئ الجافة في سوريا

وفي الاصطلاح العام فإن الميناء الجاف هو عبارة عن منشأة مجهزة تقام داخل البلاد بدلا عن الموانئ البحرية أو بالقرب من المناطق الصناعية، حيث يتم إقامتها لإتمام النقل متعدد الوسائط ولتحقيق المفاهيم اللوجستية ولمنع التكدس بالموانئ البحرية والجوية وتحقيق قيمة مضافة، بحسب ما أشار إليه الباحث الاقتصادي، محمد لومان، خلال حديثه لـ”الحل نت”، مع ضرورة أن يتوافر لها بنية أساسية متميزة تربطها مع وسائط النقل المختلفة وشبكة اتصالات عالية الكفاءة وتكون هذه المناطق خاضعة لسيطرة الجمارك.

فيما يبقى الفرق الوحيد تنظيميا بين الميناء الجاف والمستودع الجمركي هو أن الميناء يُنص عليه في بوليصة الشحن على أنه الوجهة النهائية عبر ميناء محدد. ويعتبر الموانئ الجافة هي إحدى الحلول الرئيسية لنواتج مواجهة تحسين ونمو الاقتصاد العالمي من خلال التجارة المنقولة، حيث تحقق التسيير والتدفق المنتظم لحركتها بالصورة التي تزيد من الفاعلية الاقتصادية المطلوبة لها، وحيث تقل تكلفة البضاعة من خلال تقليل تكلفة نقلها والخدمات التي تؤدى لها سواء بتقليل زمن بقائها بالموانئ، أو بتقليل زمن بقاء وسائط نقلها ممتلئة أساسا في السفن وغير ذلك من أنشطة القيمة المضافة والأنشطة المكملة، والتي تصب جميعها في النهاية في الوعاء الاقتصادي بالشكل الإيجابي الذي يزيد من نموها وتدفقها.

ولا يعتبر تكرار الحديث مؤخرا عن المرافئ الجافة، بأن سوريا لا تملك هذه المرافئ، إنما يعود الحديث عن هذا الملف بكثافة، سعيا لخدمة مصالح إيران، وفق حديث المهندس السابق في وزارة النقل، عبدالستار السراس، لـ”الحل نت”، مشيرا إلى أن المرفأ الأول كان يقع قرب المدينة الصناعية في عدرا على مساحة 163 ألف م2، بينما يقع المرفأ الثاني في حمص على مساحة 902,4 ألف م2؛ بطاقة تحميل وتفريغ 10 ملايين طن سنويا أي ما يعادل /1,5/ مليون حاوية نمطية، أما المرفأ الجاف الثالث فيقع في المدينة الصناعية بالشيخ نجار في حلب بمساحة /360/ ألف م2 وبطاقة تحميل وتفريغ /10/ ملايين طن أي ما يعادل /1,5/ مليون حاوية نمطية، ويقع المرفأ الجاف الرابع في السبينة وهو قيد الاستثمار وبطاقة سنوية /90/ ألف حاوية نمطية أي ما يعادل /560/ ألف طن وستصبح طاقته السنوية بعد تنفيذ التطوير /180/ ألف حاوية نمطية بمساحة مستثمرة /22000/ م2 في دمشق بمحطة الشحن للقطارات في السبينة، وبالنسبة للمرفأ الجاف الخامس فيقع في المسلمية في حلب بالمنطقة الحرة وهو قيد الاستثمار وطاقته الحالية /60/ ألف حاوية نمطية أي ما يعادل /450-500/ ألف طن، وستصل طاقته السنوية بعد تنفيذ التطوير إلى/120/ ألف حاوية نمطية.

مطلع آذار الجاري، أعلن مدير عام الخطوط الحديدية في سوريا نجيب فارس، عن توقيع اتفاق على مشروع الربط السككي بين سوريا والعراق ومنه إلى إيران، موضحا أنه سيخفض تكاليف النقل عند المباشرة بالعمل وفقه، بما يتطابق مع تكرار تصريحات مسؤولي دمشق حول تفعيل الموانئ الجافة، على طريق خدمة المصالح الإيرانية بالتمدد نحو دمشق، بريا، بحسب حديث الخبير الاقتصادي، محمد لومان.

وقال فارس إن اجتماعات مع مدير عام السكك الحديدية في العراق حيث جرت مناقشة موضوع الربط السككي بين شبكة حديد سوريا وشبكة حديد العراق، وهي تكملة لسلسلة اجتماعات سابقة حول هذا الموضوع.

مؤكدا أنه “تم الاتفاق على توحيد المواصفات الفنية والخدمية لشبكتي السكك الحديدية في البلدين بما يتوافق مع المواصفات الفنية المعتمدة حاليا لدى اتحاد السكك الحديدية، بحيث أن القطارات السورية عندما تمر على الشبكة الحديدية العراقية تكون بنفس مواصفات نظيرتها العراقية”.

وأشار فارس بداية الشهر الحالي، إلى أن “الربط السككي سينعكس إيجاباً على كلا الشبكتين من ناحية نقل الترانزيت كما سينشط التجارة بين البلدين”.

وفي تموز/يوليو 2019 أعلنت إيران أن مشروعا كبيرا يجري العمل عليه يربط ميناء الخميني الواقع على الجانب الإيراني من مياه الخليج بميناء اللاذقية على البحر الأبيض المتوسط.

وخلال اجتماع في طهران، آنذاك، مع مديري كل من شركتي خطوط السكك الحديدية السورية والعراقية، قال مدير شركة خطوط السكك الحديد الإيرانية، سعيد رسولي، إن المراحل الأولى للمشروع ستبدأ بعد ثلاثة أشهر.

وأكد رسولي أن المشروع سيبدأ بربط مدينتي شلمجة الإيرانية والبصرة العراقية بطول 32 كيلومترا بتنفيذ وتمويل من إيران، على أن يكتمل ربط شلمجة بميناء “الإمام الخميني” وربط البصرة بميناء اللاذقية.

فوائد إيرانية

هذا وقد صدرت تصريحات سابقة من مسؤولين إيرانيين حول سعي طهران إلى فتح ممر بري يصل إلى البحر المتوسط في سوريا عبر العراق، ما سيحقق مكاسب عديدة تجنيها طهران من الطريق على جميع الأصعدة.

ويعتبر الممر البري “الجائزة الأكبر”، كما وصفته وكالة “أسوشيتد برس” الأميركية، إذ يضمن لإيران طريق إمداد لنقل الأسلحة الإيرانية إلى حليفها في لبنان “حزب الله”، كما سيسهل حركة الميليشيات التي تدعمها، إضافة إلى كونه طريقا تجاريا بديلا عن مياه الخليج.

فيما كان قد أعلن مساعد وزير الطرق وبناء المدن الإيراني، شهرام آدم نجاد، في وقت سابق، موافقة إيران والعراق وسوريا على إنشاء ممر للنقل متعدد الأوجه بين الدول.

وقال آدم نجاد لوكالة “تسنيم” الإيرانية إن مرحلة جديدة ستشهد ازدهار التجارة بين الدول الثلاث، مشيرا إلى أن الأجهزة المعنية في الدول تنسق تسهيل النقل والشحن ودعم حضور القطاعات الخاصة.

بينما نقلت تقارير لصحيفة “الوطن” المحلية، عن وزارة النقل السورية أن المناقشات تتواصل بشأن مشروع ربط ميناء “الإمام الخميني” الواقع على الجانب الإيراني من مياه الخليج، مع ميناء اللاذقية السوري على البحر المتوسط، حيث تبلغ المسافة بينهما نحو 1800 كيلو متر.

يأتي المشروع إضافة لمشروع ربط مدينتي شلمجة الإيرانية، والبصرة العراقية بطول 32 كيلو متراً بتنفيذ وتمويل من إيران. وسيكتمل بربط شلمجة بميناء “الإمام الخميني”، وربط البصرة بميناء اللاذقية.

وذكرت الوزارة أن الخط الحديدي الواصل بين دير الزور- الطابية- البوكمال بطول 142.8 كلم قيد الإنشاء. لافتة إلى أن الخط “تعرض في أغلب أجزائه للتدمير والتخريب، ولذلك فهو يحتاج إلى إعادة تأهيل ما دمرته الحرب، واستكمال تنفيذ الأعمال المتبقية اللازمة لوضعه في الاستثمار”.

كما أكدت أن هذا الخط يعتبر جزءا من محور النقل الدولي غرب-شرق الموانئ السورية عبر حلب إلى العراق وإيران ودول شرق آسيا، ويشكل ممرا استراتيجيا بالنسبة لسوريا والعراق في مجال الترانزيت.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.