يعتبر ازدياد حالات الزواج العرفي في سوريا من الظواهر التي أفرزتها الحرب السورية. فعلى الرغم من أن المجتمع السوري عرف دائما حالات الزواج العرفي، إلا أن الظروف الجديدة، التي يعيشها كثير من السوريين، جعلت هذه الظاهرة تصل إلى مستويات غير مسبوقة.

وسجلت المحاكم السورية مؤخرا مئات الطلبات لتثبيت الزواج العرفي، فيما يؤكد باحثون اجتماعيون أن هذه الطلبات لا تشكل سوى نسبة صغيرة من الزيجات العرفية غير المعلنة.

لماذا يلجأ السوريون للزواج العرفي

أغلب من تحدثوا لـ”الحل نت” عزوا تفاقم ظاهرة الزواج العرفي للضرورة والظروف الراهنة. ومنهم منير سلامة، الموظف الحكومي في مديرية الزراعة في حمص، الذي لم يمانع بالحديث عن تجربته في الزواج العرفي من سيدة أرملة.

يقول سلامة لـ”الحل نت”: “للأسف نسوة كثيرات فقدن أزواجهن في هذه الحرب، وأخريات لم يأت نصيبهن بعد، لقلة عدد الرجال نسبة إلى النساء في سوريا. عندما تعرّفت على زوجتي الحالية كانت أرملة وأماً لطفلين. وبعد أن قامت علاقة بيننا تزوجتها عرفيا. لأنني رجل متزوج، وخفت ان يؤثر الزواج الثاني على عائلتي وزوجتي الأولى. وبقينا على هذا الحال أربع سنوات، إلى أن حملت وانجبت بنتا، فاضطررت لثبيت الزواج كي أثبت نسب ابنتي”.

الطالب الجامعي حسام منصور يؤكد أن “نسبة النساء العازبات مرتفعة في سوريا اليوم. ولذلك فإن الزواج العرفي إحدى الوسائل التي تسهل إيجاد الشريك. إذ أن كثيرا من الرجال متزوجون أو غير قادرين على الزواج بشكل نظامي. لظروف كثيرة، منها الفقر أو الهرب من الخدمة الإلزامية والملاحقة الأمنية”.

إلا أن منصور، في حديثه لـ”الحل نت”، لا ينكر مشاكل ومخاطر الزواج العرفي في سوريا، مؤكدا أن “هذا الزواج غالبا ما يرتبط بالسرية وعدم الإشهار، ولذلك مخاطر كبيرة على النساء، اللواتي لن يتمكن من تثبيت حقوقهن. فضلا عن نظرة المجتمع السلبية لمن تتزوج عرفيا”.

الرجال يفضّلون الزواج العرفي

وتأتي قصة السيدة إيمان، هو اسم مستعار لإحدى النساء اللواتي كان للزواج العرفي تأثيره السلبي على حياتهن، لتعزز كلام منصور. فإيمان تصف تجربتها بالزواج العرفي من الشاب الذي أحبته بـ”القاسية والمدمرة”.

وتقول لـ”الحل نت”: “لم أكن أعتقد أن رغبتي بالزواج من أحمد، الشاب الذي أحببته وتحديت الظروف لأجله، ستكون ذات نتيجة كارثية. أهلي لم يوافقوا على تزويجنا، لأنه كان يخدم في القوات النظامية بوصفه جنديا احتياطيا، فضلا عن وضعه الاقتصادي المادي المتدهور. ففكرنا بالزواج العرفي لكي نضع أسرتي تحت الأمر الواقع. لكن ما إن مرت أربعة أشهر حتى أصبحت حاملا منه، وهنا كان لابد من الاسراع في إعلام أهلنا وإخبارهم بزواجنا. ولكنني فوجئت به يرفض إشهار الزواج وتثبيته، بحجة أنه مازال يخدم في الجيش. وطلب مني إجهاض الجنين. وللأسف أرغمني على ذلك، فارتأيت أن أعترف لأهلي بحقيقة زواجي بعد تدهور علاقتنا. هنا كانت الكارثة أنني لم أجد ورقة الزواج، وحاولت أن أصل للشهود، وللشيخ الذي كتب كتابي، ولم أفلح للأسف. أما زوجي فقد توارى عن الانظار، فنبذني أهلي، وشعرت بذل كبير. ضاعت كل حقوقي وندمت أشد الندم”.

رنيم دباس، الأستاذة الجامعية في كلية الارشاد النفسي بجامعة تشرين، أوضحت لـ”الحل نت” أبعاد الزواج العرفي في سوريا بالقول: “قبل الحرب السورية كان يتم اللجوء إلى الزواج العرفي في حالات استثنائية، لحل مشاكل معينة، تتعلق بإتمام إجراءات التعارف بين الذكر والأنثى عند فئات متعددة من المجتمع، بسبب العادات والتقاليد التي لا تسمح للخطيبين باللقاء بدون عقد شرعي. غير أنه منذ اندلاع الحرب راحت أرقام الزواج العرفي تزداد بشكل كبير، في ظل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة. خصوصا أن هذا الزواج لا يلزم الزوج في الغالب بالنفقات والمسؤوليات. ولذلك يفضل الرجال الزواج العرفي، تهربا من حقوق الزوجة الكاملة، مثل المهر والمؤخر”.

الزواج العرفي ليس حكرا على مناطق سيطرة الحكومة السورية

تظهر الإحصاءات والمتابعات أن ظاهرة الزواج العرفي في سوريا ازدادت أيضا في مناطق سيطرة المعارضة السورية، حيث حاول القائمون على الهيئات القانونية والقضائية الشرعية تجاوز العقبات التي سببها حصار القوات النظامية لتلك المناطق، من خلال إبرام عقود الزواج العرفي.

يوضح الشاب محمد الأشمر، وهو من سكان ريف إدلب، أنه “قد مضى على زواجه أكثر من سنة، ولم يتمكن من تثبيته لدى أية جهة. فهو لا يستطيع الذهاب إلى مناطق الحكومة السورية، وليس لديه من يقوم بذلك نيابة عنه”.

ويتابع في حديثه لـ”الحل نت”: “لست الوحيد في بلدتي الذي  يعاني في تثبيت زواجه العرفي، فقد بات تثبيت عقد الزواج أمرا غير سهل بالنسبة لكثير من الشباب والشابات، في ظل غياب جهة مسؤولة ومعترف بها للقيام بهذا الأمر. تزوجت منذ ثلاث سنوات من ابنة خالي بعقد عرفي، وأبحث عن جهة معترف بها لتسجيل زواجي، لكنها غير متوفرة. أصبحت أعاني كثيرا. خصوصا أن أول طفل لي سيولد قريبا، ولابد من تسجيله نظاميا. لكن للأسف لا يستطيع الآباء تسجيل مواليدهم بسجلات وقيود نظامية، في حال عدم تثبيت الزواج العرفي في المحاكم السورية الشرعية”.

فيما تقول السيدة أم ياسين، وهي لاجئة سورية في مدينة غازي عنتاب التركية، تنحدر من ريف حلب، إن “زوجها، الذي اضطرته الظروف للزواج العرفي بها، بعد نزوحها هي وأهلها الى تركيا، قد توفي منذ عام ونصف. وطالبت أهله، الذين ما زالوا يقيمون في بلدتهم شمالي حلب، بالنفقة لها ولأطفالها اليتامى. لكنها لاقت رفضا قاطعا. والحجة عدم وجود دليل على أنها زوجة ابنهم. إذ لم تقنعهم ورقة الزواج العرفي”.

وتختتم حديثها لـ”الحل نت” بالقول: “أنا غير قادرة على توكيل محام يطالب بحقوقي المشروعة، لأني لا أملك تكاليف الدعوة. ولم أتمكن من تثبيت زواجي بطريقة قانونية، لعدم وجود جهة رسمية معترف بها تقوم بذلك”.

عواقب قانونية واجتماعية وخيمة

المحامي فهد سلوم أكد لـ”الحل نت” أن “الزواج العرفي في سوريا أصبح ظاهرة مقلقة، مع تزايد الحالات بشكل كبير في السنوات الأخيرة، باعتراف الجهات الرسمية في البلاد. وجاء ذلك بعد أن ألغت اللجنة الدستورية في مجلس الشعب، في حزيران/يونيو 2018، مقترح عقوبة السجن للمتزوجين عرفيا، واستبدلت بها غرامة مالية حسب الحالة”.

مضيفا: “مشكلات عدم تسجيل الزواج بشكل أصولي لها عواقب وخيمه على المجتمع بشكل عام، وعلى الأطفال بشكل خاص. لأن عدم تثبيت عقد الزواج يخلق كثيرا من المشكلات للأطفال الناتجين عن الزواج. كما أنه في حال وفاة الأب في وقت مبكر يخشى من ضياع النسب، كما يخشى أيضا من أن يصبح الطفل من مكتومي القيد. وفي هذه الحالة لا يمكنه التسجيل في المدارس والجامعات”.

مقالات قد تهمك: قانون الأطفال مجهولي النسب في سوريا: حل لمشكلة إنسانية أم محاولة للتغيير الديمغرافي؟

وعن إجراءات تثبيت الزواج العرفي في سوريا يقول سلوم: “هناك طريقتان. إحداهما تكون عبر القضاء، بتقديم دعوى إثبات الزواج والنسب، في حالة عدم اتفاق الطرفين، أو غياب أحدهما بسبب السفر. والثانية ذات طابع إداري، من خلال تقديم طلب إلى الدوائر المختصة بإثبات الزواج والنسب الناتج عن عقد زواج عرفي، وذلك في حالة اتفاق طرفي الزواج وحضورهما. ويمكن هنا تثبيت الزواج في تاريخ مبكر من حالة الحمل أو الإنجاب”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.