دون أي أهمية لنوع الطعام الذي في الصحن، تظل السكبة أو “السكبة الرمضانية” كما يسميها البعض في سوريا، هي العادة الرمضانية الحاضرة، حيث يتبادل فيها الجيران طبق من الأكلة الرئيسية في الإفطار أو طبق من الحلوى، مما يترك بصمة لا تمحى في هذا الشهر، وعلى الرغم من إن هذه العادة تساهم في حل الخلافات بين عائلتين إلا أنها بدأت في الآونة الأخيرة في الاندثار.

السكبة فأل خير

الشعور السائد في سوريا، أن رمضان هو شهر الخير، وعلى امتداد الـ30 يوم يحافظ الناس قدر استطاعتهم على طقوسه وعاداته التي ورثوها عن أجدادهم، لكن في سوريا كانت الظروف المعيشية الصعبة هي حائط الصد التي وقفت أمام استمرار السبكة.

تشير النساء في دمشق، إلى أن تقاسم الأهل والجيران لأطباق الإفطار، ولا سيما الأهالي الذين يقطنون ضمن عمارة واحدة، هو من باب الصدقة، فضلا عن أنها فأل خير للتآلف والتراحم، بالإضافة إلى أنها تزيد من تنوع أطباق مائدة الإفطار لدى العائلة الواحدة.

أم سمير التي تعيش في حي نهر عيشة بدمشق، قالت لـ”الحل نت”، جرت العادة أن أتبادل أنا وسلفاتي – زوجات إخوة الزوج – الطبخة الرئيسية على الإفطار، فعند نضوج الطبخة تقوم كل عائلة بإرسال أحد أبنائها لتقديم الطبق للعائلة الأخرى، وتستمر الحالة على هذا المنوال.

وبحسب أم سمير، فإن صحن السكبة يجب أن يكون مليئا، ليدل على كرم العائلة، ويجب أن يحوي ألذ ما طبخته العائلة في هذا اليوم، إلا أن اختفائها من طقوس رمضان ليس بخلا كما تقول، إنما الظروف الاقتصادية الصعبة، وعدم قدرة العائلة على الطبخ يوميا، هي من أوقفت هذا التقليد الرمضاني.

للقراءة أو الاستماع: “مسحراتي سوريا” الطقس الرمضاني الغائب الحاضر

العادات تبدلت بسبب الحرب

لم ينكر لؤي غسان، المنحدر من مدينة نوى، تبدل معظم عادات السوريين منذ أن بدأت الحرب، وطغت آثارها على جميع القاطنين في البلاد، ولربما وحسب حديثه، أن رمضان هذا العام أيضا اختلف عن العام السابق، فالأسعار لم تعد كما في السابق، كما أن اللحمة الأهلية تفككت.

يوضح غسان، خلال كلامه لـ”الحل نت”، أن غالبية عادات رمضان تبدلت وانسلخت عن السوريين بسبب آلة الحرب التي لا تزال مستمرة منذ 11 عاما، إلا أن عادة السكبة التي اختفت بشكل شبه كلي، لا تزال مستمرة ولكن بشكل بسيط، فلم تعد العوائل ترسل يوميا السكبة، إنما اكتفت فقط بسكبة واحدة أسبوعيا، أو مرة واحد خلال بداية الشهر، ثم تتلاشى مع مرور أيام رمضان.

 غسان الذي يعمل في بقالة مواد غذائية، أكد أن الوضع المعيشي والذي وصفه بالمتردي، هو من أهم الأسباب لإقلاع السوريين عن عادات الكرم، إذ وفقا لقوله، باتت الأسرة لا يمكنها تأمين وجبة إفطار في اليوم، كما أن النزوح والتهجير كان سببا لعدم اختلاط الناس ببعضهم، فالآن الجيران لا يعرفون بعضهم.

وأوضح غسان، كما أن اختلاف الأطباق من عائلة لأخرى، وردائة المواد التي يضطر رب العائلة لشرائها، من جملة الأسباب التي جعلت من ربات البيوت في سوريا يترددن في إرسال السكبة لجاراتهن ولا سيما القاطنات الجدد.

للقراءة أو الاستماع: المشروبات الرمضانية في سوريا.. كيف تأثرت بالأوضاع الاقتصادية؟

السلع الرئيسية والخدمات بارتفاع

مع بداية شهر رمضان، تشهد الأسواق السورية حركة خجولة، خاصة في أسواق الخضار والفاكهة، بسبب ارتفاع الأسعار بشكل خيالي، حيث لم تشهده البلاد منذ سنوات طويلة.

وهذا الارتفاع بالتأكيد أدى إلى عزوف نسبة كبيرة من السكان عن شراء الكثير من متطلباتهم وبالتالي تراجع قدرتهم الشرائية إلى أدنى مستوياتها، بحيث لم يعد شهر رمضان كما كان من قبل في سوريا، حيث لم تعد هناك عزائم أو لم شمل عائلي كما في السابق حول موائد رمضان ، فضلا عن شحّ الخدمات العامة مثل الغاز والكهرباء والمواصلات. ما يزيد من التحديات التي تواجه أكبر شريحة من المجتمع السوري، بحسب وسائل الإعلام المحلية.

تعيش الفئة الفقيرة من السكان في سوريا في واد عميق من العوز، بحيث لا يمكن لضغط النفقات أن ينقذهم بأي شكل من الأشكال، خاصة للعائلات التي يزيد عدد أفرادها عن 5 أفراد، حتى لو كان هناك فردين يعملون في الأسرة الواحدة، في ظل تدني الرواتب عموما، حيث يقدر متوسط ​​رواتب موظفي الحكومة بـ156 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل نحو 40 دولارا.

وبغض النظر عن التعديلات التي أدخلت على وجبة “السكبّة” أو اختفائها، فإنها لا تزال كافية لحل العديد من الخلافات ونقل رسائل المحبة والسلام بين أفراد المجتمع نفسه، حيث يفضل السوريون داخل البلاد عودة الأمان وخصوصا خلال الشهر الكريم، حتى لو كان الطبق الرئيسي في المائدة بسيطا.

للقراءة أو الاستماع: المجدرة والبرغل ببندورة.. أسعار كاوية للطبخات الشعبية في سوريا

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة