أصدر الائتلاف السوري مؤخرا مجموعة من القرارات التي تنص على استبعاد عضوية أربع مكونات ومجموعة من أعضائه، في خطوة وصفها رئيسه سالم المسلط بالإصلاحية، في حين أثارت الخطوة أو الإجراءات المتخذة بحق الأعضاء غضب الكثير من المتابعين والمهتمين بالشأن السوري، الذين عزوها إلى تصفية حسابات داخل الائتلاف ومحاولة لإحكام السيطرة عليه من قبل الفئة المتنفذة، وهناك من ردها إلى تنفيذ املاءات خارجية لاسيما تركية تعكس أخر التطورات الإقليمية والدولية، نتيجة التقارب التركي من ناحية والإماراتي والمصري وربما السعودي من ناحية ثانية، وبحكم تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا أيضا.

يذكر على صعيد متصل تنامي حجم الضغوط والانتقادات الشعبية الممارسة على الائتلاف منذ مدة طويلة، على اعتباره بينة فوقية معزولة عن الكتلة الاجتماعية السورية داخل وخارج سوريا.

أولاً، كونه لا يعبر عن معاناة السوريين وأوجاعهم ولا يتابع شؤونهم وقضاياهم السياسية واليومية على حد سواء، بما يشمل المتواجدين منهم في مناطق نشاط الائتلاف مثل مناطق الشمال السوري وداخل الأراضي التركية.

كما يتعرض الائتلاف من ناحية ثانية لانتقادات ذات طبيعة سياسية، نظرا لتمثيله مصالح تركية على حساب مصالح الشعب السوري، حتى بات ورقة بيد الحكومة التركية تسيره وتستخدمه كما شاءت، فتركيا صاحبة القرار الأول والأخير بما يخص توجهات الائتلاف السياسية، وقراراته،  بما فيها قرار المشاركة في اجتماعات استانا واللجنة الدستورية ومجمل العملية السياسية الجارية برعاية روسية وتركية، وموقفه من الحوار الكردي- الكردي أيضا والموقف من قوات سوريا الديمقراطية وسائر الكتل والأطراف الفاعلة أو الناشطة على أو في الساحة السورية.

بناء على كل ذلك نجد بما يخص علاقة تركية بالقرارات الأخيرة، استحالة اتخاذ قادة الائتلاف هذه القرارات دون موافقة الحكومة التركية، إن لم تكن نتاج توجيهات تركية مباشرة، وإن صعب علينا الآن فهم أسبابها المباشرة وغير المباشرة، إذ تهيمن الحكومة التركية بشكل كامل على الائتلاف وتحركه وتسيطر على جميع خطواته وتصرفاته بل وتصريحاته، كي تصب جميعها في صالح مصالحها الآنية والمستقبلية، خصوصا في مرحلة حساسة ودقيقة كالتي نمر بها اليوم على الصعيدين الإقليمي والدولي. حيث لا تبدو القرارات انعكاسا لرغبة تركية في مزيد من السيطرة على الائتلاف، فهي محكمة قبضتها عليه منذ مدة طويلة، ولا تحتاج لأي عملية تصفية سياسية داخله من أجل تشديد قبضتها. الأمر الذي يدفع كاتب المقال لرد القرار إلى تغيير قادم في استراتيجية تركيا تجاه سوريا، ربما على الصعيد العسكري من خلال تصعيد ميداني يسعى إلى تقويض مصالح ونفوذ روسيا أو إيران أو كلاهما في سوريا، أو على الصعيد السياسي الأمر الذي يتطلب اجبار الائتلاف على تقديم مزيد من التنازلات السياسية. لكن ونظرا لطبيعة الأوضاع الإقليمية والدولية غير المستقرة مؤخرا، يرجح الكاتب احتمال التصعيد العسكري في مدى منظور لكن بعيد نسبيا، أي ربما في الأشهر القليلة القادمة.

أما بما يخص دلالات القرارات على الصعيد الشعبي السوري، فيمكن القول هناك قلة قليلة قد تناهز الصفر من الشعب السوري تعلم أسماء عشرة شخصيات من أعضاء الائتلاف، وقلة مطلعة على مكوناته السياسية المرافقة لجماعة الأخوان المسلمين، وعليه لا يكترث السوريون بعدد مكونات الائتلاف وهويتهم ومن استبعد منهم، فاعتراضات الشعب السوري وانتقاداته الموجهة للائتلاف لا تتعلق بتركيبته السياسية العامة، أو بمن يشارك في اجتماعاته ومن يتغيب عنها، بل تتعلق ببنيته الاستبدادية المغلقة وتوجهاته المتناقضة مع مصالح السوريين وأهداف ثورتهم. لذا يمكن لرئيس الائتلاف الادعاء كما يشاء فليس هناك من يحاسبه على كلامه، كما يحق لنا أن نعلن بصوت واضح أن قراراته أو قرارات هيئة الائتلاف العامة لا تمت للإصلاح بصلة، ولا تعبر عن نبض الشارع السوري ولا عن مطالبه ولا تراعي انتقاداته الكثيرة والمتعددة، بل هي مجرد ذر للرماد بالعيون، وهي مثال جديد على استبدادية الائتلاف وبنيته الفاسدة والتالفة.

إن عملية إصلاح الائتلاف سهلة وبينه ولها خطوات متتابعة وسريعة، أي لا تتطلب تشكيل لجنة خاصة بالإصلاح، فمن الممكن البدء بإشراك الشعب السوري ببنيته وتركيبته وبأليات اتخاذ القرار، من خلال فتح المجال العام أمام الكتلة الشعبية السورية كاملة أو تلك المتواجدة في دول تسمح للسوريين بالنشاط والعمل السياسي، كدول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية وكندا وتركيا التي يتبجح الائتلاف بعلاقاته القوية مع حكومتها، فلماذا لا يضغط من أجل سماحها للسوريين المتواجدين على أراضيها وفي المناطق التي تحتلها من سوريا من ممارسة حقوقهم السياسية الكاملة دون أي قيود؟ كما تتطلب عملية الإصلاح الحقيقة شفافية مطلقة لاسيما بما يخص القضايا المالية، حجم التبرعات ومصادرها وكيفية صرفها بالتفصيل من أجل القضاء على مظاهر البذخ والتبذير والفساد. وطبعا لابد من مصارحة سياسية تضع الشارع السوري في صلب العملية السياسية، وتطلعه على جميع المستجدات والضغوطات الممارسة من أجل تقديم تنازلات سياسية، بما فيها الضغوطات الممارسة من أجل المشاركة في اللجنة الدستورية وسواها من الاجتماعات واللقاءات المفروضة روسيا وتركيا، فتلك مجرد خطوات أولى يمكن اتخاذها باجتماع واحد فقط إن توفرت الإرادة السياسية الحقيقة لإصلاح الائتلاف أو تغييره حتى.

إذا لن تساهم القرارات الائتلافية الأخيرة في الحد من الانتقادات اللاذعة التي تطال الائتلاف، فهي لا ترضي الشارع السوري، ولا تمت بأي صلة لمطالبه، بل على العكس قد تزيد من حدة الانتقادات ومن عددها، نظرا لكونها سياسات أمر واقع جديدة، يتخذها الائتلاف أو قيادته أو المتحكمون به دون أي اكتراث لشرعيتها السياسية والأخلاقية أو لتعبيرها عن آراء ومطالب الشعب السوري، تماما كمجمل قراراته التي اتخذها على الصعيد السياسي التزاما بالتوجيهات التركية، ومثل العديد من تصريحاته ومواقفه المحابية لتركيا على حساب مصالح السوريين، كما في نكرانه حقوق اللاجئين والمهجرين السوريين داخل تركيا وداخل مناطق سيطرته في سوريا وعلى حدودها المشتركة مع سوريا. أو حتى بما يخص كيفية إنفاقه لأموال الشعب السوري المحولة لصالح الائتلاف من رواتب ومنح ومصاريف يومية ومكتبية وغيرها من أشكال التبذير والفساد الممارسة أو على الأقل التي تبدو أنها ممارسة داخل مؤسسات الائتلاف وأطره. فجميعها سياسات أمر واقع يفرضها الائتلاف دون خشية من تحمل مسؤولية أفعاله، فهو متحصن بالدعم أو الحماية التركية، وقائم بقوة داعميها أو داعمها الإقليمي التركي، لذا تبدو تركيا الطرف الوحيد القادر على تقويض مكانته السياسية على المستوى الإقليمي والدولي في ظل التوازنات الراهنة.

لكن ماذا لو تغيرت التوازنات السورية؟ وبالتحديد ماذا لو نجح الشارع السوري أو جزء منه في بناء مؤسسة سياسية تمثل السوريين وتعبر عنهم وتستمد مرجعيتها ومصداقيتهم منهم فقط؟ لنا أن نتخيل المكان الذي سوف ينتمي إليه في حينه، كما لنا أن نتخيل المكان الذي سوف يأخذنا الائتلاف أو بالأصح داعمه الإقليمي إليه في حال عجزنا عن بناء أطر سياسية تعبر عنا وتحركها مصالح السوريين. وهو ما يعيدنا إلى جذر المشكلة السورية، الناتجة عن تبعات انكفاء الشعب السوري عن ممارسة دوره والنضال سياسيا، التي حولت سوريا ومستقبلها إلى لعبة في يد جملة من القوة الإقليمية، وعليه قد يساهم عودة المشاركة الشعبية السياسية الفاعلة ولو كانت عفوية وغير منظمة، في الحد من نفوذ القوى الإقليمية ومن تحكمها سياسيا رغم سيطرتها العسكرية الميدانية، وبالتأكيد سوف تفرض هذه العودة على الائتلاف وعلى مجمل الأطر السياسية والاجتماعية الناشطة في الوضع السوري خضوعا والتزاما بقرار وتوجهات الشارع السوري. لذا يعتبر كاتب المقالة أن الفعل السياسي الشعبي هو أداتنا الوحيدة لبناء أطر سياسية تمثل مصلحتنا الوطنية، وهو أداتنا الوحيدة للخلاص من حالة الانقسام السياسي والطائفي والعرقي والجغرافي، وهو أيضا سبيلنا الوحيد لتحرير سوريا من قوى الاحتلال الداخلية والخارجية وقوى الأمر الواقع المتحكمة اليوم في مستقبل وحاضر سوريا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.