بالمقارنة مع ما حدث في ليبيا ومصر وتونس واليمن، تواجه سوريا تهديدا أكبر بكثير من حيث تسلل الجهاديين بسبب الحدود التي فتحت من جهة تركيا والعراق. فالعديد من العناصر الجهادية العاملة الآن في سوريا على دراية بالتضاريس، بعد أن تغلغلوا ضمن فصائل المعارضة والكتائب الجهادية.

حاليا بات من الصعب التمييز بين الانتماءات الإيديولوجية للتنظيمات العسكرية العاملة في الشمال السوري. حيث حوّل الحل الأمني والتعقيدات التي أدخلتها مسارات الحل السياسي كأستانا، مناطق شمال غربي سوريا إلى ملجأ للجهاديين الأجانب، كما ساهمت محاولة “هيئة تحرير الشام”، تحسين صورتها من خلال اللجوء إلى العمل المحلي والادعاء بالابتعاد عن حلفائها المتشددين من أجل الحصول على اعتراف سياسي دولي وتغيير وضعها المستمر كمنظمة “إرهابية”، في تعزيز انغلاق الجهاديين على أنفسهم.

في إدلب، وهي المنطقة التي وصفها المسؤولون الأميركيون ذات مرة بأنها “أكبر ملاذ آمن للقاعدة منذ 11 أيلول/سبتمبر”. قد يكون مصير المحافظة الشمالية الغربية السورية محوريا أيضا بالنسبة لمستقبل وسياسة الدول الغربية المتدخلة في الملف السوري تجاه التشدد الإسلامي الجهادي في المنطقة. فما المصير الذي ينتظر هؤلاء الجهاديين؟

نحو نهج جديد

من أهم التحولات البراغماتية، التي يراها المحلل العسكري، العقيد مصطفى فرحات، أن الحالة السورية لا تشبه أية حالة، إن كانت في بعض الظروف تتفق بنسبة معينة مع تجارب سابقة كالعراق وأفغانستان، والبوسنة، إلا أن الغرباء -الجهاديين الأجانب- معضلة كبيرة.

وأوضح فرحات في حديثه لـ”الحل نت”، أن أصحاب أجندات الجهاد المفتوح والعابرة للحدود الذي لا يقبل بحلول سلمية داخل الوطن “حلول وطنية” لن يكون مصيرهم الاستمرار داخل الأراضي السورية. مشيرا بأن الخيارات التي أمامهم، “إما التصفية أو الترحيل فينتقل نشاط هؤلاء إلى أماكن أخرى”.

ولفت فرحات، أنه خلال الأيام السابقة، تسرب حديث عن نية دولية بدمج المناطق التي يسيطر عليها “الجيش الوطني” المدعوم من أنقرة، ومناطق “تحرير الشام”، بمنطقة أشبه بفدرالية إلى حد معين، وذلك بسبب عدم نضوج الحل السياسي في سوريا، وفق تعبيره.

وأشار المحلل العسكري، إلى أنه ومع تبلور هذا الطرح، الذي يدعم تحييد هذه المناطق من عقوبات “قيصر”، تبدو مسألة المقاتلين الأجانب صعبة، فيمكن أن يرتضي البعض إلقاء السلاح، إلا إن إيجاد آلية لإعادة هؤلاء الأشخاص إلى أوطانهم صعب، وخاصة أن دولهم لا تريد استقبالهم، وتجربة مقاتلي تنظيم “داعش” خير دليل.

وبالتالي، ووفقا لفرحات، فإن السيناريو المرجح، أن كل أصحاب الفكر الجهادي العابر للحدود لن يكون لهم دور في التسويات القادمة، ويمكن ترحيل بعض منهم إلى دولهم.

للقراءة أو الاستماع: “أمن الدولة” في إدلب.. كيف بسطت “تحرير الشام” قبضتها الأمنية؟

مصير الجهاديين يحكمه الحل الدولي

تحديد واختبار أدوات جديدة لسياسة الدبلوماسية لمكافحة الإرهاب، هذا يتوقف على طبيعة كل جهة ينتمي إليها هؤلاء المقاتلون أو ينشطون في مجالها، كما يتوقف على طبيعة استجابتهم للحلول المطروحة والتي ما زال من المبكر التعامل معها على أنها خطط.

فالمقاتلون الأجانب، وفقا لتصريح الصحفي، عقيل حسين، في حديثه لـ”الحل نت”، المنتمون لـ”هيئة تحرير الشام” سيكون موقفهم مختلفا عن المنتمين لـ”الحزب الإسلامي التركستاني” على سبيل المثال، وموقف هؤلاء سيكون مختلفا عن عناصر تنظيم “القاعدة” أو “حراس الدين”، وجميعهم سيختلف وضعهم عمن يسمون المستقلين.

وتفسيرا لذلك، قال حسين، “عناصر الهيئة ستتوفر لهم الحماية والإمكانات، وقبل ذلك سيكونون خاضعين لقرار مركزي يفرض عليهم القبول بهذا الحل أو ذلك، وغالبا هؤلاء سيتم توطينهم في أطراف وأرياف الشمال الغربي، كما حصل في النموذج البوسني، إذا ما قرر المجتمع الدولي الاعتراف بـتحرير الشام، أما إذا قرر محاربتها فإن مصير مقاتليها الأجانب سيكون مثل مصير العرب الأفغان”.

وبالنسبة للبقية، وبرأي حسين، وبسبب افتقارهم للقرار المركزي فإنهم سيكونون مضطرين للسير على خطى أقرانهم من عناصر “الهيئة” والحزب “التركستاني”، أو سيواجهون موقفا مأزوما، فإما الموت أو المطاردة والاعتقال أو الفرار باتجاه منطقة حرب أخرى باتت إمكانات الوصول إليها أكثر تعقيدا.

للقراءة أو الاستماع: عباس النوري للسوريين: واقعنا متخلف والحل تحرير العقل

6 سيناريوهات

وبما أن الحل السياسي في سوريا بات مرتبطا بعدة ملفات، أصدر “مركز جسور للدراسات”، السبت الفائت، تقريرا تحليليا يحدد شرائح المقاتلين الأجانب في صفوف تلك التنظيمات، ويرسم عددا من السيناريوهات لمصيرهم والعوامل المؤثرة في ذلك.

وطرح التقرير ستة سيناريوهات بشأن مصير هؤلاء المقاتلين، تراوحت بن الدمج والتوطين كما حصل في البوسنة -وهذا مستبعد في الحالة السورية وفق التقرير- أو العودة إلى الأوطان وفق النموذج الأفغاني، أو استقطابهم إلى مناطق نزاع جديدة خارج حدود سوريا كما حصل في العراق، أو تعرضهم لإبادة واسعة كما حدث في الشيشان. ويرجح التقرير أخيرا سيناريو الاعتقال والأسر وزجهم في سجون داخل البلاد نفسها، ليس على غرار سجن “غوانتانامو”.

ويرى التقرير، أنه لا يوجد سيناريو محدد سينتهي إليه مصير المقاتلين الأجانب، بل ربما يتحقق أكثر من سيناريو في آن واحد تبعا للظروف القادمة، ولشرائح المقاتلين الأجانب، واختلافاتهم الأيديولوجية، والفرص التي تتاح أمامهم، وطبيعة الحل السياسي.

للقراءة أو الاستماع: المعابر مصدر تمويل رئيسي لـ “هيئة تحرير الشام”

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة