يقوم نشطاء مجتمع الميم (المثليون) في سوريا بتنفيذ حملات مختلفة للمطالبة بحقوقهم ووقف الانتهاكات بحقهم، حيث لا يزال رهاب المثلية سائدا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. فمعظم البلدان في هذه المناطق لا تعترف بحقوق مجتمع المثليين، بل ويتم تجريم الأفعال المثلية.
ويواجه المثليون في سوريا على وجه الخصوص التمييز والانتهاكات اليومية وسط سياسات وأحكام قانونية تحرض على الكراهية والعنف ضد أي شخص مختلف ولا يلبي المعايير والتوقعات الاجتماعية السائدة. فالمادة 520 من قانون العقوبات السوري، على سبيل المثال، تجرم المثلية الجنسية وتستخدم لمعاقبة المثليين وثنائيي الجنس والمتحولين جنسيا بالسجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات.
وفي هذا السياق، يقول حازم (اسم مستعار)، وهو رجل مثلي الجنس نزح من ريف دمشق إلى شمال غربي سوريا، لـ موقع “المونيتور”: “قام شخص ما بالتبليغ عني لهيئة تحرير الشام، وتم اعتقالي وواجهت أقسى صور التعذيب والإذلال لمدة ثمانية أشهر. وعندما تم إطلاق سراحي بموجب عفو عام، انتقلت إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني السوري التابع للمعارضة خوفا من الاعتقال مرة أخرى. لكن بسبب ميولي الجنسية وعدم تسامح المجتمع تجاهي، ما زلت غير قادر على الحصول على وظيفة، وأجد نفسي مضطرا للعيش في سرية تامة خوفا من مواجهة أي أذى جسدي أو نفسي”.
ويقول مجد (اسم مستعار)، وهو أيضا رجل مثلي الجنس من حلب ويقيم في مدينة غازي عنتاب التركية، لـ “المونيتور”: “لقد انتقلت إلى تركيا منذ أكثر من ست سنوات لأنني تعرضت للاضطهاد في سوريا، حيث لم أتمكن من الكشف عن هويتي الجنسية. لكن الوضع هنا [في غازي عنتاب] ليس أفضل بكثير. لقد فقدت وظيفتي في منظمة إنسانية عام 2018 بعد أن اكتشفوا أنني مثلي، وما زلت غير قادر على العثور على وظيفة جديدة لنفس السبب. وفي الآونة الأخيرة، حاولت تقديم طلب لجوء في دولة أوروبية، لكن دونما جدوى”.
ويضيف مجد قائلا: “خوفي وشعوري بالرفض من قبل الآخرين لا ينتهي أبدا. وبلغ خوفي هذا ذروته، عندما انسحبت تركيا العام الماضي من اتفاقية اسطنبول بشأن مناهضة العنف ضد المرأة، بحجة تشجيع المثلية الجنسية. وعندما أضطر إلى زيارة مكتب حكومي، أشعر بالخوف أكثر من غيري. فعلى الرغم من أن المثلية الجنسية غير محظورة في تركيا، فإن هذا لا يعني أن المجتمع لا ينبذها. معدل جرائم القتل ضد المثليين في تركيا مرتفع للغاية، وقد حظرت الحكومة جميع الأحداث المتعلقة بالمثليين. آمل أن أغادر هذا البلد وأعيش حياة طبيعية وآمنة قبل فوات الأوان”.
وفي غضون ذلك، ينظم نشطاء مجتمع الميم السوريون حملات في محاولة لتغيير الصور النمطية في المجتمع والمطالبة بحقوقهم. وفي معظم الحالات، تنتهي هذه المبادرات بالتلاشي وسط غياب التنظيم لضمان استمراريتها وتحقيق النتائج المرجوة، وفق تقرير “المونيتور” الذي ترجمه موقع “الحل نت”.
وفي 24 آذار/مارس المنصرم، شكل نشطاء سوريون وجزء من مجتمع الميم منظمة سورية تدعى “حركة حراس المساواة”، معنية بالدفاع عن حقوق مجتمع الميم. وبذلك تكون هذه المنظمة الخطوة الأولى نحو حماية ومنع تكرار الانتهاكات ضد أفراد مجتمع المثليين في سوريا. وتعرف المنظمة الوليدة عن نفسها بأنها واحدة من أولى المنظمات غير الحكومية المخصصة لجميع أعضاء مجتمع الميم السوريين وعبر الشتات السوري العالمي.
وقد جاء على موقع المنظمة المذكورة: “تعمل حركة حراس المساواة على حماية ومناصرة حقوق الإنسان على المستويين الاجتماعي والدبلوماسي لجميع المستضعفين السوريين من مجتمع الميم، بغض النظر عن الانتماءات السياسية أو الدين أو الخلفية العرقية. وتدعم برامجنا الاحتياجات الأساسية لأفراد مجتمع الميم السوريين، وتوفر خدمات حماية شاملة بما في ذلك في البيئات غير الآمنة، وتوثيق انتهاكات حقوق مجتمع الميم، وإجراء البحوث والدعوة لتعزيز حقوق المثليين السورية”.
ويقول رئيس مجلس إدارة حركة حراس المساواة، الذي فضل عدم الكشف عن هويته، لـ “المونيتور”: “لقد تم اعتقالي سابقا والاعتداء علي لكوني مثلي الجنس، وسط غياب أي منظمة تدافع عن حقوق مجتمع الميم في سوريا. وقد دفعني هذا، مع عدد من النشطاء، إلى إنشاء حركة حراس المساواة. نحن نتواصل مع جمهورنا المستهدف من خلال وسائل الإعلام [التقليدية] ووسائل التواصل الاجتماعي والمنظمات الشريكة، أو من خلال أعضائنا”.
ويتابع موضحا: “نتعامل بحذر وعناية مع المستفيدين من خدماتنا ونلتزم بالعديد من سياسات حماية البيانات والخصوصية، لضمان أمن وسلامة المستفيدين. وبعد تأكيد وتوثيق الانتهاك الذي تعرض له الضحايا، نقدم لهم منحة مالية لمساعدتهم على تحسين أوضاعهم والانتقال إلى منطقة آمنة”.
من جانبه، يقول أحد الحاصلين على منحة مالية من هذه المنظمة لـ “المونيتور”، شريطة عدم الكشف عن هويته: “في العام الماضي، اعتقلت تعسفيا من قبل هيئة تحرير الشام. ومنعت من الاتصال بأسرتي ولم يسمح لي بتوكيل محام. وعندما تدهورت حالتي العقلية والصحية بشدة، بسبب الضرب الذي كنت أتعرض له، تم نقلي إلى المستشفى في اليوم الرابع لاعتقالي، وبعد ذلك تم إطلاق سراحي. ومع ذلك، ظل أفراد أمن هيئة تحرير الشام يداهمون منزلي بشكل شبه يومي لمدة شهر. وعندما حصلت على المنحة المالية البالغة 7000 دولار من حركة حراس المساواة، تمكنت من الانتقال إلى ريف شمال حلب، وأنا الآن أحاول دخول تركيا من أجل الوصول إلى أوروبا”.
ازدادت خلال السنوات العشر الماضية حالات الانتهاكات ضد أفراد مجتمع الميم السوريين، بما في ذلك الاختفاء القسري والاعتقالات والاعتداءات الجنسية في مختلف المناطق السورية.
في حين لم تكن المنظمات الدولية قادرة على إيجاد أي حلول لمساعدة الأفراد المعرضين للخطر، في ظل صمت وسائل الإعلام الدولية حول الانتهاكات المستمرة التي يتعرض لها مجتمع الميم في سوريا. ولا توجد إحصائيات دقيقة أو تقريبية عن عدد السوريين من مجتمع الميم، حيث يتردد الكثير منهم في الكشف عن توجهاته.
ويقول فضل عبد الغني، مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، إن مجتمع المثليين في سوريا غير قادر على الحصول على حقوقه في ظل الرفض القوي لجميع الأديان والثقافة المجتمعية ضد هذا المجتمع. وهذا هو السبب في عدم قدرة أي جهة على الدفاع عنهم. أضف إلى ذلك العدد الكبير من الانتهاكات في سوريا ضد أفراد مجتمع الميم، مثل القتل والتعذيب والاعتقالات والتهجير القسري. ويقول عبد الغني إن ذلك يحدث، في الوقت الذي تمتنع فيه المنظمات الحقوقية عن تسليط الضوء على هذه الانتهاكات التي تعد انتهاكات للحريات الشخصية.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.