أحداث عديدة مرت في التاريخ سجلتها ذاكرة رمضان على مر السنين يرصدها لكم “الحل نت” ويستعرض أبرز ما توصل إليه من رصد لأحداث الذاكرة الرمضانية.

في جزء اليوم من سلسلة “حدث في رمضان” يستذكر “الحل نت” أهم أحداث 22 رمضان التي مرت على المنطقة والعالم سواء خلال التاريخ الحديث، أو في عقود وقرون سابقة.

وجيه البارودي

في الـ22 من رمضان عام 1996 توفي الطبيب والشاعر السوري وجيه البارودي. هو من مواليد مدينة حماة عام 1906، ومن أعلام سوريا وقد قيل: “حماة هي: العاصي والنواعير ووجيه البارودي”.

بدأ دراسته الأولى في الكتاتيب ثم في مدرسة “ترقي الوطن” في مدينة حماة. سافر إلى لبنان بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918 م ليتابع دراسته وأمضى هناك أربعة عشر عاما شملت الدراسة الابتدائية والثانوية والجامعية وتخرج طبيبا سنة 1932م من الجامعة الأمريكية في بيروت (الكلية السورية الإنجيلية).

فتح عيادته الطبية الخاصة في مدينة حماة عام 1932 إثر عودته من لبنان واقتنى في تلك الفترة دراجة عادية استخدمها لزيارة مرضاه (أول من يقتنيها في حماة) ثم تطورت الأمور فاقتنى دراجة نارية بقيت معه حتى أواخر الأربعينيات من القرن العشرين (أيضا أول من يقتنيها في حماة) وبعدها اقتنى سيارة خاصة به (فكان أول من يقتني سيارة في حماة).

مارس مهنة الطب منذ عام 1932 إلى أن توفي عام 1996؛ أي أنه ضرب رقما قياسيا في الاستمرار بممارسة الطب بما يزيد على الستين عاما وبالتالي يعتبر صاحب أطول مدة عمل طبي في سوريا على الأقل.

كان إنسانا محبا لأبناء بلده كما أحبه أهالي مدينته لإنسانيته. لكن حدث خلاف بينه وبين مجتمعه عندما رفع الطربوش الذي كان يوضع على الرأس وكان عرفا إلزاميا في تلك الأيام في مجتمعه الحموي حيث خرج عن هذا العرف وخلع الطربوش ووضع بدلا عنه البرنيطة ليجابه بنقد جارح من قبل المجتمع.

قال في مدينته حماة التي أحبها ولم يفارقها أبدا:

فـي حمـاة مقيـم لا أغادرها شاطئ البحر عندي ضفة النهر
فيها النواعير والعاصي شاعرها ثـلاثة ميزتنا حكمـة القدر

خلال دراسته في الجامعة الأمريكية في بيروت تعرّف على مجموعـة من زملائه المشهورين في حقل الأدب منهم: (عمر فروخ اللبناني وإبراهيم طوقان الفلسطيني وحافظ جميل العراقي وأبو القاسم الشابي التونسي) وأسسوا معا جمعية أسموها دار الندوة عام 1926، وفي تلك الفترة انطلق صوته الشعري يصدح بأعذب القصائد وأحلى الأشعار، كما كان لهم قصائد مشتركة منها وادي الرمان التي نظمها مع الشاعر إبراهيم طوقان.

يعكس شعره شخصيته المتمردة الثائرة، وعشقه المتفاني، كما تظهر في شعره إنسانيته في ممارسة الطب وفلسفته الخاصة وقناعته الذاتية.

طبع ديوانه الأول (بيني وبين الغواني) عام 1950 ثم أعاد طباعته مع ديوانه الثاني (كذا أنا)عام 1971، وأخيرا صدر ديوانه الثالث (سيد العشّاق) عام 1994. بالإضافة إلى مجموعة من القصائد التي تنتظر من يقوم بجمعها وإصدارها.

عرف وجيه البارودي بتفوقه في ممارسة الطب حتى صار مرجعاً للحالات المستعصية، كما رويت عنه الكثير من النوادر والحكايات التي كانت تحدث معه يومياً من خلال ممارسته للطب، واشتهر بابتكاره طرقاً مميزة في العلاج تعتمد كثيراً على نظرته الثاقبة وعلى الناحية النفسية للمريض.

ومن ذلك نذكر هذه القصة: طـُلب ذات مرة إلى منزل امرأة على وشك الولادة ولكنها كانت متعسرة، شاهدها الدكتور وجيه فطلب مباشرة من الأهل طبلة (دربكـّة) وبدأ بالنقر عليها والرقص مع الصبايا مما أدى إلى غرق المرأة بالضحك وأنجبت مولودها دون أن تشعر بذلك، ولدى سؤال الدكتور وجيه عن سبب فعلته هذه أجاب: إن المرأة خائفة ومتشنجة وهذه الحالة لا يفكها إلا الضحك أو الفزع، لم أستطع على الثانية فقمت بالأولى. كانت طرائفه كثيرة ككثرة الناس التي عالجها وتعامل معها. قال عن نفسه:
حكيـمٌ خبـرتي تسعـون عاما ومدرسـتي التجارب والعلوم

ويذكر له أنه كان لكل الناس، للفقراء والبؤساء الذين يقصدونه وحين يمدون أيديهم لجيوبهم يمسك بها ويربت على أكتافهم، عدا عن الذين كان يقصدهم بنفسه ويعالجهم في بيوتهم ولا يخرج قبل أن يضع ما تيسر من النقود تحت وسائد أسرّتهم حتى غدا صوته في الطب والشعر والعمل الإنساني حديثا ملأ الدنيا في حماة و شغل بال الناس. قال عن نفسه:
وأنا الطبيب الألمعيُ ولي على بلد النواعير اليد البيضاء

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.